Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المخرجة السعودية شهد أمين: ثمة تقاليد من الضروري التخلص منها

"سيدة البحر" فيلمها الأول يرتكز إلى اللعبة البصرية

المخرجة السعودية شهد أمين (تصوير رغدة السيد)

قدّمت المخرجة السعودية الشابة شهد أمين فيلمها الروائي الطويل الأول، "سيدة البحر"، في مهرجان البندقية السينمائي الأخير. منذ تلك اللحظة، يجول الفيلم على التظاهرات السينمائية الدولية، لافتاً الانتباه وحاصداً الجوائز. شهد أمين التي بدأت مسارها الفني في الفيلم القصير، كانت قد أنجزت "حورية وعين" عام 2013، الشريط الذي استلهمت منه "سيدة البحر". تدور أحداث باكورتها الطويلة في سياق خيالي محض: "حياة" (بسيمة حجّار)، فتاة من سكّان قرية تغلب عليها تقاليد غريبة، من مثل التنازل عن الإناث إلى مخلوقات غريبة تعيش في البحر. يصعب تناول الفيلم، من دون التوقف عند معنى أن تخرج فتاة سعودية عملاً فنياً يتطرق إلى النضال النسوي. نضال استمدته من تجربة نساء حاولن تحطيم السلطة الأبوية وتحدي الهيمنة الذكورية. الفيلم شكّل "حالة سينمائية"، ليس لأنه يأتي من بلاد لا توجد فيها سينما، إنما لأنه مثقل بمرجعيات ثقافية ومشغول بحرفية، علماً أن أمين تنبذ فكرة مغازلة الغرب ورسم بورتريه إكزوتيكي عن السعودية.

البدايات

تحدثت شهد أمين لـ"اندبندنت عربية" عن بداياتها مع السينما، فقالت: درستُ السينما في لندن مع تخرّجي من المدرسة. بدأتُ بصناعة الأفلام في العاشرة من العمر. السبب بسيط جداً: أحبّ العربية الفصحى ومولعة بالتاريخ العربي. هل تذكر مسلسلاً قديماً يُدعى "الكواسر" لنجدت أنزور؟ كنتُ حينها في سن العاشرة. قررتُ أنني سأصبح مخرجة. رحتُ أصوّر في الحرج مع صديقاتي ونرتدي ملابس الزمن القديم. استمر الوضع سنتين، كتبتُ خلالهما القصص. أدركَ أهلي حبّي للسينما منذ الصغر. كنتُ أشاهد أفلاماً أميركية وصوراً متحرّكة لشخصيات يابانية. شيءٌ لم يؤثر فيَّ كالإصغاء إلى شخصيات تتكلّم لغتي وكاراكتيرات تشبهني. أزمة الهوية العربية مسألة ملحّة. كان هذا الأهم عندي.

وأضافت: استطعنا مشاهدة الأفلام عبر التلفزيونات والـ"دي في دي" التي كانت تُباع بإطار واسع. وساعدت كثرة أسفاري في بناء ثقافة سينمائية، لم تكن جزءًا من حياتنا على المستويين الجماعيّ والفرديّ. تشبّعنا أكثر تلفزيونياً. أذكر أنّه خلال دراستي في لندن، كنتُ متأخّرة في الصفّ عن زملائي. البريطانيون والأجانب يتشرّبون السينما وهم تلامذة مدارس. أما أنا، فلم أعرف عنها سوى الأفلام الهوليوودية وتلك الذائعة الصيت، إلى الأفلام العربية. كثّفت الجهد لأواكب الزملاء، فلا ينتابني إحساسٌ بأنّني أقلّ حضوراً. لم أكن وحدي مَن عانيتُ صراع الثقافات. إنّها معضلة الوافدين من الدول النامية ومن خلفيات متباعدة. أكثر ما تعلّمتُه في لندن تفادي استعمال الحوارات، فالسينما لغة محض بصرية. في "سيدة البحر"، حاولتُ بناء مشاهدي من دونها، باستثناء الحاجة الضرورية إليها. تعلّمتُ الدرس وتمسّكتُ به. 

تجربة صادقة

وعن لجوئها إلى المشاهد البصرية في "سيدة البحر" تقول: كان الأهمّ بالنسبة إليّ اتّباع حكاية "حياة" ورحلتها، فيكون الفيلم تجربة صادقة مع الجمهور. أردتُ المتفرِّج أن يكون جزءًا من مشاعر "حياة"، فمنحته وقتاً للتفكير مع الشخصية وللتأمل في العالم. أردتُ إيجاد شعور معها ومع ما تمرّ به. الأهم هي اللغة البصرية. إنّنا أمام امرأة منبوذة، أرغمها مجتمعها على كراهية نفسها. أوجدتُ مساراً لها. "حياة" هي امرأة يثور عليها جسدها كأي صغيرة تجد نفسها قد شبَّت فجأة ودخلت سنّ المراهقة، من دون أن تدرك كيفية التعامل مع هذا الجسد، فتكتشف في نهاية الفيلم أنّ مصدر قوّتها الحقيقية أنّها أنثى. تلك القوّة النابعة من عمق جسدها. أردتُ أن يتَّبع الجميع هذه الرحلة.

وتتابع: صوّرنا في سلطنة عُمان، في منطقة لم تُصوَّر فيها أفلام من قبل. جميلةٌ العائلات العُمانية، في تلك المنطقة عند مضيق هرمز. استقبلتنا بابتسامة. ولعلّ أفرادها لم يعلموا إلى أي حد سنُتعِبهم. في الأسبوع الثاني من التصوير، صارحونا بأنّ تمثيل الصيد أصعب من الصيد ذاته. وأنّ التجديف ليس سهلاً. شبّان المنطقة جميعهم ساعدونا. حمداً لله أنني صوّرتُ هناك.

وعن توفيقها بين الأسطورة والواقع في الفيلم، تقول: كان المهمّ بالنسبة إليّ الابتعاد من الكليشيه والحوارات. أمقتهما. لم أظنّني يوماً سأكتب قصّة شابة مضطهدة. قصص الضحايا لم تكن يوماً حكايتي. إنّها من نوع القصص الذي يُخبره الرجال أحياناً عن المرأة حين لا يعرفون عنها شيئاً. "حياة" ترفض أن تكون ضحية. كلّما أرغموها على ذلك، أبت. آمنتُ بأنّني سأوجِد للفيلم عالماً منبعثاً من عمق هذه الشابة. أردتُ صناعة حكاية داخليّة، أكثر منها خارجيّة. وفي آن، رحتُ أنتقد تقاليد رأيتُ من الضروريّ التخلُّص منها، ليس في السعودية والعالم العربيّ فحسب، بل في العالم بأسره، مع إصراري على فيلم يحافظ على هويته العربية، لفرط عشقي للشعر العربيّ، ورغبتي في تجسيد الصور الشعرية العربية ضمن الثقافة التي أحبّ. فأدخلتُ مشهدية المرأة في الماء، القمر، الرجل والحجر. الرمزية التي تربيتُ عليها والمجاز الشعريّ. 

وتضيف: بدأتُ بصناعة الأفلام في سنّ العاشرة، ولم أنتظر إشارة من أحد. سعيدةٌ لما أتلقّاه من أصداء طيّبة. شابات ألتقي بهنّ يُخبرنني أنّهن وجدن في "حياة" بعضاً من قصصهنّ، وأنّ مساراتها لامستهنّ. ولعلّ صوتها ليس صوت كلّ النساء، لكنّني لم أجد صوتاً مثيلاً له حتى في الأفلام الأجنبية. أردتُه بمثابة محاكاة لصوتي. كتبتُ الفيلم في 2013، من دون أن أعلم بالتغييرات الآتية إلى السعودية. أحمدُ الله على الإنجازات التي حقّقتها المرأة. إنّها المرّة الأولى التي أمشي فيها في شوارع جدّة، فأشعر أنّني حقاً في مدينة حيَّة. المرأة موجودة، حاضرة، تقود سيارة، تلهو بدراجات هوائية على الكورنيش. التغييرات الآتية ستكون أروع.

 

المزيد من سينما