تتواصل في المدة الأخيرة مرحلة انتعاش العلاقات بين العراق والسعودية، وتسعى الرياض إلى تتويجها بإنشاء ملعب رياضي كبير في بغداد. ويرى مراقبون أن "الدخول من بوابة الرياضة يمكن أن يمنح الحضور السعودي زخماً كبيراً في العراق"، نظراً إلى الاهتمام الشعبي الواسع بهذا القطاع.
وتجوّل مسؤولون سعوديون خلال الأيام الماضية، رفقة نظرائهم العراقيين في بغداد، بحثاً عن موقع ملائم لإنشاء ملعب كبير لكرة القدم أو مدينة رياضية. وشهدت علاقات بغداد والرياض خلال حقبة رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، إنتعاشة كبيرة، أسفرت عن تشكيل مجلس تنسيق مشترك بين البلدين، بدأ ببحث القضايا ذات الاهتمام المشترك، لا سيما في ملفات المنافذ الحدودية المشتركة وتفعيل التعاون الاقتصادي.
مدينة رياضية تقدمة السعودية
وفي بادرة حسن نية من الرياض، أعلن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، تقديم ملعب رياضي إلى العراق، قالت بغداد إنه سيتسع لمئة ألف متفرج، وسيكون الملعب الأكبر في البلاد، الخارجة للتو من مرحلة عصيبة بسبب الحرب على تنظيم "داعش"، التي أسفرت عن تدمير بنى تحتية في محافظتين وتشريد الملايين. وجاءت مبادرة العاهل السعودي عقب مباراة في كرة قدم بين السعودية والعراق، احتضنها ملعب المدينة الرياضية في البصرة جنوب البلاد في فبراير (شباط) 2018، حضرها جمهور عراقي غفير رفع شعار "دارك يا الأخضر"، في إشارة إلى الترحيب بالفريق الضيف. وأسهم حضور المنتخب السعودي إلى البصرة في تشجيع الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) على إعادة النظر في قرار حرمان المنتخب العراقي من اللعب على أرضه خلال المنافسات الدولية بسبب ظروف الحرب، ليخفف في النهاية الحظر جزئياً.
وتجوّل الوفد السعودي، رفقة مسؤولين عراقيين في موقعين بأطراف العاصمة بغداد، رشحتهما السلطات العراقية ليكون أحدهما موقعاً لملعب كبير أو مدينة رياضية.
وقال الناطق باسم وزارة الشباب والرياضة العراقية موفق عبد الوهاب إن "الوفد السعودي المشرف على إنشاء الملعب أو المدينة الرياضية المهداة من المملكة العربية السعودية إلى العراق، اطّلع على الموقعين المقترحين لإقامة الملعب أو المدينة في بغداد". وأضاف في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العراقية أن "الموقع الأول تم تحديده قرب علوة الرشيد والثاني في منطقة الرستمية"، موضحاً أن "الموقعين اختارتهما لجنة مكوّنة من وزارة الشباب والرياضة ووزارة التخطيط وأمانة بغداد والأمانة العامة لمجلس الوزراء"، في حين لفت إلى أنه "في حال عدم ملائمة الموقعين سيُحدد موقع ثالث". ويقول مراقبون سعوديون إن بلادهم تسعى إلى تعزيز تعاونها مع العراق في كل المجالات. وحضّ محمد السلمي، رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية في الرياض، السلطات العراقية على تسهيل التبادل الجمركي مع السعودية، بهدف تعزيز التعاون التجاري، وذلك لدى حضوره منتدى في بغداد الأسبوع الماضي. وقال السلمي إن "المنتجات السعودية يمكن أن تجد سوقاً مميزة في العراق إذا تعاونت السلطات المعنية".
"أفضلية إيرانية"
وألمح السلمي إلى "ظروف التنافس غير العادل" في المضمار التجاري، إذ تحظى إيران بأفضلية كبيرة في ملف الصادرات إلى العراق. وتقول مصادر سياسية في بغداد إن "الرياض اختارت الوقت الأمثل لتنشيط دبلوماسيتها في العراق، إذ يتعرض النفوذ الإيراني في هذا البلد لضغط رهيب بسبب العقوبات الاقتصادية الأميركية الخانقة". وتضيف المصادر ذاتها أن "إيران ليست على مستوى القوة نفسه قبل بدء سريان العقوبات الأميركية، وربما ستضع حسابات كثيرة أمامها قبل أي محاولة للاحتكاك بالنشاط الدبلوماسي السعودي في العراق".
وبدلاً من التصعيد المتوقع، لجأت إيران إلى سياسية بديلة تتمثل في محاولة طمأنة السعودية عبر رسائل يحملها مبعوثون عراقيون. وتقول تلك المصادر إن "أبرز هذه الرسائل حملها رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، الذي زار السعودية أخيراً، والتقى الوزير ثامر السبهان، في تطور أُحيط بالكتمان من قبل الجانبين".
"مرحلة الربيع"
ووفق المصادر، فإن الفياض أكد استعداد العراق لمواصلة "مرحلة الربيع" في العلاقات مع السعودية، في حين تشاور مع مسؤولين سعوديين بشأن زيارة مفترضة لرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى الرياض.
وعلى الرغم من الجدل بشأن ترشيحه لحقيبة الداخلية في حكومة عبدالمهدي، فإن الفياض يوصف بأنه في عداد الشخصيات القوية في السلطة التنفيذية العراقية، لا سيما في الملف الأمني، إذ يشغل منصباً حساساً، هو مستشار الأمن القومي العراقي.
ويمكن رسالة الفياض أن تلعب دوراً في تحفيز السعوديين على مزيد من الانفتاح على العراق، على الرغم من العلاقات المتوترة مع إيران، وفقاً لمراقبين. ويقول هؤلاء إن "دبلوماسية الرياضة، ربما تكون نافذة لعلاقات أوسع بين بغداد والرياض في ظل تراجع النفوذ الإيراني نسبياً داخل العراق".
تغيّر كبير تشهده المملكة العربية السعودية يتمثل بالإصلاحات التي يجريها ولي العهد
ويعتقد المحلل السياسي مناف الموسوي أن "هناك تغيّراً كبيراً تشهده المملكة العربية السعودية يتمثل بالإصلاحات التي يجريها ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان"، مشيراً إلى أن هذه "التغيرات نراها واضحة في سياسة الرياض الجديدة، خصوصاً تجاه العراق، من قبيل إعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارة السعودية في العراق، وتبادل الزيارات على أعلى المستويات الحكومية والسياسية والاقتصادية والرياضية، وتوقيع اتفاق التعاون الاقتصادي الذي يتضمن استثمار اكثر من مليون هكتار في محافظة الانبار والسماوة، إضافة الى فتح منافذ جديدة للنقل البري بين العراق والسعودية". ويرى الموسوي أن "هذه المؤشرات تدل على أن المملكة السعودية جادة في بناء علاقات اقتصادية تسهم في تعزيز العلاقات السياسية بين البلدين وتعيد العراق إلى حاضنته العربية". وتابع "يخشى بعضهم من عودة هذه العلاقة باعتبار أنها ستكون منافساً قوياً له في السوق العراقية، اضافة إلى الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران أو بين السعودية وقطر وتركيا".