Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تركيا تمنع السيانيد بعد موجة انتحار

ثلاث عائلات تنتحر بسبب يأس واضح من وضعها الاقتصادي

اليأس يدفع البعض في تركيا إلى الانتحار (غيتي) 

عثِر على الأسرة المكونة من أربعة أفراد في أعلى شقة من بناية تتكون من ثمانية طوابق في مدينة أنطاليا السياحية. وكان الأب والأم وبنت في سن التاسعة وصبي ابن الخامسة موتى جميعا. وجاء الاستنتاج الأولي بأن سبب الوفاة هو الانتحار بمادة السيانيد السامة.

وقالت وكالات الأنباء التركية إن الأب سليم شِمسِك، البالغ من العمر السادسة والثلاثين، ترك ملاحظة يعتبر فيها انتحار أسرته الجماعي فعلا ناجما عن يأس من وضع الأسرة الاقتصادي، وفيها اشتكى من عدم قدرته على إيجاد عمل مدة تسعة أشهر، بينما غرقت الأسرة في الديون وتسلمت قبل فترة قصيرة أمرا بتخلية بيتها لعدم قدرتها على دفع إيجاره.

وقبل أيام قليلة فقط، عُثِر على أربعة أخوة موتى في بيتهم بمنطقة الفاتح في إسطنبول، نتيجة لتسممهم بمادة السيانيد، وكان قيامهم بهذا الفعل يعود لأسباب اقتصادية أيضا، وفي يوم 15 نوفمبر، كذلك وجِد أفراد أسرة تتكون من ثلاثة أفراد تشمل طفلا، موتى بمنطقة باريكوي في إسطنبول، وكان سبب الوفاة استخدام نفس المادة السامة، بعد أن وجد رب الأسرة اليائس نفسه غارقا "في ديون باهظة" حسبما أشار الإعلام استنادا إلى تقارير الشرطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وردا على هذه الموجة من الانتحارات الجماعية باستخدام السيانيد بسبب مشاكل اقتصادية مزعومة، اتخذ وزير البيئة والتوسع الحضري، مراد كوروم، الأسبوع الماضي، خطوات تمنع بيع هذه المادة الكيميائية للجمهور.

فوفق ضوابط جديدة، على الشركات أن تبعث بتصريح المستخدمين النهائيين من خلال تقصي مبيعات وتوزيع السيانيد.

وإذا كان للسيانيد عدة استعمالات صناعية- ابتداء من مكافحة الحشرات وتنظيف المجوهرات والحلي والجراحة التجميلية – فإنه معروف بكونه مادة سامة.

وتستخدم حبوب السيانيد غالبا في الأفلام حين يجد الجواسيس أنفسهم على وشك الاعتقال. وكان جيم جونز، زعيم طائفة أميركية صغيرة العدد، أمر أتباعه المقيمين في غويانا، عام 1978، بتناول مشروب "كول أيد" الممزوج بالسيانيد، مما تسبب في 900 حالة وفاة. كذلك، استخدم النازيون غاز السيانيد لإبادة أولئك المسجونين في معسكرات الاحتجاز خلال الاربعينات من القرن الماضي.

وقد احتلت أخبار الوفيات الطائشة، التي تجسدت في انتحار ثلاث عائلات خلال أقل من أسبوعين، عناوين الصحف البارزة لأحزاب المعارضة ما أثارت ردود فعل دفاعية في الأوساط القريبة من حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان.

وإذ مضى عليه، حتى الآن، 16 سنة وهو في الحكم، شهد إردوغان فترة طويلة وواسعة من النمو الاقتصادي خلال السنوات الأولى من زعامته لتركيا، لكنه الآن يصارع كي يحسّن وضع البلد الاقتصادي، إذ تعاني تركيا مما ترتب عن الأزمة المالية التي خفضت قيمة الليرة، وزادت من تكاليف الاقتراض، ودفعت إلى ارتفاع معدل البطالة والتضخم المتفاقم.

خلال الأشهر الأخيرة كان هناك عدد من التقارير في كل البلاد عن وقوع حالات انتحار بسبب المشاكل الاقتصادية، ففي سبتمبر(أيلول) الماضي زُعم أن صاحب متجر في مدينة تشاناكلي قتل نفسه بسبب عدم قدرته على الإيفاء بالديون المستحقة عليه والبالغة 65 ألف جنيه إسترليني. وقد غطى خبر وفاته الصفحة الأولى لجريدة يسارية تركية.

وفي الشهر نفسه، انتحر كهربائي عمره 41 سنة،  في محافظة كوجيلي نتيجة عجزه عن دفع تكاليف الزي المدرسي الموحد لابنه.

وفي هذا السياق أعدت، مؤخرا، السياسية المعارضة غَمزَي أكوش اِلجَزدي تقريرا تزعم فيه أن 223 شخصا تركيا انتحروا بسبب قسوة الظروف الاقتصادية عام 2017، قبل بلوغ مشاكل تركيا الاقتصادية أوجها.

وفي هذا الصدد كتبت جنان قفطان أوغلو، إحدى زعماء حزب الشعب الجمهوري المعارض، على صفحتها في موقع تويتر لمتابعيها البالغ عددهم 600 ألف شخص، أن "الصدمة الاجتماعية الناجمة عن الشعور بعدم وجود مستقبل أو ضمانة بلغت مستوى لا يُحتَمل."

وقد طرح نواب أحزاب المعارضة التركية مشروعا للتحقيق في ما إذا كانت المحن الاقتصادية وراء  حالات الانتحار. واقتُبِس عما قاله ولي أغبابا، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري في صحيفة "الجمهورية" بأن "عمليات الانتحار الجماعي أصبحت مشكلة اجتماعية في بلدنا".

وقد حاول بعض قياديي أحزاب المعارضة استخدام حالات الوفاة هذه لتشويه سمعة الحكومة على قضايا أوسع، بما في ذلك تعاملها مع الأقلية الكردية في تركيا. إذ شعرت الأخيرة بالعزلة في غمرة الحمية الوطنية التي أثارها تدخل تركيا العسكري ضد الميليشيا الكردية في شمال شرق سوريا.

إلى ذلك، اقتُبس عن سيزاي تميلي، الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي الذي يمثل الأقلية الكردية في تركيا، قوله: "اليوم نحن نرى الرصاصات تعطى للكرد باعتبارها حصتهم، والسيانيد يعطى للأتراك باعتباره حصتهم... الانتحار ليس حلا. لا تنتحروا. نحن سنقاتل معا لنتخلص من هذه السلطة."

في المقابل، يتهم الموالون للحكومة المعارضة استخدام هذه الظاهرة الاجتماعية المأساوية لأغراض سياسية. وقد اتهم أحد كتّاب الأعمدة القنوات الإعلامية بما فيها محطة بي بي سي التركية، في تأجيج النيران.

وفي هذا الصدد كتبت ديلك غنغور في صحيفة الصباح الموالية للحكومة، "قبل أن يُعرف كيف حدث الانتحار، نشرت البي بي سي التركية قصصا عن أربعة أخوة ماتوا بسبب الفقر بعد قولها إنهم غير قادرين على دفع ديونهم لمحل بقالة أو فاتورات الكهرباء."

وتوافَق مع هذا الرأي عدد من الصحافيين والمحللين الإعلاميين الذين حثوا وسائل الإعلام على التخفيف من تغطية حالات الانتحار، خوفا من أن تشجع عناوين أخبارها البارزة الآخرين الذين يعانون من شظف العيش على قتل أنفسهم. وكانت الصحف التركية عرضت أسماء وصور الضحايا بغزارة على صفحاتها الأولى، دون اعتبار لأي مراعاة للأعراف بما يخص الانتحار، والذي كانت وسائط الإعلام الغربية قد تبنتها خلال العقود الأخيرة.

وفي هذا الصدد كتب أبو بكر شاهين، رئيس مركز لمراقبة الإعلام في تركيا، على صفحته في موقع تويتر"علينا ألا ننسى ما يمكن أن نتسبب به ونحن نكتب عن انتحارات".

كذلك، يبقى غير واضح ما إذا كانت حالات الوفاة هذه انتحارات جماعية أو جرائم قتل، تعقبها انتحارات، خصوصا أن الموت شمل أطفالا، ومرتكبوها قد سمموا الآخرين من دون معرفتهم.

كتب أحد الصغار الأربعة الذين ماتوا بمنطقة "الفاتح"،  حسبما جاء في صحيفة، "كل أخواني يعتمدون على دخلي، وإذا حدث أي شيء لي فإنهم يموتون. أنا لا أريد أن أعيش أيضا. إذا ماتوا، فيجب على أن أموت أيضا. أو هم سيكونون في حال مزرية".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات