مع اقتراب عيد الميلاد، يتهيّأ كثيرون في المملكة المتحدة لموسم من الفرح والإسراف في الترف. وقبل الشروع في الحفلات وتقديم الهدايا، أودّ أن أطلب من الناس التوقف للحظة والتفكير في أوضاع أُسَرٍ كثيرة تجهد كي تتمكن من تأمين طعام الغداء على مائدتها يوم العيد في الخامس والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وكما درجت العادة سنوياً، تستعد بنوك الغذاء والجمعيات الخيرية هذه الأيام لعيد ميلادٍ قد يكون الأكثر ازدحاماً بالنسبة لها.
ربما الفترة الاحتفالية ليست وحدها التي يتعين على تلك المؤسسات أن تقلق بشأنها. وثمة واقع قاسٍ يتمثّل في أن عدداً من الأسر يتعامل مع مشكلة الجوع على مدار السنة. وعلى الرغم من أنني عملتُ على عدد من القضايا الخيرية المهمة طوال حياتي المهنية، إلا أن هذه القضية لا تزال الأقرب إلى قلبي.
إن حماستي للطعام ليست سراً. إذ يجمع الطعام الناس معا، ويمنحهم فرصةً لتبادل الحديث مع مَن يحبون، كما يُرسي شعوراً بالروح المجتمعية. وتضفي الوجبة اللائقة شعوراً بالأمان والسعادة والرضا. وحقيقةُ أن هناك عائلات في المملكة المتحدة تفتقر إلى وسائل لتأمين الطعام إلى أفرادها، وذلك أمر غير مقبول. أكثر من ذلك، فإن مجرد التفكير في الغذاء على أنه مصدر للقلق والحيرة بالنسبة إلى كثير من الناس، يشكّل أمراً مقلقاً للغاية.
الأرقام في حدّ ذاتها مخيفة. وفي المملكة المتحدة يعيش نحو 14 مليون شخص تحت خط الفقر. ويوجد بينهم أكثر من 4 ملايين طفل. في العام الماضي وحده، سلّمت جمعية "ذي تراسل تراست" وهي أكبر مزوّد لبنك الطعام في بريطانيا، أكثر من 1.6 مليون طردٍ غذائي إلى أشخاص أحوالهم ضعيفة، وقدّمت أكثر من ثلث تلك الطرود إلى أطفال.
في ذلك الشأن، لاحظتُ حجم المشكلة أثناء تطوّعي في بنك الغذاء المحلي الخاص بي في العام 2018. التقيتُ أناساً يقفون على الخطوط الأمامية للجوع في المملكة المتحدة، واكتشفتُ مدى سهولة التعرّض للتعمية تحت تأثير الإحصاءات. في المقابل، حمل لقاء الجياع المشكلة إلى منزلي، فهؤلاء الأفراد يعيشون عند عتبة داري. وهذا الواقع أكسب الإحصاءات طابعاً أكثر إنسانية، وأجبرني على النظر في القضايا الأساسية التي تدفع بالأفراد إلى استخدام خدماتٍ من نوع بنوك الطعام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تطوّعتُ أخيراً في مركز مجتمعي في ستراتفورد يُدعى "كاربنترز أند دوكلاند". لم تكن هذه المؤسسة مقراً اجتماعياً قيّماً فحسب، بل تحوّلت أيضاً تجربةٍ تعبّر عن تواضع كبير. حتى مع وجود عبء الفقر على أكتافهم، فإن زوّارها الذين التقيتهم كانوا لطفاء وإيجابيين للغاية. والأهم من ذلك، ساعدني وجودي بينهم والاستماع إليهم على تكوين فهم أعمق للأسباب المعقّدة والمتنوّعة للأشخاص الذين يطلبون الخدمات الغذائية من الجمعيات الخيرية. قد تكون الافتراضات سهلة للغاية، سواء أكان اختيار هؤلاء الأشخاص ناجم عن عدم العمل أو الكفاح من أجل تحقيق دخل. وتتمثل الحقيقة في أن الوقوع في العوز والحاجة إلى مثل هذا النوع من المساعدة، يمكن أن يحصل ببساطة بمجرد تلقّي فاتورة غير متوقّعة أو عند التأخّر في تلقي الإعانات الاجتماعية.
ويتوجب علينا أن نسعى جاهدين إلى تكوين مجتمع لا يعود في حاجة إلى مثل هذه الخدمات التي أصبحت جزءاً واضحاً من حالة التقشف في بريطانيا، وهذا الوضع يحتاج فعلاً إلى التغيير. لا يوجد شك في أن القضاء على أوجه عدم المساواة هذه أبعد ما يكون عن الواقعية، لكن ذلك لا يعني أنه لا يمكننا المساعدة في تزويد الناس بالأدوات اللازمة للخروج من دائرة الفقر. وقد لا يكلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى الأشخاص الذين يجدون أنفسهم غير مضطرين إلى أن يعيشوا تلك الحقيقة، وزيادة الوعي والتطوّع في خدماتنا التي نقدمها إلى الذين يحتاجون إليها، ومحاسبة الحكومة على الطريقة التي تؤثر فيها سياساتها على الأفراد من ذوي الدخل العادي. ويمكنكم حتى التوجّه إلى محلات السوبر ماركت مثل "تيسكو" التي تقدم حالياً تبرعاً بقيمة 5 بنسات لكل حزمة وتقدمها بالنيابة عنكم مع كل عملية شراء لعروضها الخاصة من شاي "بي جي تيبس" ومايونيز "هلمانز" وماسترد "كولمانز" وجبنة "كنور" وعلب المعكرونة من نوع "بوت نوودل" وسناك "غريز".
لا يريد الأشخاص الذين قابلتهم الاعتماد على هذه الخدمات لإطعام أسرهم. ونحتاج جميعنا إلى القيام بواجبنا ك نساعد في إحداث تغيير يجعلهم يشعرون بأنهم غير مجبرين على ذلك. وعلى الرغم من أن مجموعة من المتطوّعين الذين قابلتهم تبادر إلى تقديم المساعدة، فهناك مسؤولية على كل فرد منا في إداء بواجبه، مهما كان صغيراً.
ثقفوا أنفسكم وتطوّعوا. أقنعوا ذاتكم بأن لديكم القدرة على مد يد العون. حتى مبادرة لطفٍ صغيرة يمكن أن تحدث فارقاً بالنسبة إلى أولئك الذين يعيشون في مجتمعكم المحلي.Top of FormBottom of Form
© The Independent