Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد قرن... "غارات بالمر" تنتعش من جديد في أميركا

قرار ترحيل المهاجرين الذي جرى تطبيقه قبل مئة عام تعمل إدارة ترمب على تنفيذ شبيه له اليوم

القبض على ريدز والبلاشفة خلال غارة في مدينة نيويورك (غيتي)

قبل مائة عام، أصبح ميناء نيويورك، الذي كان بوابة أميركا لملايين المهاجرين المتفائلين، عكس المأمول منه. فقد تحولت جزيرة (أليس) إلى سجن يضم مئات الرجال، وكذلك بعض النساء، وكان هؤلاء على وشك أن يتم ترحيلهم عبر المحيط الأطلسي، ما يجعله أول ترحيل جماعي من البلاد لـ"المتطرفين السياسيين" في القرن العشرين، والذي عرف لاحقًا باسم "غارات بالمر".

ونفذت وزارة العدل الأميركية عمليات الغارات في عامي 1919 و 1920 في محاولة لاعتقال الأناركيين (الجماعات المعادية لمؤسسة الدولة) والشيوعيين واليساريين المتطرفين الأجانب. وكانو في حالة غضب بسبب الاضطرابات الاجتماعية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، وكان يقود الحركة المدعي العام ميتشل بالمر. ويُنظر إلى تلك الفترة على أنها ذروة ما يسمى ب"الرعب الأحمر". وإلى جانب بالمر كان ج. إدغار هوفر، الذي أصبح يُعرف بصياد هؤلاء المتطرفين.

وكان الترحيل الجماعي مهماً جداً للحكومة الأميركية في ذلك الحين لدرجة أن واشنطن أرسلت وفداً لمرافقة المرحّلين إلى الميناء. وضمت مجموعة المتطرفين العديد من أعضاء الكونغرس، وكان أبرزهم ألبرت جونسون، ممثل ولاية واشنطن، الذي كان رئيس لجنة مجلس النواب المعنية بالهجرة والتجنيس بالإضافة إلى عضو في ال "كو كلوكس كلان"، وهي مجموعة عنصرية تؤمن بتفوق العرق الأبيض ومعاداة السامية.

كتبت الأناركية المولودة في روسيا والناشطة النسوية إيما غولدمان، أشهر الضحايا في ذلك اليوم، قائلة: "وقف صف من المدنيين والجنود المسلحين على الطريق... واحدًا تلو الآخر سار المرحّلون، يحيط بهم من كل جانب رجال يرتدون الزيّ الرسمي، ولعنات وتهديدات تصاحب صوت أقدامهم على الأرض المتجمدة ".

وسبق الترحيل الجماعي شيوع رأي شعبي عام ضد المهاجرين. وصرح توماس إدوارد كامبل، حاكم ولاية أريزونا في ذلك الوقت، أن "الطريقة الأضمن للحفاظ على الشعب ضد المتطرفين هؤلاء هي بإعادتهم فورًا إلى الأراضي التي أتوا منها".

ويبدو هذا مألوفا، خصوصا وأنه جرى قبل قرن من قرار ترحيل المهاجرين الذي يحمل اسم "تطبيق الهجرة والجمار (ICE) " الذي بدأت تنفيذه إدارة الرئيس دونالد ترمب الصيف الماضي، حيث استقبلت المكسيك أكثر من 1800 مهاجر عادوا من الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن غارات بالمر لم تحقق ما كانت تريده الحكومة الأميركية.

ونمت المخاوف من الغرباء إلى جانب موجة الهجرة الكبيرة التي أتت إلى الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين، وتزايدت تلك المخاوف أثناء الحرب العالمية الأولى، بعد انضمام الولايات المتحدة إليها في العام 1917، عندما وقّع الرئيس وودرو ويلسون قانون التجسس ثم قانون الفتنة لعام 1918. وتم حرق الكتب المدرسية الألمانية، ثم تلاه إعدام أول مهاجر ألماني يدعى روبرت براغر.

وبسبب انزعاجها من الوجود المتزايد لـ "شعوب الأجناس الآسيوية"، دعت رابطة مناهضة الأجانب إلى تعديل دستوري "لتقييد المواطنة بالولادة داخل الولايات المتحدة على أطفال الآباء المؤهلين للحصول على الجنسية". وكانت هذه العبارة في ذلك الوقت تعني البيض، بحسب السيناتور ويسلي جونز، من ولاية واشنطن، الذي وعد بتقديم مثل هذا الإجراء، على عكس الدعوات الجارية اليوم لإنهاء الجنسية الموروثة.

وكتب أستاذ في جامعة برينستون بياناً صادما ضمن أحد كتبه، شاركه رأيه فيه العديد من الأميركيين، حيث قال:

"طوال القرن التاسع عشر، كان الرجال من شمال أوروبا يشكلون السلالة الرئيسية للدماء الأجنبية التي تضاف كل عام إلى القوة العاملة الحيوية في البلاد... ولكن الآن جاء عدد كبير من الرجال من الطبقة الدنيا من جنوب إيطاليا ورجال من النوع الأدنى من بولندا، رجال من الرتب حيث لم تكن هناك مهارة أو طاقة أو أي مبادرة لذكاء سريع؛ وقد جاءوا بأعداد زادت من سنة إلى أخرى، كما لو كانت دول جنوب أوروبا تختصر نفسها بالعناصر الأكثر قسوة وتعاسة بين سكانها. "

وبعد عقد من نشر كتابه، أصبح هذا الأستاذ رئيسًا للولايات المتحدة، وهو وودرو ويلسون.

وتصاعدت المخاوف عندما أرسل الأناركيون 23 "قنبلة بريدية" إلى أهداف بارزة من شهر أبريل (نيسان) من عام 1919. وبعد حوالي شهر، في 2 يونيو (حزيران) 1919، كان المدعي العام الأميركي نفسه من بين الأهداف في هجوم منسق على القضاة والسياسيين وغيرهم من المسؤولين في تطبيق القانون. وتوفي الأناركي كارلو فالدينوسي، الذي زرع القنبلة في نفس الشارع الذي عاش فيه الرئيس السابق فرانكلين ديلانو روزفلت وزوجته إلينور روزفلت، عندما تعثر بالجهاز.

وبعد تلك التفجيرات، انتشر الخوف والرعب في أميركا وبدأت الغارات. ولكن على الرغم من ارتكاب جرائم حقيقية، فإن العملاء استهدفوا المهاجرين فقط الذين كانوا أعضاء في منظمات مثل اتحاد العمال الروس، بغض النظر عما إذا كان لديهم سجل إجرامي أم لا.

ولكن بمرور الوقت، تغير تقييم الغارات. فعلى الرغم من أن موقع مكتب التحقيقات الفيدرالي الإلكتروني يشير إلى أن تلك الفترة قدمت نظرة ثاقبة قيمة لإجراءات التحقيق، وكذلك الحاجة إلى حماية حقوق المواطنين الأميركيين، فإن تصرفات الحكومة قبل قرن من الزمان أصبحت مقبولة الآن كمثال على الحد من انتشار التطرف. يعترف مكتب التحقيقات الفيدرالي بأن غارات بالمر "لم تكن بالتأكيد نقطة مضيئة بالنسبة للمكتب في بدايته".

المزيد من تحقيقات ومطولات