على الرغم من التحديات السياسية والاقتصادية يسعى السينمائيون الفلسطينيون للوصول إلى العالمية بأفلامهم المنتجة محلياً أو في دول أخرى.
كل عام نقرأ كثيراً عن أفلام حققت ملايين الدولارات، داعمة بذلك شهرة بلد المخرج أو مكان الإنتاج، لكن الأفلام السينمائية في فلسطين مختلفة قليلاً، إذ إن الحضور الفلسطيني العالمي يتحقق بجهود فردية أو مؤسساتية رسمية ضعيفة، في ظل الميزانية المتواضعة لوزارة الثقافة، التي شكلت نحو 0.15 في المئة من ميزانية السلطة الفلسطينية العامة عام 2018.
منذ مطلع الألفية الثالثة ازداد وصول الأفلام الفلسطينية إلى العالمية، ومنها "أميركا" لشرين دعيبس، و"يد إلهية" لإيليا سليمان، وفيلما المخرج هاني أبو أسعد "الجنة الآن" و"عمر" وقد وصلا إلى القائمة القصيرة لجائزة الأوسكار، وفيلم "عيني" لأحمد صالح الذي فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة أجنبي للطلاب. وآخر المحطات هذا العام ترشيح فيلم "اصطياد أشباح" للمخرج رائد أنضوني للأوسكار، وفيه يبحث المخرج عن ما تبقى داخل نفوس الأسرى السياسيين الفلسطينيين وذاكرتهم العميقة، إذ طلب من أسرى سابقين إعادة بناء السجن والقيام ببعض الأدوار.
لكن الأوسكار ليست مهمة بالنسبة إلى أنضوني الذي ركز على فوز فيلمه بالجائزة الأولى في مهرجان برلين للأفلام الوثائقية، وعرضه أكثر من 150 مرة في فلسطين داخل المراكز الثقافية في مختلف المناطق أو دور السينما الحديثة، في محاولة للخروج من مركزية المدن ومشاركته مع جمهوره الفلسطيني الذي شكل غياب دور العرض فجوة بينه وبين الأفلام المحلية.
من الأفلام الشابة التي وصلت أيضاً إلى بعض المهرجانات العالمية، فيلم "فراولة" لعايدة قعدان من حيفا، الذي يتحدث عن بائع في رام الله لم ير البحر في حياته. وفاز الفيلم بجائزة مهرجان "Palest’In & Out" في فرنسا. وعلى الرغم من النجاح الذي حققه، إلا أن قعدان ترى أن السينما الفلسطينية تواجه مشاكل كبيرة كغياب التمويل والبنية التحتية الخاصة بالسينما وتعميم ثقافتها بين الناس.
عوائق أمام الإبداع
يحاول صلاح أبو نعمة (26 عاماً) إنتاج أفلامه دائماً بأقل تكلفة ممكنة وبأبسط الموارد، وذلك لصعوبة الحصول على تمويل وعدم رغبته في أن يكون محكوماً بشروط أحد. وهكذا فعل تقريباً خلال إنتاج فيلمه الأخير "منطقة ج"، الذي فاز بجائزة أفضل فيلم روائي قصير في مسابقة طائر الشمس في مهرجان أيام فلسطين السينمائية عام 2018.
أما آلاء الداية، طالبة في السنة الثالثة في كلية دار الكلمة في بيت لحم، فلها تجربة مختلفة مع فيلمها التجريبي "خروج"، الذي يروي قصة روح فلسطينية في مقبرة تاريخية. وبالنسبة إليها كل التحديات السابقة تشكل عائقاً أمام تطور الأفلام في فلسطين لتصل إلى المستوى الذي تعكس فيه الحياة والمعاناة الفلسطينية.
يرى مهند حلواني، المنتج السينمائي في فريق نادي أفلام فلسطين، أن الأفلام المحلية على الرغم من نجاحها عالمياً إلا أنها تحتاج إلى تنوع أكثر، كأن تضم الكوميديا وأفلام الأطفال والأكشن، إضافةً إلى أن معظم الأفلام تتبع نماذج ومدارس عالمية لعدم وجود نمط سينمائي فلسطيني.
لكن المخرج أنضوني لا يرى في تنوع المدارس مشكلة، فبالنسبة إليه هذا أمر صحي ومريح ويميز السينما الفلسطينية ويبعدها عن النمطية.
كيف سينقذ الفلسطينيون السينما؟
تكشف لينا بخاري مديرة دائرة السينما في وزارة الثقافة لـ"اندبندنت عربية" أنه يجري العمل على إعادة إحياء مؤسسة السينما الفلسطينية كجهة رسمية تهتم بالعاملين في هذا المجال، وتدعم عدداً محدوداً من الأفلام سنوياً وتشرف على ترشيح أفلام في المسابقات والمهرجانات العالمية، إضافة إلى تنظيم مهرجانات للأفلام الروائية والوثائقية والرسوم المتحركة، وتعزيز وجود فلسطين كدولة لها علمها كما حصل في مهرجان كان العام الماضي.
تضيف بخاري أن الوزارة تحاول الخروج من مركزية المدن والتوجه إلى المراكز الثقافية والمناطق المهمشة وتأسيس نوادي سينما في الجامعات، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذه الثقافة.
بعيداً من الجهد الرسمي، تسعى مجموعات شبابية ومؤسسات مختلفة للنهوض بالسينما، ففي نادي أفلام فلسطين يحاولون تأسيس قاعدة بيانات تجمع كل العاملين الفلسطينيين في مجال السينما حول العالم، إضافة إلى عقد ورش عمل ودورات تعليمية.
وهناك مؤسسة فيلم لاب التي تنظم مهرجان أيام فلسطين السينمائية.
ويسعى شبان آخرون إلى توثيق الأفلام الفلسطينية في موقع أسموه "أفلام فلسطين"، لجعلها في متناول الناس بطريقة عصرية مع الحفاظ على حقوق الملكية والنشر، وترجمة الإنتاجات الفلسطينية إلى لغات أخرى، وخلق تواصل بين العاملين في هذا المجال ومن يريد أن يخوض غمار التجربة.
إلا أن المشكلة، وفق القائمين على الموقع، تكمن في ضياع جزء كبير من الموروث السينمائي الفلسطيني، وغياب قاعدة بيانات تجمع كل السينمائيين.
السينما في فلسطين ليست حديثة، فعمرها نحو مئة عام، وكان في معظم المدن دور تعرض أفلاماً عالمية، وتُنظم إليها الرحلات المدرسية ويلتقي فيها الأصدقاء والعشّاق، لكن الظروف السياسية الأمنية والاقتصادية الاجتماعية أدت إلى إغلاقها في نهاية ثمانينيات القرن الماضي مع انتشار التلفزيون والفيديو.