Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين التحريم والإنكار... الانتحار يطعن في ثوابت المجتمع

المكتئبون يعانون التهميش والمنتحرون شوكة بحلق الفتاوى... ومتخصصون: تهمة ضعف الإيمان غير مبررة

رسالة انتحار مجهولة نسبت إلى طالب بالمرحلة الجامعية في مصر (مواقع التواصل الاجتماعي)

فضيحةٌ ووصمةٌ عار بجميع "المقاييس المجتمعيَّة"، قلة إيمان وشح إحساس بالمسؤوليَّة بـ"المعايير الأسريَّة"، تفاهة وسطحيَّة وتنصُّل من الالتزام بقياسات "المؤسسات التعليميَّة"، ظلامٌ وسوادٌ وحنينٌ إلى إنهاء الحياة لصاحب الشأن الذي يتجرَّع ثلاث مرارات في حياةٍ واحدةٍ: ظلم المجتمع، وجهل الأسرة، وتقصير المؤسسات.

عُمر، 21 عاماً، طالبٌ مصريٌّ بإحدى الجامعات في ولايَّة فيرجينيا الأميركيَّة، قبل سفره إلى الولايات المتحدة الأميركيَّة كان يدرس بجامعة مصريَّة خاصة، يحكي عمر أنه منذ كان بالمرحلة الثانويَّة، وهو يشعر أنه ليس على ما يرام دون أسباب واضحة.

نصيحة الصلاة والصوم
يقول "كانت تنتابني حالات قلق وخوف شديدة جداً، وذلك في مواقف يعدُّها الجميع لا تستحق هذا الكم من المشاعر".

ويتابع، "في البدايّة كان أبي وأمي يسخران منّي، ويخلطان الجدّ بالهزل في محاولة لإيقاف هذه المشاعر. فأنا أنتمي إلى أسرةٍ ميسورةٍ، ولديّ أصدقاء كثيرون، وبالمقاييس المنطقيَّة ليس لديّ ما يستدعي القلق الشديد".

ويستكمل، "أغلب أصدقائي كذلك، كانوا يظنون أنني أبالغ في مشاعر القلق، وبدأ مستواي الدراسي يتأثر سلباً بسبب الحالة المرتبكة التي كنت عليها، وما زاد من المشكلة هو الإنكار والرفض اللذان كنت أقرأهما في عيون كل المحيطين، وحين لجأتُ إلى متخصص للدعم النفسي تضاعفت أزمتي، إذ حاول إقناعي بأن سبب مشكلتي هو أنني بعيدٌ عن الله، ونصحني بالصلاة والصوم".

وسواس الإنكار
ولأن أزمة عمر كانت تتعلق بصحته النفسيَّة وليست قوة أو ضعف إيمانه، فإن معاناته ظلت مستمرة، إلى أن انتقل إلى الدراسة بأميركا، وهناك لجأ إلى مكتب الدعم النفسي، وبدأت رحلة الاعتراف بما يمر به من قلقٍ مرضي استوجب العلاج عبر جلسات المشورة مع بعض الأدويَّة.

يقول عمر "يبدو أنه كان عليّ أن أنتحر حتى يدرك الجميع أنني مريضٌ، وأن صحتي النفسيَّة معتلة".

 

مع الأسف الشديد أعداد من ينجون بأنفسهم من مقصلة إنكار الصحة النفسيَّة ليست كبيرة، شهد ابنة مدينة العريش الطالبة في كليَّة الصيدلة بجامعة قناة السويس واحدةٌ ضمن كثيرين ممن قتلهم الإنكار.

عانت ابنة الـ19 عاماً المرض النفسي منذ كانت بالمرحلة الإعداديَّة، كان القلق والاكتئاب يداهمانها بشكل متكرر، لكن أهلها لم يلتفتا إلى "دلع البنات"، وبعد انتقالها من العريش (عاصمة شمال سيناء) إلى الإسماعيليَّة (شرق القاهرة) لتتابع دراستها الجامعيَّة داهمها "الدلع" مكرراً، ما أدى إلى أرقٍ شديدٍ كاد يفقدها عقلها، اصطحبتها والدتها إلى طبيب للأمراض النفسيَّة، وأخبرته أن "أفكاراً سيئة كثيرة تنتابها، ومنها أنها ستموت".

وبعد أيامٍ من زيارة الطبيب الذي شخَّص حالتها بأنه "وسواس قهري"، انتحرت شهد بإلقاء نفسها في مياه نهر النيل لتضع حدّاً لوسواسها القهري ووسواس المجتمع الإنكاري.

وسواس الإنكار يتعرَّض هذه الآونة إلى هزةٍ محدودةٍ لكن عنيفة، ويبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي التي تُكال إليها الاتهامات كونها السبب في تفكيك الأسر وتبديد العلاقات وتهييج الثوار ونشر الإشاعات وبث الأكاذيب وتيسير النصب والاحتيال، لها نصيب مُعتبر كذلك من الجوانب الإيجابيَّة التي ربما تغفر لها ما تقدّم من ذنبٍ وما تأخَّر.

ففي أعقاب انتحار طالب الهندسة وطالبة الصيدلة، علت أصوات عدة على أثير "فيسبوك" و"تويتر" مطالبة بحتميَّة إيقاظ المجتمع من غيبوبة أن "المرض النفسي وصمة"، وأن "التفكير في الانتحار قلة إيمان والإقدام عليه كفر والعياذ بالله".

وتشجَّع آخرون واتخذوا خطوة إضافيَّة شبيهة بمبادرة "أنا أيضاً" أو "مي تو" التي انطلقت قبل أشهر للمجاهرة بتجارب التعرّض للاعتداء والتحرشات الجنسيَّة.

وصمة العلاج
كاميليا، كتبت على "فيسبوك"، أنها كانت تتعرض إلى كثيرٍ من السخريَّة والمضايقات في أثناء دراستها الجامعيَّة، وذلك بسبب الاكتئاب الذي كانت تُعالج منه سرّاً، فعلى الرغم من أنها اتخذت خطوة طلب المساعدة من طبيب أمراض نفسيَّة، وهي خطوة ترفضها القاعدة العريضة من المجتمع خوفاً من الوصمة أو إنكاراً للمرض النفسي، فإن صديقاتها اللاتي عرفن بخضوعها للعلاج تناقلن أخبار مرضها وخضوعها للعلاج لدى "دكتور مجانين".

كذلك فعل لؤي الذي كتب، "كان عليّ أن أصارع وحشين: وحش الاكتئاب، ووحش اتهام المجتمع إليّ قولاً وعبر النظرات أنني قليل الإيمان. مررت بفترات كنت أظنها كآبة، لكن اتضح فيما بعد أنها اكتئاب".

وأضاف، "أعتقدُ أنني سمعت عبارات (حرام عليك قوم صلي)، (أكثر من الصلاة والشيطان اللي داخلك يمشي) آلاف المرات. وكل مرة كانت العبارة موجعة أكثر، وذلك إلى أن نصحني والد صديق لي أن أطلب مشورة طبيب نفسي".

وتابع، "ارتعبتُ في البدايّة، لكن ما سهّل الأمور أنه كان طبيباً نفسياً، ولولا ذلك أعتقدُ أنني كنت سأتخلَّص من حياتي آجلاً أم عاجلاً".

الفتوى... حرام شرعاً 
التخلص من الحياة تحت وطأة المرض النفسي ليس أقسى ما يمكن أن يتعرَّض له الشخص، فما هو أقسى من ذلك أن يجد من يسأل إن كان هذا "المريض" الذي يفكِّر في الانتحار خارج عن الملة، وإن كان يُصنّف "كافراً" لو انتحر فعلياً.

