Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سوق السكوار" في الجزائر... تفضح مرشحي الرئاسيات

يوصف بـ "البورصة الحقيقية للاقتصاد المحلي"

اللجوء الى السوق السوداء في الجزائر لتبديل العملات (غيتي)

اختلطت الأرقام على وزير المالية الجزائري محمد لوكال، وتلعثم في الكلام أمام نواب البرلمان حين كان يستعرض بعض الحلول لـ"سوق السكوار" للعملة الصعبة، لكن ردود الوزير لم تكن في الحقيقة سوى تصحيح لقرار اتخذه بعد "مقاومة" جديدة من "بارونات" هذا السوق الموازي الذي يوصف بـ"البورصة الحقيقية للاقتصاد الجزائري"، في وقت عجز مرشحو الرئاسيات المقبلة على تقديم برنامج واضح يعيد الهيمنة للمنظومة المالية الرسمية.

في محيط ساحة بور سعيد وسط العاصمة الجزائرية، يصطف عشرات الشباب حاملين مختلف أنواع العملة الصعبة يستعرضون أسعارها التي تتغير يومياً على عابري المكان كأنها "بورصة" حقيقية في بلد لم يعان من اقتصاد نقدي مهترئ ولم يتمكن من بناء سوق نظامية للعملات منذ مطلع التسعينيات.

صعوبة التحويلات المالية

ليس سهلاً على أي كان في الجزائر إجراء تحويل مالي أو تبديل قيمة صغيرة للعملة الصعبة، إلا إذا لجأ إلى السوق السوداء، فلا مطارات البلد ولا موانئها تمكن الوافدين تغيير العملة وسط غياب تام لمكاتب الصرف، على الرغم من أن قانون النقد والقرض أسس لها منذ عام 1993، كما لا توفر البنوك العمومية والخاصة خدمة تبديل العملة ضمن منظومة لم يطلها أي إصلاح في العقود الثلاثة السابقة.

وعاد اسم "سكوار" ليطرح بقوة في النقاشات السياسية المرتبطة بالحملة الانتخابية للرئاسيات المقبلة، لكنه مجدداً كان الرقم الصعب ضمن وعود المرشحين الخمسة بغياب تصور واضح عن كل واحد منهم يفصل سر صمود و "تجبر" السوق السوداء للعملة الصعبة في البلاد أو آليات وضع حد لها، على الرغم من تولي غالبية المرشحين، مسؤوليات كبيرة في الدولة سابقاً إما كرؤساء حكومات أو وزراء.

وعلى الرغم من توالي نحو 11 حكومة ومئات الوزراء في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، إلا أن سوق العملة الموازية هزمت جميع الخطط الحكومية، وقد تواصل فعل ذلك على الأقل في الولاية الأولى للرئيس المقبل ما بعد انتخابه في 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

"السكوار" والعصابة

ملف "السكوار" سياسي واقتصادي في الوقت ذاته، فبقدر ما عكس هشاشة الاقتصاد النقدي الجزائري لعقود طويلة، فقد ارتبط بممارسات منظومة سياسية بأكملها، لذلك كان الرهان في الشارع الجزائري أن ينتهي "تسلط السكوار" على السوق المالية بسقوط "أفراد العصابة" وسجنهم، إلا أن "تعافي" قيمة العملة الصعبة في السوق السوداء، عادت سريعاً بعد تراجع طفيف شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) الماضيين.

ويبلغ سعر صرف اليورو في سوق "السكوار" نحو 200 دينار مقابل يورو واحد، في حين لا تتجاوز قيمة اليورو الواحد وفقاً للتحويل الرسمي 113 ديناراً، وهي وضعية عجز خبراء الاقتصاد النقدي عن تفسيرها كما عجزت الحكومة عن وضع حد لها.

وتشغل "سوق السكوار" عشرات الشباب وسط العاصمة، ومن هناك ينطلق يومياً سعر الصرف لمختلف العملات نحو بقية المحافظات بنفس طريقة عمل الأنظمة النقدية الرسمية، لكن أياً من هؤلاء الشباب لا يملك أدنى فكرة عن مصدر تلك الأموال التي يقدرها بعض الخبراء بـ 100 مليار دولار.

