Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحديات المرحلة الجديدة من الدور الروسي

بوتين يتدرب مع الفريق الوطني الروسي للجودو في سوتشي (أ. ف. ب.)

تدق ساعة إدلب وفق التوقيت الروسي والتركي بعد السوري والإيراني. ويختم التخلص من سيطرة المنظمات المتطرفة الإرهابية مثل "جبهة النصرة" في المنطقة الأخيرة من مناطق "خفض التصعيد"، إلى حدّ كبير مرحلةً من الدور الروسي في سوريا. وهي المرحلة التي من أجلها اخترعت موسكو "منصة آستانا"، ثم نقلتها إلى سوتشي هرباً من جنيف والشريك الأميركي والإشراف الدولي إلى حصر اللعبة بثلاث دول ضامنة هي إيران وتركيا وبالطبع روسيا. لكن ختام هذه المرحلة دونه مصاعب وتحديات كبيرة. فما التزمته أنقرة خلال التفاوض، وهو إخراج التنظيمات الإرهابية من إدلب، بات في حاجة إلى عملية عسكرية روسية-تركية مشتركة، قد تسهم دمشق فيها. وما من أحد يجهل التعقيدات والحسابات الصعبة والدقيقة لمثل تلك العملية في إدلب، التي سُميت "سيبيريا سوريا"، إذ أدار الروس لعبة نقل المسلحين المتطرفين من كل مناطق خفض التصعيد إلى نوع من "المنفى السوري" على طريقة "المنفى الروسي" في سيبيريا إيام حكم القياصرة والاتحاد السوفياتي. وانتقل إلى إدلب مئات آلاف المدنيين الهاربين من العنف والدمار، بحيث باتت تضم نحو ثلاثة ملايين شخص مع سكانها الأصليين. ويبدو الحديث عن حرب خاطفة "نظيفة" تتجنب إيذاء المدنيين، نوعاً من الأوهام، بخاصة أن لا مكان لانتقال "الإرهابيين" إليه كما كانت الحال في المعارك الماضية، ما قد يدفعهم إلى القتال حتى الموت. وبدا ذلك واضحاً خلال المداولات في "قمة سوتشي" بين الرؤساء بوتين وأردوغان وروحاني.

أما التحدي الأكبر أمام روسيا فيكمن في المرحلة الجديدة، بعد ختام المرحلة الأولى من دخولها العسكري المباشر في حرب سوريا في خريف العام ٢٠١٥. في المرحلة الأولى، استفاد الرئيس الروسي ڤلاديمير بوتين من أخطاء واشنطن وترددها واعتبارها سوريا خارج "المصالح الحيوية" الأميركية، فتدخل عسكرياً وحقق أرباحاً لا حصر لها، مؤكداً ضعف رأي ميخائيل زيغار مؤلف كتاب "كل رجال الكرملين"، القائل "بوتين لاعب تكتيكي جيد، لا إستراتيجي". وأبرز ما حققه بوتين حالياً هو الوصول إلى ما لم تصل إليه روسيا القيصرية ولا روسيا السوفياتية، وهو "المياه الدافئة" وإقامة قواعد بحرية وجوية على البحر المتوسط. كما استعادت موسكو معه دورها كقوة عالمية فرضت على أميركا مشاركتها في إدارة النظام الإقليمي والنظام العالمي، بعدما اعتبر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أنها صارت مجرد "قوة إقليمية". ونجح الرئيس الروسي في إنقاذ النظام السوري الذي "كان مهدداً بالسقوط خلال أسبوعين" وفق وزير الخارجية سيرغي لافروف، إضافة إلى توظيف إيران ووكلائها في أدوار على الأرض في الحرب، "تطويع" تركيا العضو في الحلف الأطلسي، و"احتواء" المعارضة السورية.

وتفاهم بوتين مع إسرائيل على ضمان أمنها والسماح لها بغارات على القوات والأسلحة الإيرانية في سوريا. كما أن رؤية زحام العواصم الأوروبية والعربية في موسكو بحثاً عن حل للأزمة السياسية التي قادت إلى حرب سوريا، وتجربة عشرات أصناف الأسلحة الروسية الجديدة، تُعدّ نجاحات بالنسبة إلى الرئيس الروسي.

ويصعب الحفاظ على كل هذه الأرباح من دون التوصل إلى تسوية سياسية عادلة وشاملة ومقبولة من الجميع، أساسها تطبيق القرار ٢٢٥٤ الصادر عن مجلس الأمن الدولي بعد القرار الذي تبنّى "بيان جنيف" صيف العام ٢٠١٥. وهي تسوية متعثرة يحتاج تحريكها إلى تغيير مواقف عدة، وإلى ما هو أكثر من ترتيب لجنة دستورية لإعداد دستور جديد. فما ثبت هو أن القدرة الروسية على التدمير كبيرة، لكن قدرتها على البناء محدودة جداً. وما صار واضحاً هو المعادلة التالية: لا إعادة إعمار بالمعنى الفعلي من دون المساهمة الغربية والعربية، حيث تفوق الكلفة الـ 500 مليار دولار، وفق تقديرات الأمم المتحدة. ولا مساهمة في إعادة الإعمار من دون تسوية سياسية مقبولة.

من جهة أخرى، يُفترض بروسيا في المرحلة الجديدة من دورها، أن تجد صيغة تشبه لعب الأكروبات: تنظيم مزيج من الخلاف والتفاهم بينها وبين كل من تركيا وإيران وبين الأخيرتين في ما بينهما. اللعب الدقيق مع أميركا في التنافس والمشاركة معاً، والموازنة بين "زرع الشوك على طريق أميركا" في كل مكان وفق خبير روسي من جهة، وبين التفاهم معها على تسويات، بدءاً من أوكرانيا إلى فنزويلا مروراً بسوريا ووصولاً إلى اتفاقات الحد من الأسلحة. وقد تخشى موسكو إطلاق سباق تسلح يؤذي الاقتصاد الروسي الضعيف، حيث الدخل القومي ٢ تريليون دولار، بأكثر مما يؤثر في الاقتصاد القوي للولايات المتحدة، حيث يصل الدخل القومي إلى ١٨ تريليون دولار، ومن الممكن أن يؤدي إلى ما حدث للاتحاد السوفياتي أثناء سباق التسلّح مع أميركا، أيام الرئيسين السابقين (رونالد) ريغان و(ميخائيل) غورباتشوف.

كما تسعى روسيا إلى الحفاظ على التوازن بين ضمان أمن إسرائيل وحسابات إيران وتركيا ومصلحة الفلسطينيين والعرب في تسوية للصراع العربي- الإسرائيلي، ومطالبات أميركا وإسرائيل ودول عربية بإخراج إيران من سوريا.

تبدو الخيارات مفتوحة، أفضلها تسوية تضمن مصالح الجميع، أو تصعيد عسكريّ وأمنيّ جديد أو استمرار المماطلة والاستنزاف.

المزيد من آراء