Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس... جدل حول تدخّل القضاء في الإعلام؟

"حرية الرأي مضمونة ولا يجوز ممارسة رقابة مسبقة عليها"

ندّدت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) بتدخل تدخّل القضاء في الإعلام (رويترز)

تعدّدت في الفترة الأخيرة القرارات القضائية بمنع عدد من الفقرات والبرامج التلفزيونية بحجة الحفاظ على سرية التحقيقات، وفي المقابل، تكتفي الهيئات المشرفة على قطاع الإعلام في تونس بإصدار البيانات المندّدة بهذه الإجراءات، فما هي حدود مجال تحرك القضاء؟ وهل يهدّد هذا التدخل حرية الإعلام والصّحافة المكسب الوحيد بعد ثورة الـ 11 من يناير (كانون الثاني) سنة 2011 في تونس؟

قرارات قضائية بالمنع من البث

أصدر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية المتعهّد بقضية مقتل الشاب آدم بوليفة (23 سنة) في ملهى ليلي وسط العاصمة، قراراً بمنع بث تحقيق تلفزيوني أُعِدّ ليُبَث ضمن فقرات برنامج "الحقائق الأربعة" على قناة "الحوار التونسي" حول الموضوع لأنه يمسّ من سرية التحقيقات الجارية في القضية. كما أصدر قاضي التحقيق نفسه قراراً ثانياً في أقل من 24 ساعة بمنع بث الجزء المتعلّق بالقضية نفسها في برنامج تلفزيوني آخر على إثر طلب تقدّم به أحد المحامين النائبين في القضية استناداً إلى معطيات تشير إلى وجود تصريح ضمن البرنامج التلفزيوني لشخص انتحل صفة صديق الشاب القتيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"الهايكا" تكتفي ببيان تنديد

وندّدت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) بتكرّر تدخّل القضاء في الإعلام، واعتبرته مخالفاً لمقتضيات الفصل 31 من دستور الجمهورية التونسية الذي ينصّ على أنّ "حرّية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة ولا يجوز ممارسة رقابة مسبقة عليها ".

وأضاف البيان أن هذا القرار يمثل تدخّلاً في صلاحيات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري باعتبارها الهيئة المخول لها حصرياً مراقبة مدى تقيّد منشآت الاتصال السّمعي البصري بالقوانين، مؤكدة ضرورة تجنّب الرّقابة المسبقة على الإعلام احتراماً لحرّية الإعلام والتعبير الركيزة الأساسية للديمقراطية.

بيان ضعيف

بيان رآه أستاذ الإعلام في معهد الصحافة وعلوم الإخبار والباحث في الإعلام محمد الفهري شلبي ضعيفاً لأن هذه الهيئة قد تجاوزها الزمن وتركيبتها منتهية الصّلاحية، وأضاف أن هذه الهيئة تؤكد في كلّ مناسبة أن تكرار المنع من الجهات القضائية مخالف للدستور، وهو رقابة مسبقة على الإعلام ومساس بصلاحيات "الهايكا"، وسأل عمّا ستفعله هذه الهيئة في حال تكرر المنع، وهل ستكتفي بإصدار البيان نفسه؟

أسئلة تنمّ عن حيرة مختصّ في الإعلام إزاء ضعف السند القانوني لهذه الهيئة التي تكتفي بإصدار البيانات في مشهد إعلامي معقّـد.

الهيئة تجاوزها الزمن

تجدر الإشارة إلى أن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السّمعي البصري هي هيئة دستورية تُعنى بتعديل المشهد الإعلامي السّمعي البصري، وأحدثت بمرسوم عدد 116 في الثالث من مايو (أيار) 2011 لمدّة ستّ سنوات غير قابلة للتجديد، ويقع تجديد ثلث أعضائها كل سنتين بالتناوب "إلا أن هذه الهيئة مستمرّة في أعمالها وطلبت من رئاسة الحكومة التّمديد في عهدتها بشكل قانوني أسوة بالتجارب المقارنة إلى حين المصادقة على القانون الجديد للاتصال السّمعي البصري، إلا أن رئاسة الحكومة لم تصدر أي قرار في هذا الشأن".

حدود التداخل بين القضاء والإعلام

وأكّد الدكتور أمين بن مسعود أستاذ في معهد الصحافة و لوم الإخبار وهو صحافي مهتم بتحولات الميديا في تونس لـ"اندبندنت عربية" أنّ تدخّل القضاء في الإعلام يؤشر إلى أنّنا في تونس لم نفهم بعد حدود التداخل بين الإعلام والقضاء، مشيراً إلى أن بيان الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري هو موقف وليس استقراء من هيئة دستورية تشرف على تعديل المشهد السمعي البصري في تونس بعد الثورة، وأضاف أن مثل تلك البيانات لا تغيّر من واقع الحال شيئاً لأن موقف الهيئة ضعيف قانونياً ودستورياً إزاء المؤسسة القضائية، فالبيان في تقديره أراد فقط أن يقول إن الهيئة هي الوحيدة الوصية على الإعلام في تونس ولا تقبل أن تنازعها في هذه الصلاحية أي جهة أخرى من دون أن يتعمق في جوهر وأسس وحدود التداخل بين القضاء والإعلام .

وأشار بن مسعود إلى أن الإعلام يمكنه التعاطي مع بعض القضايا المنشورة للتحقيق طالما أنه ملتزم بأخلاقيات المهنة وبضوابط العمل الصحافي من دون تأثير في مجرى القضية موضوع التناول الإعلامي.

سابقة خطيرة

الصحافية في جريدة الصحافة الحكومية سلمى بن سلامة، أكدت أنّ هذا التدخل يمثل سابقة خطيرة وخطاً أحمر يهدّد حرية الإعلام في تونس، مشيرة إلى أن حرية التعبير والإعلام في خطر اليوم بالنظر إلى الوضع العام الذي يسود البلاد، وشددت على ضرورة صون هذا المكسب والدفاع عن حرية الإعلام بعد الثورة. موقف لا يوافقها فيه الصحافي بجريدة "الشروق" المستقلة سرحان الشيخاوي الذي أكد أن القضية محلّ نظر القضاء وفي مرحلتها التحقيقية الأولى، وبالتالي يجب عدم التطرّق لتفاصيلها في الإعلام حفاظاً على سرية التحقيقات وحتّى لا يؤثر الإعلام في سير القضية.

ضعف المؤسسات والهياكل

وتختلف القراءات لما حدث من تدخّل للقضاء في الإعلام بين من يرى أنه جائز وبين من يرى أنه تجاوز خطير يهدّد حرية الإعلام، واختلاف القراءات لا يُخفي جملة من الثغرات التي تسود المشهد الإعلامي في تونس اليوم، بينها ما هو هيكلي مؤسّساتي كضعف الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، وغياب مجلس للصّحافة، بالإضافة إلى تغوّل اللّوبيات المتحكمة في جزء من الإعلام الخاص وتقاطعه مع مصالح جهات مالية نافذة في البلاد يجعل من هذا الإعلام غير محايد وغير موضوعي ولا يؤتمن في تناوله القضايا التي تهمّ الرأي العام، وبينها ما له علاقة بأخلاقيات المهنة وضوابط العمل الصحافي إذ إننا نشهد ضموراً لأخلاقيات المهنة في عدد من البرامج التلفزيونية التي تروّج لقيم مجتمعية غريبة عن الواقع التونسي، وتشهد هذه البرامج تجاوزات بالجملة كالتشهير والإثارة والتوظيف الرخيص لآلام الناس .

وضع يجعل الأرضية مهيأة للتدخّل القضائي في الإعلام صوناً للمسارات القضائية في القضايا التي تهمّ الرّأي العام الوطني من التلاعب والتوجيه في الإعلام وخصوصاً المحسوب منه على جهات مالية أو سياسية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات