Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريكست... بريطانياً وأوروبياً ودولياً

قد يدخل جونسون التاريخ بأنه رئيس الوزراء الذي أشرف على الخروج من الاتحاد الأوروبي واستقلال اسكتلندا

رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون (رويترز)

توقَّع كثير من المحللين السياسيين فوز بوريس جونسون وحزب المحافظين البريطاني في الانتخابات الأخيرة، إنما جاءت النتيجة الكبرى أكثر حسماً في كثير من الأمور، وستكون لها انعكاسات مباشرة وسريعة على  الساحات السياسية البريطانية والأوروبية والدولية، تتجاوز القضايا الاقتصادية مع أهميتها، وبعضها إيجابي والبعض الآخر مقلق، ويحمل في طياته محاذير متعددة على بريطانيا الكبرى وأوروبا، وتمتد آثارها الإيجابية والسلبية إلى ساحات دولية مختلفة بما في ذلك العالم العربي.

وأول ما يمكن استخلاصه من تلك النتائج هو أن بريطانيا رافضة الأيديولوجيات اليسارية الحادة والتوجهات التصادمية الشديدة لبعض قيادتها السياسية، فحزب العمال البريطاني لم يخسر الانتخابات فحسب، إنما سقطت على أثرها حواجز سياسية عريقة، فخسر معاقل ودوائر ظلت دائماً من رصيده السياسي وبأعداد غير قليلة.

لم نشهد إخفاقاً مماثلاً للحزب منذ الثلاثينيات في القرن الماضي، وأعلن جيرمي كوربين رئيس حزب العمال عدم نيته الترشح مرة أخرى على رئاسة قوائم حزبه الانتخابية، بما يعني نهاية دوره السياسي القيادي، بعد أن تزعّم الحزب ودفع به إلى اتخاذ مواقف حادة على عكس قيادات حزبية سابقة أكثر اعتدالاً، وأشهرهم توني بلير رئيس الوزراء السابق.

والخلاصة الثانية التي حُسِمت في هذه الانتخابات رغم أنها لم تكن القضية الوحيدة المطروحة، فكانت أن فكرة إجراء استفتاء شعبي آخر على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي لم تعد مطروحة، وأن بريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي رسمياً خلال عام 2020.

هذا وأعطت نتيجة الانتخابات زخماً سياسياً قوياً لبوريس جونسون للمُضي في برنامجه وخططه السياسية لبريطانيا، من ضمنها التعهد بتنفيذ البريكست وعدم رفع الضرائب وتقييد الهجرة وإنهاء التقشف وتعزيز الإنفاق على نظام الرعاية الصحية.

وينتظر أن يتحرّك جونسون سريعاً لتشكيل حكومته والإعلان عن النية في الخروج من البريكست رسمياً اعتباراً من الـ31 من يناير (كانون الثاني) 2020، وعلى أساس مشروع الاتفاق الذي كان قد تم التوصل إليه، وفشل في تمريره سابقاً في مجلس العموم البريطاني، علماً أنه ينتظر أن يستغرق التفاوض على ترتيبات المرحلة الانتقالية لخروج بريطانيا عاماً تقريباً حسب توقعات وتمنيات بوريس جونسون، وإن كانت القيادات الأوروبية ترى صعوبة الاتفاق على كل الإجراءات والترتيبات وفقاً لهذا المعدل السريع، وتتوقع أن تمتد المدة عن ذلك.

ومن الآثار الإيجابية لنتائج الانتخابات البريطانية، أنها فرضت وضوحاً على كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وأصبح على بريطانيا الآن وكذلك الاتحاد الأوروبي النظر إلى مستقبلهم دون وجود الظهير الاستراتيجي السياسي أو الاقتصادي المتاح حالياً لكليهما كشركاء.

بريطانيا أقوى مع شركائها الأوروبيين، وأوروبا أقوى مع وجود بريطانيا، وإنما كلاهما سيتأثر سلبياً بإطالة مرحلة الغموض، ومع هذا فمن الأفضل لهما توافر وضوح للرؤية وتجهيز العدة للمستقبل بواقعية واتزان.

أمَّا الآثار السلبية المحتملة لنتائج الانتخابات البريطانية الأخيرة، فمن أهمها بروز توترات داخل بريطانيا ذاتها، يوجد قلق من كيفية تحديد الحواجز الاقتصادية للحدود في إيرلندا تحقيقاً للضوابط الجمركية مع أوروبا، وأثر تلك الحواجز على اتفاق السلام الخاص بإيرلندا الذي تحقق بعد معاناة شديدة وتوازنات سياسية ودينية حساسة ودقيقة.

كما يجب عدم إغفال أن نجاح حزب المحافظين البريطاني واكبه أيضاً نجاح كبير للحزب القومي الاسكتلندي، الذي ارتفع نصيبه من 35 إلى 49 مقعداً في مجلس العموم، وأعلنت نيكول ستورجن رئيسة الحزب المؤيد لاستقلال اسكتلندا عن بريطانيا الكبرى أنها ترى أن النتيجة تفويض لها لإعادة المطالبة بإجراء استفتاء شعبي على استقلال اسكتلندا، وهي مسألة يجب عدم الاستهانة بها خصوصاً أن 63٪ من ناخبي اسكتلندا لا يؤيدون الانسحاب من البريكست.

لذا، قد ينتهي الأمر بأن يدخل بوريس جونسون التاريخ بأنه رئيس الوزراء الذي أشرف على انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعلى استقلال اسكتلندا من بريطانيا الكبرى في آن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

توجد حاجة إلى مراجعة وتقويم تداعيات البريكست على المستوى الأوروبي أيضاً، خصوصاً من قِبل الدول الأوروبية الكبرى مثل فرنسا وألمانيا أكبر الداعمين الحلم الأوروبي، فسيكون عليهم تحمُّل المزيد من المسؤولية في حماية وصيانة هذا الحلم، دون إشعار الآخرين بأنهم تحت وصاية أو رحمة أو هيمنة قائد أوحد لأوروبا، خصوصاً في ظل مرور ألمانيا بمرحلة انتقالية مع قرب انتهاء ولاية ميركل، خصوصاً أن الرئيس الفرنسي ماكرون أثار تحفظات عديدة عندما تحدث بصراحة وقوة عن أهمية دعم القدرات الأوروبية الدفاعية، وملحاً أن الحلف الأطلنطي لم يعد يوفر الغطاء الفكري والفلسفي للتحالف الأطلنطي، رغم أنه أصاب الهدف في كلتا الحالتين، حتى وإن استخدم عياراً أكثر مما تتحمّله حساسيات البعض.

على المستوى الدولي والآثار والتداعيات الأسئلة كثيرة، وإن كان وضوح الرؤية أقل وأضعف عنه من المستوى الأوروبي، ما يحتاج إلى مزيدٍ من التحسُّب والترقب من كثير من المراقبين الدوليين.

الولايات المتحدة لم تكن من المشجعين الحلم الأوروبي، وكانت لهنري كيسنجر مقولة شهيرة تعكس أن الرؤية الأوروبية غير واضحة ومعطّلة، ومع هذا لا يخفى على أحدٍ أن بريطانيا كانت أداة قوية في تقريب المواقف الأوروبية من الأميركية، وكبح جماح الروح الأوروبية الاستقلالية أحياناً. فأين ترسو الدفة بعد تحقيق البريكست؟

وروسيا كانت تسعى دائماً إلى محاولة بث الفرقة بأوروبا جارها المباشر بما في ذلك بريطانيا والولايات المتحدة، فهل هذا في مصلحة روسيا بعد بريكست أم اختلفت المعادلات والحسابات إذا ترتب على ذلك مزيد من التقارب البريطاني الأميركي؟

والصين تستهدف أوروبا اقتصادياً، ونجحت بالفعل حتى في تشجيع ألمانيا وبريطانيا على بعض الاستقلالية من الولايات المتحدة بالنسبة لاستخدام التكنولوجيا الصينية، فهل يفيد ذلك الصين أم ستتشدد بريطانيا في مواقفها بعد الخروج من بريكست وتقترب من المواقف الأميركية؟

وتوجد مناطق كثيرة مثل العالم العربي كانت لها علاقات سياسية واقتصادية قوية مع بريطانيا ومع الاتحاد الأوروبي، وفيما بينها اتفاقيات تجارة مع الاتحاد الأوروبي، وأخرى معنية ومستفيدة من القدرة الاستثمارية والمركزية المالية البريطانية تحديداً، فهل تظل المعادلة جذابة، أم سيكون على العرب إعادة تعريف خياراتهم؟

كلها أسئلة واجبة التقييم والدراسة والاستعداد للتحرك إزاء الخلاصات التي تنتهي إليها.

العام 2019 كان عام الحسم لبريكست، والعام 2020 سيفتح الباب لكثير من التغيرات الاستراتيجية بريطانياً وأوروبياً ودولياً المترتبة على الانتخابات البريطانية.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء