Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس... دعوات للإسراع بتشكيل حكومة تعيد البلاد إلى "الثوابت الدبلوماسية"

"زيارة أردوغان ذات طابع أمني استراتيجي وعسكري الهدف منها جر البلاد إلى حرب إقليمية"

الرئيس التونسي قيس سعيد يستقبل نظيره التركي رجب طيب أردوغان لدى وصوله إلى مطار قرطاج الدولي (أ.ف.ب)

أكّدت رئاسة الجمهورية التونسية أن تونس لن تقبل أن تكون عضواً في أي تحالف أو اصطفاف، ولن تقبل أن يكون أي شبر من ترابها إلا تحت السّيادة التونسية، مشددة على حرص رئيس الجمهورية على سيادة تونس واستقلالها وحرية قرارها.

فإلى أي مدى يُعتبر هذا البيان مطمئِناً للتونسيين وما مدى صدقيّته؟ وهل هو للاستهلاك الداخلي أم هو الغلاف لجملة من الأسئلة حول ما يُحاك في الخفاء من تفاهمات؟

 وكانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس قد خلّفت استياء شعبياً ومواقف رافضة من قوى المجتمع المدني وعدد من الأحزاب السياسية، التي رفضت اصطفافَ تونس في أي محور، مشدّدة على ضرورة أن تنأى البلاد بنفسها عن سياسة المحاور حفاظاً على ثوابتها الدبلوماسية ومصالحها الاستراتيجية الحيوية مع ليبيا.

اتهامات للمجهول مجدّداً

ولم يخل بيان رئاسة الجمهورية من توجيه الاتهامات إلى "جهات" لم يسمّها قال البيان إنّها تروّج الأكاذيب، فهل نحن في حاجة اليوم إلى مثل هذه الخطابات التي تخوّنُ "أطرافاً مجهولة؟".

التونسيون اليوم في حاجة إلى خطاب هادئ من رئيس جامِع لكلّ التونسيين لا يتّهم "المجهول"، ولا يخوّنُ أيَّ طرف بل يسمّيه حتى يتحمّل الكل مسؤوليته.

ودأب قيس سعيد في الفترة الأخيرة في خطاباته، على توجيه الاتهامات لأطراف غير معروفة وهو أسلوب ينمّ عن الارتباك في إدارة الشأن العام.

أداء دبلوماسي تونسي "مهزوز"

الصّحافي والمحلّل السّياسي التونسي سفيان بن فرحات أكد لـ "اندبندنت عربية"، أن "زيارة أردوغان إلى تونس أعادت إلى الأذهان الزيارات التي كان يقوم بها الرئيس الأميركي باراك أوباما وبيل كلينتون ودونالد ترمب إلى أفغانستان أو العراق من دون سابق إعلام"، مضيفاً أن "الهدف من هذه الزيارة هو جرُّ تونس إلى حرب إقليمية هي في غنى عنها لأنها ستسبّب لها عزلة قاتلة".

واعتبر بن فرحات أن هذه الزيارة ذات طابع أمني استراتيجي وعسكري، والدليل على ذلك الفريق المصاحب للرئيس التركي والذي يتكون من وزيري الدفاع والخارجية ورئيس الاستخبارات التركي.

وأكد ألا أغراض تجارية أو اقتصادية لتلك الزيارة التي تتزامن مع فراغ حكومي في تونس، داعياً إلى الإسراع بتشكيل الحكومة حتى تتّضح السياسة الخارجية وتوجهاتها في المستقبل.

الرجوع إلى الثوابت

كما دعا إلى النأي بتونس عن أي تحالفات لأن تركيا لها مشاكل كثيرة مع عدد من الدول العربية كمصر والجزائر، وأيضاً دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مشاكل أنقرة في المتوسط وخلافاتها مع اليونان وقبرص وعدد من الدول الأخرى بشأن الاتفاق التركي الليبي حول ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين.

وعبّر بن فرحات عن أسفه "إزاء الدبلوماسية التونسية التي قال إنها تعاني من الارتجالية، وتتعاطى بشكل بدائي مع ملفات استراتيجية تُعنى بأمن تونس القومي، رافضاً أن تكون تونس منصّة خلفية لإرسال أسلحة أو عتاد إلى ليبيا، في وقت صرّح أردوغان بأنه سيستصدرُ قراراً من البرلمان من أجل إرسال قوّات عسكرية إلى ليبيا في يناير (كانون الثاني) 2020".

وناشد المحلل السياسي الدّولة التونسية بالرّجوع إلى ثوابت الدبلوماسية التي أسّس لها الحبيب بورقيبة ورشيد إدريس والحبيب بن يحي والباجي قائد السبسي، مذكّراً بما عانته تونس من تداعيات مؤتمر "أصدقاء سوريا" الذي عقد في تونس في فبراير (شباط) عام 2012.

ورأى أن "الأداء الدبلوماسي المهزوز يمكن أن يخلّف لتونس مشاكل مع كل من ليبيا والجزائر ومصر وبلدان الاتحاد الأوروبي"، مشدداً على "ضرورة أن تُترك ليبيا لليبيين ليحددوا مصيرهم بأنفسهم بعيداً عن التدخل الأجنبي وفي إطار الحوار السّياسي البنّاء".

كذلك، دعا سعيد إلى أن يلبس جبّة رئيس الجمهورية، مذكّراً إياه بأن "خطابات وشعارات فترة الحملة الانتخابية قد انتهت".

حماية مصالح تونس

من جهته، أكد الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أن بيان رئاسة الجمهورية كان واضحاً، وشدّد على ضرورة مراعاة مصلحة تونس العليا في التعاطي مع الملفّات السياسية الكبرى وخصوصاً تلك التي تهم دول الجوار وتحديداً ليبيا.

واعتبر أن الدبلوماسية التونسية في الفترة الأخيرة عرفت اندثاراً في الثوابت التي وضعتها تونس لسنوات بحكم المتغيرات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة.

وأبدى تخوّفه من غموض السياسة الخارجيّة الآن في ظل عدم تشكيل الحكومة، لأن السياسة الخارجية تحددها الحكومة بأكملها لا أفراد، مشدداً على ضرورة أن يعمل رئيس الجمهورية على حماية مصالح تونس وعدم الاصطفاف مع أية جهة وخصوصاً في الملف الليبي، داعياً إلى استثمار موقع تونس الاستراتيجي من خلال تشكيل شبكة علاقات قويّة مع جيرانها وحلفائها لحلّ الملف الليبي بالحوار والهدوء بعيداً عن السّلاح.

وقد تأتي السّاعات القليلة المقبلة بالجديد في شأن تشكيل الحكومة التي طال أمدُ مشاورات تشكيلها، وهو ما أربك الأداء الدبلوماسي التونسي في التّعاطي مع ملفات حيوية كالوضع في ليبيا، لذلك يُجمِع الفاعلون السياسيون في تونس على أهمية الإسراع بتشكيل الحكومة وتوضيح توجّهات الدبلوماسية التونسية في الفترة المقبلة حتى لا تنزلق مؤسسة الرئاسة إلى منعطفات خطرة قد تكون نتائجها وخيمة على مستقبل تونس.

المزيد من العالم العربي