تعاملات بنكية

يقول أستاذ الاقتصاد النقدي في الجامعة الجزائرية، عبد الرحمن عية في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إن الأصل في استمرار سوق "السكوار" الموازية، "عدم القدرة على وضع حد للتهريب الذي يستهدف الأموال الصعبة تحت المجهر عن طريق تعاملات بنكية تتم باسم التصدير والاستيراد لمنتجات متعددة، وذلك عن طريق فوترة مزيفة لهذه الأخيرة، على غرار ما تم كشفه في العديد من التحقيقات القضائية الأخيرة وما خفي كان أعظم".

ويعتبر الأستاذ إبراهيم لكصاصي، أستاذ الاقتصاد بالمدرسة الوطنية المتعددة التقنيات، أن بقاء هذا الوضع على حاله "يخدم جماعة معينة لها مصلحة في بقاء الأمور على حالها، بالنظر إلى التداول الرهيب الذي يحدث في السوق الموازية من دون حسيب ولا رقيب، ومن دون أن تستفيد الخزينة العمومية من التعاملات المالية الكبيرة التي تتم"، مضيفاً أن "مكاتب الصرف لن تفتح ليس بسبب عدم وجود سياح في الجزائر، ولكن بسبب أن مصالح اللوبيات التي تسير أسواق العملة ستتضرر".

مقترحات ما بعد الرئاسيات

حين تحدث المرشح للرئاسة عبد المجيد تبون، عن السوق الموازية للعملة الصعبة، اكتفى بوعد يتعلق بـ"رفع قيمة المنحة السياحية إلى حدود 1500 يورو بآلية جديدة قد تكون مرة كل ثلاث سنوات مثلاً"، وذلك ضمن شق اقتصادي، يلتزم فيه بتنفيذ "سياسة جديدة للتنمية خارج المحروقات واستبدال المنتجات المستوردة بالمنتجات المحلية لتوفير احتياطي الصرف وخلق ومضاعفة الشركات الناشئة، إلى جانب تعزيز الدور الاقتصادي للجماعات المحلية في تطوير وتنويع اقتصاد البلاد وتحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر".

أما المرشح عبد القادر بن قرينة، فيضع "عموميات" في مجال الاقتصاد النقدي، بطرحه فكرة "تنشيط بورصة الجزائر" وهي في الأصل هيكل مالي جامد لا يؤدي أي دور مالي، حيث يضم إلى هذا الوعد مقترح "ترسيم وتنظيم سوق الصرف وفتح العمل لمؤسسات الصرافة وفق قواعد شفافة وواضحة، مع تطهير البئية الاقتصادية والقانونية وضمان الشفافية لتوفير سوق أسهم قوية".

في المقابل، لم يتعمق المترشح علي بن فليس، في ملف الاقتصاد النقدي و"سوق السكوار" خصوصاً، واكتفى بعناوين تقول بـ"عصرنة قطاع البنوك وإنشاء سوق مالية متطورة وتنشيط بورصة القيم واللجوء إلى مساعدة الموارد الخارجية عندما تتطلب العقلانية الاقتصادية ذلك".

ولم يفصل المرشحان عبد العزيز بلعيد وعز الدين ميهوبي، طويلاً في مسائل النقد ويكتفيان بدورهما بمحاور كبرى لإخراج الاقتصاد الجزائري من مرحلة "الصدمة" المقرونة بتذبذب أسعار النفط منذ عام 2014 على الأقل، بمقابل تراجع احتياطي الصرف في البلاد من قرابة 200 مليار دولار إلى أقل من 60 ملياراً.

ويشير بلعيد في هذا الشأن إلى "آليات جديدة للدفع بالاقتصاد الوطني للأمام، وهذا بإعطاء الاهتمام الكامل للصحراء الجزائرية، وإقامة مناطق تبادل حر بالولايات الحدودية الجنوبية".

المزيد من العالم العربي