Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أبطأ نمو للاقتصاد العالمي منذ الأزمة المالية العالمية

2019 عام مطبات اقتصادية واستنفاد السياسات النقدية فاعليتها

يجمع أغلب الاقتصاديين والمحللين على أن النصف الثاني من 2020 سيكون شبه حاسم في تحديد مسار الاقتصاد العالمي (أ.ف.ب)

بعد عدة تخفيضات لتقديرات نمو الاقتصاد العالمي في 2019 انتهى صندوق النقد الدولي إلى توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 3 في المئة للعام، يتسق ذلك مع تقديرات عدة مؤسسات بأن العام شهد أبطأ معدل نمو للاقتصاد منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009.

وفي تحليله لهذا التباطؤ يقول صندوق النقد الدولي إنه "يرجع إلى مؤثرات مشتركة بين مختلف البلدان وعوامل ذات خصوصية قطرية، فقد تأثّر المزاج العام ومستوى النشاط بين دوائر الأعمال حول العالم من جراء تزايد الحواجز التجارية، وما اُقترن بها من أجواء عدم اليقين. وفي بعض الحالات كالاقتصادات المتقدمة والصين، أدت هذه التطورات إلى تعظيم أثر نوبات التباطؤ الدوري والهيكلي الجارية بالفعل".

وبالنظر إلى أرقام أكبر اقتصاد في العالم، الاقتصادي الأميركي، الذي يمثل قاطرة النمو للناتج المحلي الإجمالي العالمي يمكن القول إن نموه هذا العام لن يصل إلى المستهدف الذي وضعته إدارة الرئيس دونالد ترمب عند 3 في المئة.

فحتى الآن، وقد ظهرت أرقام النمو حتى الربع الثالث من العام، يدور المعدل ما بين 2.2 في المئة و2.4 في المئة، وذلك تباطؤ بالطبع عن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في 2018 عند 2.5 في المئة، مع ذلك يظل الاقتصاد الأميركي الأكثر قوة بمؤشرات كثيرة في ظل مناخ التباطؤ العالمي.

أمَّا الأقل نمواً فهو اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي الذي تضع التقديرات المتفائلة معدل نموه هذا العام عند ما يقارب واحد في المئة، بعدما ظهرت أرقام النمو لثلاثة أرباع العام. وبالكاد يمكن أن يحافظ الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، على معدل نمو لا يقل عن 6 في المئة لعام 2019، وإن كانت التقديرات السابقة توقعت أن يكون ما بين 5.6 و5.8 في المئة، إلا أن التطورات الأخيرة في مفاوضات اتفاق التجارة بين الصين والولايات المتحدة دفعت الكثيرين إلى تعديل توقعات نمو العام بالارتفاع.

عوامل الضعف
بدأ العام بعوامل كثيرة تدفع بالاقتصاد العالمي نحو التباطؤ، وحتى خشية الركود قبل نهايته، لكن الأهم بين تلك العوامل أخذ في التراجع مع نهاية العام، وبالطبع كان العامل الأهم هو الحروب التجارية التي قادت زمامها الولايات المتحدة، إما عبر عقوبات اقتصادية على دول مختلفة في آسيا وأميركا اللاتينية أو فرض الرسوم والتعريفة الجمركية العقابية على شركاء أميركا التجاريين الرئيسيين للضغط من أجل اتفاقات تجارية أكثر أفضلية لواشنطن.

العامل الثاني في ترتيب أهمية التأثير في نمو الاقتصاد العالمي كان أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، التي لا تؤثر فقط على الكتلة الاقتصادية الأوروبية، إنما تمتد إلى مختلف أنحاء العالم الذي يتعامل مع أوروبا ككتلة (إجرائياً ومن ناحية القواعد والقوانين الاقتصادية والتجارية) إلى التعامل مع أوروبا دون بريطانيا وبريطانيا غير الأوروبية.

ومع نهاية العام شهدنا تحسناً في المشكلتين، مع اتفاق بكين وواشنطن على اتفاق تجارة مرحلي خفف بالفعل من حدة حرب "فرض الرسوم" على صادرات البلدين، وكذلك جاءت نتيجة الانتخابات المبكرة في بريطانيا بنتيجة حاسمة لصالح حزب المحافظين الحاكم المتحمس للبريكست ما أزال كثيراً من عدم اليقين في بريطانيا وأوروبا على السواء.

وبدأت دوائر الاقتصاد والأعمال وأسواق المال والأسهم تحسب خططها وتوقعاتها على أساس إيجابي أكثر مما كان بداية العام ومنتصفه، وإن كانت عوامل الضعف الاقتصادي العالمي الرئيسية تلك لن ينتهي أثرها سريعاً، وربما لا يظهر مردودها الإيجابي إلا بعد منتصف العام المقبل.

هناك أيضاً عوامل إقليمية وتتعلق بدول كثيرة، كما يقول صندوق النقد الدولي لا يمكن حساب تبعاتها قبل منتصف العام المقبل. وفي تقرير حديث للصندوق يخلص إلى أن هناك "ضغوطا إضافية نجمت عن أوجه ضعف ذات خصوصية قطرية في اقتصادات الأسواق الصاعدة الكبيرة مثل البرازيل والهند والمكسيك وروسيا، واكتملت معالم هذا المشهد العسير مع تفاقم الضغوط الاقتصادية الكلية المرتبطة بزيادة تضييق الأوضاع المالية كما في الأرجنتين، والتوترات الجغرافية - السياسية كما مع إيران، والقلاقل الاجتماعية في دول أخرى".

السياسة النقدية
شهد العام أيضاً استخدام البنوك المركزية في دول العالم الرئيسية لكل ما في جعبتها من أسلحة لمحاولة دفع النشاط الاقتصادي، متجاوزة دورها الأساسي في الحفاظ على معدلات التضخم فقط، وخفضت أغلب تلك البنوك أسعار الفائدة إلى ما يقترب من الصفر، أو حتى دونه سلباً، كما عاود البنك المركزي الأوروبي شراء سندات الدين كشكل من أشكال التيسير الكمي الذي كان توقف عنه قبل عام.

ورغم أن تلك السياسات النقدية مكَّنت الاقتصاد العالمي من تفادي الركود في 2019 فإنها تقريباً استنفدت كل ما يمكن لواضعي السياسات النقدية عمله لمواجهة أي احتمالات في 2020، خصوصاً أن التقديرات الأولية لمعدلات نمو الاقتصاد العالمي، واقتصاد الدول والكتل الرئيسية، للعام القادم ليست كبيرة. فصندوق النقد الدولي يتوقع نمواً عالمياً ما بين 3.4 و3.5 في المئة للعام 2020، والاقتصاد الأميركي لا يتوقع أن يزيد على المعدل المستهدف لهذا العام، بينما لا تزيد التوقعات للاقتصاد الأوروبي عن نمو بنسبة 1.1 في المئة.

ورغم أن تلك النسب تبدو أفضل قليلاً من تباطؤ العام 2019 فإنها لا يمكن اعتبارها "نهوضاً" اقتصادياً، ما يتطلب استخدام كل الأدوات المتاحة لتنشيط الاقتصاد، وهو ما لم يعد في مقدور البنوك المركزية ومسؤولي السياسة النقدية بعدما أطلقوا كل ذخيرتهم في العامين الأخيرين.

توقعات
ومن أهم ملامح العام المنصرم تراجع الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل النصيب الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي في اقتصاد الدول الرئيسة في العالم، ولا يتوقع أن يتحسّن ذلك كثيراً في 2020 رغم مؤشرات التفاؤل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويكاد يجمع أغلب الاقتصاديين والمحللين على أن النصف الثاني من 2020 سيكون شبه حاسم في تحديد مسار الاقتصاد العالمي: إما إلى انتعاش أو إلى ركود، وربما حتى كساد في حال ظهور عوامل مفاجئة مثل انفجار فقاعة الدين العالمي أو ضغط مفاجئ على سوق الائتمان عموماً نتيجة إفلاس دول أو كيانات اقتصادية كبرى.

مع ذلك تبدو الأسواق، خصوصاً أسواق الأسهم والسلع الرئيسة، ماضية في مسارها التفاؤلي، وقد حصلت على جرعات دعم مع نهاية العام أيضاً، ولعل نجاح طرح أكبر شركة طاقة في العالم، أرامكو السعودية، واتفاق دول أوبك وشركائهم من خارج المنظمة على مزيد من خفض إنتاج النفط أعاد توازناً إيجابياً للأسواق.

لكن في عام تشهد فيه الولايات المتحدة انتخابات رئاسية، وكذلك عدة دول أوروبية وغيرها انتخابات أيضاً لا يعرف بعد ماذا ستسفر عنه يكون من الصعب حساب انعكاس ذلك على الوضع الاقتصادي العالمي.

كذلك أدى انكماش مشتريات الشركات الكبرى واستثماراتها في الأعمال إلى تراجع الناتج الصناعي في اقتصاد دول رئيسية من أميركا الشمالية إلى آسيا عبر أوروبا، ويحتاج الاقتصاد العالمي إلى عودة ذلك النشاط بقوة أكبر مما كان عليه قبل عامين، ويتطلب ذلك مناخاً إيجابياً مستمراً يصعب الجزم بأنه مؤكد.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد