تتباهى الجزائر بأنها الدولة العربية الأولى في التمثيل النسائي بالبرلمان، غير أن المستوى التعليمي لهؤلاء البرلمانيات يجعل الشعار فضفاضاً وللاستهلاك فحسب، خصوصاً أن البرلمان يوصف في الجزائر بـ"برلمان الحلاقات". وهذا ما يدفع الى التساؤل عن مصير الطالبات الجامعيات اللواتي يتخرجن من الجامعات الجزائرية. لا شك في أن الوجود المتزايد للمرأة الجزائرية في الحياة العامة يمثل إحدى ركائز التغيير الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الجزائر. ويمثل أيضاً مواكبتها مسار التغيير الحاصل انعكاساً لدورها وفعاليتها في مختلف الميادين، سواء تعلق الأمر بالمدرسة أو الأسرة أو العمل أو الحياة السياسية. ويعتبر قطاع التربية والتعليم العالي أهم القطاعات التي عرفت تطوراً كبيراً في مجال وجود المرأة، غير أن ذلك لم يؤدّ إلى تحقيق نموّ مماثل في ميدان العمل وفي مراكز صنع القرار وفي تبوؤ مناصب قيادية حتى في مؤسسات التعليم العالي.
73 في المئة يفضلن الاستقرار الأسري
كشفت دراسة جزائرية لمكتب "أيكو تكنيك للدارسات الإحصائية"، أنجزتها جمعية المرأة بشأن "الطالبات الجامعيات والحركة النسوية"، عن أن 73 في المئة من الجامعيات يفضلن بعد إنهاء الدراسة الزواج والاستقرار وانجاب الأطفال، و71 في المئة يحلمن بمنصب عمل، و46 في المئة يرغبن في تحقيق مسار مهني عال ومحترم. تضيف أن الهجرة بغرض الدراسات العليا، لم تعد حكراً على الجامعيين، بل 31 في المئة من الجامعيات يرغبن في إتمام الدراسات العليا بالخارج. وتتوقف الدراسة عند اهتمامات الجزائريات، إذ انحصرت الحقوق التي ترغب فيها المرأة الجامعية في الحق في التعليم العالي والدراسات المعمقة بنسبة 39 في المئة، و48 في المئة يطالبن بالحق في العمل، و28 في المئة بالحق في الاحترام في الأماكن العامة والبيت، و24 في المئة بالحق في إبداء الرأي والمشاركة في اتخاذ القرارات.
نسبة الباحثات لا تتعدى 15 في المئة
في المقابل، اعتبرت ياسمين قربوعة زياري، أستاذة الفيزياء بجامعة العلوم والتكنولوجيا، أن نسبة الباحثات في الجزائر التي لا تتعدى 15 في المئة من مجموع الطلبة، ضئيلة مقارنة بعدد الطالبات المرتفع في الجامعات الجزائرية، مرجعةً سبب عزوف الجامعيات عن البحث العلمي إلى غياب الظروف المناسبة التي تسمح لهن بمواصلة تدرجهن العلمي على الرغم من توفرهن على كفاءات عالية، بالاضافة إلى ذهنية المجتمع الجزائري ونظرته إلى المرأة بأن مكانها في البيت. وهذا ما يجعل الجامعيات يفضلن الاكتفاء بمستوى تعليمي معيّن والتوجه إلى العمل بدل المغامرة في البحث العلمي الذي يتطلب كثيراً من الوقت ومزيداً من التفرغ.
طالبة من كل ثلاث تتعاطى المخدرات
وبالنظر إلى واقع الجامعة الجزائرية، فإن أرقام الدراسة طبيعية ومعقولة، بعد انتشار ظاهرة التدخين وتعاطي المخدرات بمختلف أنواعها بين الجامعيات بشكل لافت، والممارسات غير الأخلاقية. إذ كشفت دراسة جامعية عن أن 22 في المئة من الطالبات يتعاطين المخدرات، في "تعد" خطير على تقاليد المجتمع الجزائري المحافظ، يبيّن حالة الطالبات الجامعيات وتهلهل الوسط الجامعي وانتقاله إلى مرحلة التفسخ. وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة النساء اللواتي يدخنّ بلغت 27 في المئة خلال سنة 2018. يؤكد مصطفى خياطي، رئيس مؤسسة ترقية الصحة وتطوير البحث، أن المخدرات انتشرت بشكل كبير في الوسط الجامعي، مشيراً إلى أن طالبة واحدة من 3 تتعاطى المخدرات بشكل متقطع، وواصل بأن تعاطي المخدرات لدى الطلبة أصبح معادلاً لتعاطي التدخين، لأن سعرها في متناول الشباب. ومن أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتشجيع الطالبات على اتمام دراستهن والاتجاه نحو مراكز قيادية، تؤكد سميرة حاج جيلالي، رئيسة الشبكة الجزائرية لسيدات الأعمال، أن الشبكة ستتوجه إلى الجامعات على مستوى الوطن لإقناع المتخرجات والطالبات بتوفر فرص الشغل، ومرافقتهن في جميع الخطوات الأساسية لدخول سوق العمل من خلال التكوين التطبيقي، منتقدةً التهميش وغياب سيدة الأعمال الجزائرية عن المنتديات والملتقيات العالمية. وأوضحت أن فشل الحركة النسوية في استقطاب الجامعيين يعود إلى استقالة الجامعة والجامعيين من أدوارهم القيادية لصالح الشارع، الذي صار يروج لسلبية المرأة بصورة عامة. وحمّلت البرامج الدراسية مسؤولية تكريس هذه النظرة.
46 في المئة من المتخرجات يعانين البطالة
يتجه النشاط المهني للنساء إلى القطاع الإداري، لا سيما التعليم والصحة، إذ تصل نسبة وجود الجامعيات إلى 63 في المئة، وتتقلص في التجارة والنقل والزراعة بشكل كبير، ويرجع ذلك إلى غياب استراتيجية لإدماج فعال للنساء حاملات الشهادات الجامعية. إذ كشف تحقيق لمكتب العمل الدولي، بالتنسيق مع مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية في الجزائر، عن أن 46 في المئة من المتخرجات في الجامعات يعانين البطالة، وأن 44 في المئة منهن وُظّفن من طريق الوساطة. بإزاء هذه الأرقام، وجدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي نفسها أمام حتمية التخلي عن التخصصات الجامعية، بعدما إعترف الوزير الطاهر حجار بأن وزارته وقعت في خطأ تكرار تخصصات لا تتناسب مع حاجات سوق العمل. وقال في تصريحات صحفية إن مصالحه ستتخلى عن بعض التخصصات مؤقّتاً لإعادة توزيعها لاحقاً على أرجاء الوطن. ودعا مصالح قطاعه إلى إعادة هيكلة تدريجية للخريطة الجامعية، مشيراً إلى أن ملامح الجامعة الجزائرية لم تتغيّر منذ 50 سنة، وأنه حان الوقت لإعادة توزيع التخصصات والقضاء تدريجاً على سلبية التشابه فيها بين الجامعات عبر الولايات.