يقول أمجد، 32 عاماً، الذي فقد أعز صديق له بعد سنوات من الوقوع في دائرة المرض النفسي والإنكار الأسري والوصمة المجتمعيَّة ما دفع به إلى الانتحار، "شعرتُ بقدر أكبر من الأسى والغضب بعد ما قرأت فتوى صادرة عن دار الإفتاء المصرية في العام 2015".

 

يقول فحوى الفتوى "الانتحار حرامٌ شرعاً، لما ثبت في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإجماع المسلمين، قال الله تعالى ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾، وعن ثابت بن الضّحاك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) متفق عليه. فالمنتحر واقعٌ في كبيرة من عظائم الذنوب، إلا أنه لا يخرج بذلك عن الملَّة، بل يظل على إسلامه، ويصلَّى عليه، ويغسَّل ويكفَّن ويدفن في مقابر المسلمين".

ويستمر ضلوع دار الإفتاء في مشهد عددٍ من حالات الانتحار التي أثارت كثيراً من النقاش في مصر على مدى الأسبوعين الماضيين، إذ حاولت الإمساك بالعصا من المنتصف، فالمنتحر ليس كافراً، لكنه أتى بإحدى الكبائر، وارتكب جريمة في حق النفس والشرع، حسبما جاء في بيانها.

ومضت مضيفة، أنه "لا ينبغي التقليل من ذنب هذا الجُرم، وكذلك عدم إيجاد مبررات وخلق حالة من التعاطف مع هذا الأمر، إنما التعامل معه على أنه مرض نفسي يمكن علاجه من خلال المتخصصين".

تقول لمياء سلامة، 34 عاماً، محاسبة، مرَّت بتجربة مرض نفسي شديد أصاب شقيقها على مدى سنوات، ودفعه إلى محاولة الانتحار غير مرة، إن "موقف دار الإفتاء غامضٌ. كيف يمكن لنا أن لا نتعاطف مع شخص مريض؟ هل يمكن أن ندعو الناس إلى عدم التعاطف مع مريض سرطان مثلاً؟".

قبل أن ينقطع فيهم الرجاء
وعلى النقيض من موقف دار الإفتاء، فإن البيان الصادر عن النيابة العامة في نهايّة التحقيق في وفاة طالبة الصيدلة (شهد) أهاب بـ"أولياء الأمور أن يرفُقوا بالقوارير، أن يمنحوا بناتهم قسطاً من أوقاتهم، أنصتوا إليهن، وشاركوهن آلامَهن وآمالَهن، اطمئنوا وطمئنوهنَّ، وإن وجدتم من فتياتكم أو فتيانكم مرضًا فعالجوهم، فإن المرض النفسي داءٌ كأي داء، لا خجل فيه ولا حياء، والاعتراف به أول أسباب الشفاء، فأغيثوهم بالعلاج والدواء، قبل أن ينقطع فيهم الرجاء".

وناشدت النيابة العامة جميع أطياف المجتمع أن "يضعوا الأمر في نصابه، أن ينظروا إلى المرض النفسي كما ينظرون إلى سائر الأمراض، أن يقوا أصحابه شرور نظراتهم، أن يرحموهم من همزهم ولمزهم، لا تغلقوا أمامهم أبواب العلاج، كما تناشدهم جميعاً الرفق بأنفسهم، لا تجزعوا، جدوا واجتهدوا وثابروا واطمئنوا، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولا يتمنين أحدُكم الموت لضر أصابه".

أصاب بيان النيابة العامة وسواس المجتمع الإنكاري في مقتل، لكنه مقتل يستوجب الاستمرار في التوعيَّة مع الإصرار على "إعطاء العيش إلى خبّازه".

العقد الثالث من الألفيَّة الثالثة يحتّم على الجميع التسليم بالتخصصات والبعد عن الخرافات وعدم الخلط بين التخصصات، الإيمان بالله والدعاء والتمسّك بالأمل وقدرة السماء على الشفاء من الأمور التي تدعم وتعضد المريض وذويه وتساعدهم نفسياً وروحانياً في مواجهة محنة المرض، فالمرض يحتاج إلى علاج علمي متخصص.

الانتحار ليس شجاعة أو جبناً
كتب فادي إبراهيم، على "فيسبوك"، "الانتحار ليس شجاعة، وليس جبناً، كما أن من انتحر ليس كافراً. الانتحار عرضٌ لمرض اسمه الاكتئاب. لا تقول كان عليه أن يصلي ويتقرَّب من الله. لا تصمه بالكفر. قل كان يحتاج إلى علاجٍ لدى طبيب نفسي".

الطبيب النفسي الدكتور محمد المهدي، يخترق الممنوع ويضرب الوصمة مجدداً في مقتل، يقول "الدكتور مصطفى محمود تساءل قبل سنوات: هل المؤمن يصاب بالاكتئاب؟ وكان (رحمه الله) يقصد أن المؤمن لا يصاب بالاكتئاب، لأن إيمانه بالله يحميه من ذلك المرض، وقد تواترت هذه العبارة كثيراً على ألسنة الكثيرين من علماء الدين والدعاة، وانتشرت بين عوام الناس ومثقفيهم".

 

ويتساءل المهدي، "لكن ما مدى صحة هذه العبارة من الناحيَّة العلميَّة؟"، ويرد قائلاً "الاكتئاب مرضٌ نفسيٌّ له خصائص تشخيصيَّة محددة تعوق الإنسان عن أداء وظائفه وممارسة هواياته ومواصلة علاقاته الاجتماعيَّة، وأن تستمر الأعراض فترة لا تقل عن أسبوعين، وهذا يفرقه عن حالات الحزن أو اعتلال المزاج العابرة التي تحدث لكل الناس بسبب ظروف الحياة".

ويوضح الطبيب النفسي، "الاكتئاب يحدث نتيجة خلل كيميائي بالمخ، واضطراب في توازن الهرمونات المختلفة، واضطراب بوظائف بعض مراكز المخ، أي أنه بالأساس اضطراب عضوي في المخ".

هل يصاب المؤمن بالسكري؟
ويضيف، "وقد يحدث الاكتئاب دون أسباب مباشرة، ويكون مرتبطاً ببعض العوامل الوراثيَّة، وربما يكون سببه فقد عزيز أو مال أو مكانة، أو وجود ضغوط حياتيَّة مزمنة، وبما أنه مرض تنطبق عليه خصائص الأمراض، فهو يصيب أي شخص بصرف النظر عن إيمانه أو ضعفه، أو حتى عدم إيمانه، وهو يشبه في ذلك مرض السكري".

ويتابع المهدي، "في الاكتئاب يكون هناك نقص في السيروتونين أو الأدرينالين أو الدوبامين أو الثلاثة مجتمعين، وفي مرض السكري يكون هناك نقص في الإنسولين. وفي المرضين يكون العلاج بإعطاء المواد الناقصة أو تحفيز إفرازها أو محاولة الإبقاء عليها في المشتبكات العصبيَّة. ولم يقل أحدٌ إن المؤمن لا يصاب بالسكري، وإلا لكان كل مرضى السكري متهمين بضعف الإيمان".

ويشدد الطبيب النفسي على أن "اتهام مريض الاكتئاب بضعف الإيمان أو الإرادة أو الشخصيَّة يزيد من حدة مرضه، ويضاعف من إحساسه بالذنب، ويؤخر شفاءه كثيراً، وربما يدفعه إلى الانتحار، لأن مريض الاكتئاب يكون شديد الحساسيَّة، ولديه ميلٌ كبيرٌ إلى الإحساس بالدونيَّة والتقصير والذنب".

ويشير المهدي إلى أن ما يحدث في الغالب بمجتمعنا أن "المحيطين بالمكتئب من أقارب وأصدقاء ينهالون عليه بالنصائح بأن يقوّي إيمانه الضعيف، وأن يحمد الله على ما أعطاه من النعم، ولا يكفر بهذه النعم، وكأنه حين أصيب بالاكتئاب كان ذلك بسبب بعده عن الدين وكفره بنعم، وهذا غير صحيح".

وعن إلصاق تهمة ضعف الإيمان بمن أصيبوا بالاكتئاب، يقول الطبيب النفسي "يزيد من وصمة المرض النفسي، ويجعل المريض عازفاً عن الاعتراف بمرضه، وعازفاً عن محاولة البحث عن علاج، ويكتم أمره في نفسه، إلى أن يستفحل المرض أو يتحوّل إلى اضطرابات جسديَّة خطيرة، مثل ارتفاع ضغط الدم أو الذبحات والجلطات القلبيَّة أو الجلطات المخيَّة أو نزيف المخ، أو يبدأ المريض في إيذاء نفسه، وقد يصل إلى الانتحار".

تحديات العلاج
وحسب مكتب شرق المتوسط لمنظمة الصحة العالميَّة (إمرو)، فإن الصحة النفسيَّة والخدمات المقدمة في هذا الصدد في مصر تواجه عدداً من التحديات، إذ تخصص أغلب الموارد لعدد قليل من مستشفيات الطب النفسي المركزيَّة الكبرى.

 

كما أن عدد الساعات التي تُخصص للتدريب في مجال الصحة النفسيَّة بكليات الطب ومعاهد التدريب الصحي محدود.

وتعرف المنظمة الصحة أو العافيَّة النفسيَّة بأنها جزءٌ لا يتجزأ من الصحة، وهي حالة العافيَّة التي يحقق فيها الفرد قدراته الذاتيَّة، ويستطيع مواكبة ضغوط الحياة العاديَّة، ويكون قادراً على العمل الإيجابي والمثمر، ويمكنه الإسهام في مجتمعه.

وتوفر العافيَّة النفسيَّة ركيزة للمشاعر والأفكار والانطباعات والمعارف وعلاقات التواصل والسلوكيات الإيجابيَّة، لذلك هي ليست فقط مرغوبة في حد ذاتها، لكنها مصدر لحمايَّة وتراكم رأس المال البشري والمادي والطبيعي والاجتماعي.

وصمة وتمييز
المستشار الإقليمي للصحة النفسيَّة والإدمان في "إمرو" الدكتور خالد سعيد يقول إن واحداً بين كل عشرة أشخاص في جميع أنحاء العالم يعاني مشكلات خاصة بالصحة العقليَّة، وواحدٌ بين كل أربعة أشخاص يمر بمشكلة نفسيَّة في أثناء حياته مرة على الأقل، وواحدة بين كل أربع أسر لديها شخص يعاني مشكلة نفسيَّة.

ويوضح، "الوصمة والتمييز المرتبطان بالمرض النفسي موجودان في جميع أنحاء العالم، وذلك بسبب تنميط المرض النفسي وصاحبه، إضافة إلى عطب المفاهيم، ما يستوجب التوعيَّة والتثقيف المجتمعيين فيما يختص بالصحة النفسيَّة".

ويشير إلى أهمية دور الإعلام كذلك في "تثقيف المجتمعات"، وتمكين الأسر التي يعاني أحد أفرادها مشكلة نفسيَّة أو عقليَّة.

وفيما يختص بمنطقة شرق المتوسط، يقول سعيد إنها "تمر حالياً بفترة انتقاليَّة على الأصعدة الديموغرافيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة، وهو ما ينجم عنه حالة من الضعف والعنف والاضطراب المدني".

وتشير إحصاءات منظمة الصحة العالميَّة إلى أن 22 في المئة من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق صراع يعانون شكلاً من أشكال المرض النفسي والمتراوح بين اكتئاب بسيط إلى ذُهان، وهذه النسبة هي ضعف النسبة الموجودة بالمجتمعات التي تعيش في استقرار.

ويتابع، "الانتحار أحد أهم زوايا الصحة النفسيَّة"، مشيراً إلى أن "نسبة كبيرة من المنتحرين كانوا يعانون اضطراباً نفسياً في أثناء حياتهم".

مسؤوليَّة مشتركة
مسؤوليَّة مواجهة المرض النفسي والعمل من أجل الصحة النفسيَّة يحددها الدكتور خالد سعيد في عدة نقاط موزعاً المسؤوليات بين الحكومات والمجتمعات والمتخصصين.

يقول، "الحكومات عبر قطاعاتها الصحيَّة والمجتمعيَّة عليها دمج الصحة النفسيَّة، باعتبارها جزءاً من الصحة العامة، ما يعني استثمار الموارد البشريَّة والماليَّة في قطاعات الصحة النفسيَّة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف، "ينبغي دعم أفراد المجتمع وتشجيعهم على النقاش العلني فيما يختص بالصحة النفسيَّة، وهو ما يحطّم الوصمة الملتصقة بها، إضافة إلى العمل على توفير الدعم المجتمعي اللازم للأفراد والمجموعات المعرَّضة للمرض النفسي".

يشار إلى أن منظمة الصحة العالميَّة لديها كثيرٌ من برامج الدعم والمساعدة التي تُنفذ بالتعاون مع حكومات المنطقة للتوعيَّة والرفع من شأن الصحة النفسيَّة والخدمات المتصلة بها.

التحرر من القيود
وكانت المنظمة أطلقت قبل سنوات مبادرة "التحرر من القيود"، التي نشأت كاستجابة للحاجة المُلحة لتقديم الدعم التقني والمالي لإصلاح المستشفيات، وتحسين أحوال المصابين بالعلل النفسيَّة، وتطوير برامج الرعايَّة المجتمعيَّة، وإذكاء الوعي بالصحة النفسيَّة بالمجتمع وبين العاملين الصحيين، وضمان رصد الحقوق الأساسيَّة ومراعاتها.

ويشار إلى أن هناك أشكالاً مختلفة للقيود، لكن أكثرها قسوة هي تلك المنتشرة في بعض البلدان الفقيرة الموارد، إذ ربط المصاب بمرض نفسي بسلاسل في أحد الأعمدة أو بالسرير، أو تقييد ساقيه معاً، وحتى في البيوت يجري عادة تقييد المرضى النفسيين من قبل ذويهم. هذه الثقافة تسبب الأذى، فكثيرٌ من الأشخاص يضارون بدنياً ونفسياً نتيجة لذلك، كما أنها ممارسة مهينة لكرامة من يتعرّض إليها.

كما تشمل تحرير المجتمع من القيود غير المرئيَّة التي تفرضها الوصمة، والقيود المفروضة على حقوق الإنسان للمصابين بالأمراض النفسيَّة، وحق الجميع في الحصول على جميع الفرص بمن في ذلك المصابون بالأمراض النفسيَّة.

معلومات وأرقام
الاكتئاب من بين الأسباب الـعشرة الرئيسة لسنوات العمر المفقودة عالمياً وإقليمياً، ويتوقع أن يكون من بين الأسباب الثلاثة الأولى لسنوات العمر المفقودة بحلول عام 2030.

ويموت كلَّ عام ما يقرب من مليون شخص بسبب الانتحار، 86 في المئة منهم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، والانتحار من بين الأسباب الرئيسة الثلاثة للوفاة بين الشباب تحت سن 25، وهو يمثل بين عشرة إلى 20 في المئة من وفيات النساء حتى سنة واحدة بعد الولادة، ومتوسط معدل الانتحار في دول إقليم شرق المتوسط هو 4,90 لكل 100000 شخص، مقارنة مع 6,55 بالعالم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات