Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشهد "العزل" هوليودي... والمحاكمة سياسية حزبية

المؤكّد أنّ مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون لن يدين ترمب

ولا مرة نجح العزل حتى بعد التصويت على الاتهام في مجلس النواب (أ.ف.ب)

"من كان يجرؤ على القول لستالين: عليك أن تتقاعد. الآن صار ممكناً، وهذا إنجازي". المتكلّم هو الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف بعدما عزله المكتب السياسي من الأمانة العامة للحزب الشيوعي. والمستمع هو الرئيس السوفياتي السابق إنستاس ميكويان. ومن يستطيع أن يتصوّر محاكمة رئيس عربي وهو في السلطة، لا بعد إسقاطه، وإن ارتفعت أصوات في الموجة الأولى والموجة الثانية من ثورات ما سمّي "الربيع العربي"؟ لا أحد بالطبع. أما في إسرائيل، بصرف النظر عن اغتصابها الأرض وتهجير الفلسطينيين والعداء العربي لها، فقد حوكم رئيس الجمهورية موشيه كاتساف وأدخل السجل لإدانته باغتصاب الموظفات في مكتبه. وحوكم وسُجن رئيس الوزراء إيهود أولمرت الذي دين بالرشوة. ورئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو يواجه المحاكمة بتهمة الرشوة واستغلال المنصب. وأما في أميركا، فإنّ إجراءات عزل الرئيس شملت ثلاثة رؤساء هم أندرو جونسون، بيل كلينتون، وريتشارد نيكسون، والآن بدأت إجراءات عزل الرابع الرئيس دونالد ترمب.

قبل ذلك، جرت مطالبات بالعزل لم تأخذ مجالها القانوني ضد الرؤساء: جون تايلر، جيمس بولك بسبب حرب المكسيك، جيمس بيوكانان، أوليسيس غرانت، هاري ترومان، دونالد ريغان، جورج بوش الابن بسبب غزو العراق. حتى رئيس تاريخي انتصر في الحرب الأهلية وضمن بقاء الولايات في الاتحاد وحرّر العبيد هو إبراهيم لينكولن، فإنّه سمع من يطالب بعزله. وبحسب الإحصاءات، فإنّ واحداً من كل أربعة رؤساء جرت المطالبة بعزله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا مرة نجح العزل حتى بعد التصويت على الاتهام في مجلس النواب. فالمحاكمة تدور في مجلس الشيوخ ويدير إجراءاتها رئيس المحكمة العليا ويتولّى أعضاء المجلس دور المحلّفين. والحكم يأتي سياسياً خاضعاً للعصبية الحزبية، وليس على أساس الوقائع. نيكسون استقال قبل الاتهام الرسمي والمحاكمة في فضيحة "ووتر غيت"، لأنّ أعضاء المجلس من حزبه الجمهوري تخلّوا عنه وقرّروا التصويت إلى جانب الديمقراطيين. وما ساعد في خسارته، كما يقول المفكّر السياسي جاكوب ليفي، هو أنّ الوضع الاقتصادي في ولايته الثانية تميّز بأزمة نفط وسقوط سوق الأسهم والانكماش.

جونسون الذي أراد الارتداد على ما فعله لينكولن في تحرير العبيد، ورفع شعار منع "أفرقة" أميركا، برّأه مجلس الشيوخ.

لكن هناك من رأى في الهزيمة نصراً. ففي كتاب برندا دينيابل "العازلون: محاكمة أندرو جونسون وحلم أمة عادلة" جاء الآتي "عزل جونسون فشل، لكن النظام نجح. فالوقوف مع المبدأ أحياناً، ولو بثمن على المدى القريب، يمكن أن يجعل من بعض الهزائم انتصارات".

كلينتون حوكم في قضية الجنس مع المتدربة لوينسكي حين "كان الاقتصاد جيداً وأميركا في قمّة القوة والفخر والتفاؤل" فجاء الحكم بتبرئته. والمعادلة بحسب ريفي، أنّ ما يحدّد النجاح أو الفشل في العزل هو حال البلد، أزمة أو استقرار، وقت طيّب أو خراب.

الآن جاء دور ترمب. في البدء لم تكن رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي متحمّسة لإجراءات العزل لأنها تخشى من أنّ ترامب يبحث عن قتال لشدّ عصب مؤيّديه. لكن ترامب راكم المزيد من السلوك المختلف عن السلوك الرئاسي التقليدي في أميركا. والانتصار الكاسح الذي حققه الديمقراطيون في الانتخابات النصفية شجّع المتشدّدين منهم على اتهام الرئيس الأميركي بمخالفات جسيمة عدّة. ثم استقر الرأي على الاكتفاء بتهمتين في وثيقة من 658 صفحة مرفوعة إلى مجلس الشيوخ. الأولى هي إساءة استخدام السلطة عبر "وضع مصالحة الشخصية والسياسية فوق الأمن القومي والانتخابات الحرة العادلة".

إذ هو جمّد مساعدات عسكرية بقيمة 400 مليون دولار لأوكرانيا في عزّ الحاجة إليها، وطالب الرئيس الأوكراني فولاديمير زيلنسكي بإجراء تحقيق في نشاطات شركة عمل هنتر نجل جو بايدن في مجلس إدارتها، من أجل تلطيخ سمعة منافسه الديمقراطي نائب الرئيس السابق باراك أوباما وإخراجه من السباق الرئاسي. والثانية هي إعاقة التحقيق الذي جرى في لجان مجلس النواب وبالتالي إعاقة العدالة.

والمؤكّد أنّ مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون لن يدين ترمب. ويرى البروفسور فيليب بوبيت أستاذ القانون في جامعة كولومبيا "أنّ الآباء المؤسّسين فعلوا كل ما هو ممكن لمنع حصول العزل" عبر تصعيب إجراءاته. حتى نانسي بيلوسي، فإنها قالت "لم أرد أن يكون العزل أسلوب حياة في بلدنا. ولكن السؤال الذي طرحه أستاذ القانون الدستوري في مدرسة كورنيل للحقوق في نيويورك جوش تشافتز هو: "هل ستقنع إجراءات عزل ترامب الجمهور بأنّ العزل أداة عادية في السياسة أم أنها مسألة استثنائية؟" هناك جوابان: واحد هو الخوف من أن تعتبر مسألة عادية، وآخر هو المطالبة بإجراء تعديل راديكالي على "نظام" العزل ليصبح النجاح فيه ممكناً.

والمبدأ، كما وضعه أحد الآباء المؤسّسين جيمس ماديسون في "أوراق فيديرالية" هو "الرجال ليسوا ملائكة، ولذلك نحتاج إلى ضبط سلطة الرئيس" بوسائل تضاف إلى أصوات الناخبين كل أربع سنوات. وما يراهن عليه الديمقراطيون هو "شرشحة" ترمب أمام الناخبين. والمشهد هذا الشهر والشهر المقبل هوليودي بامتياز.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء