Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خُدعنا. كلنا خُدعنا"، يقول داعشي ألماني وقع في الأسر ويبدي الندم على التحاقه بالتنظيم الإرهابي

خاص: عضو سابق في داعش يسرّ إلى ريتشارد هول أنه غيّر موقفه، ولكن قصته مشكوك فيها

نازحات من الحرب السورية (غيتي)

قرر لوقاس غلاس الالتحاق بداعش بعد مدة وجيزة على انتهائه من المدرسة. ولم يمر وقت طويل على إعلان التنظيم الإرهابي "خلافته" المعولمة في صيف 2014، حين ترك بلدته، دورتموند، وتوجه مع زوجته لبدء حياة جديدة في سوريا. كان يومذاك في التاسعة عشرة من العمر فحسب. "جلّ ما أعرفه هو أن تنظيم داعش كان يفرض الشريعة الإسلامية ويحارب بشار الأسد، يقول والجدية تبدو عليه تحت عيون معتقليه في منشأة عسكرية شمال سوريا. "جئتُ لأمارس ديني، وحسبتُ أنني سأجد ما أبحث عنه هنا، ولكن واقع الأمور كان بالغ الاختلاف. وغلاس، مواطن ألماني، هو الآن في الثالثة والعشرين من العمر، وكان واحداً من آلاف الأجانب الذين توجهوا إلى هذا البلد في خضم حرب أهلية عنيفة للعيش في كنف تفسير متشدد للإسلام التزمه تنظيم داعش أمام أتباعه. ولكن التنظيم لم يكتفِ بهذا. وكثيرون لعبوا دوراً بارزاً في حُكم التنظيم المرعب والإرهابي، ومنهم أدوا دور الجنود ومنهم الجلادون منفذو الأحكام، والمجندون. وفي الأشهر الأخيرة، على مشارف نهاية الخلافة، اعتقلت قوات سوريا الديموقراطية مئات الأجانب حين مغادرتهم إقليم داعش المتقلص باطراد. ولكن اعتقالهم هو بداية عملية معقدة لا تلوح نهايتها في الأفق. ومعظم الدول لا تريد عودة هؤلاء المواطنين الذين غادروا للالتحاق بالخلافة تخوفاً من تحولهم الى مصدر خطر أمني إذا ما عادوا. ومحاكمتهم بالغة الصعوبة في غياب أدلة على ما ارتكبه هؤلاء الأفراد خلال عيشهم في ظل داعش. وهذا ما لا يَخفى الأجانب المغادرين الخلافة، ومعظمهم ينكرون الارتباط بداعش أو يقولون إنهم لم يكونوا مقاتلين. ويزعمون أنهم كانوا طباخين أو أطباء أو عمال إغاثة وجدوا أنفسهم بطريق المصادفة في أرض الخلافة. "كلهم يقولون الامر نفسه"، يقول مسؤول استخباراتي كردي يتولى ملف الداعشيين المشتبه فيهم. و"نحن لا نصدقهم".

وليس غلاس من هؤلاء. فهو يقرّ بأنه عضو في داعش، وأنه عمل في جهاز الشرطة التابع لها طوال عامين. ولكنه يزعم أن بروباغندا التنظيم غررت به، ولم يكتشف حقيقة داعش إلا بعد فوات الأوان. وتلقي قصة غلاس الضوء على كيفية عمل أكثر التنظيمات إرهاباً في العالم المعاصر، وتبدد أوهام كثير من أتباعه مع انقلاب أحوالهم.
في مقابلة خاصة مع إندنبندنت، يروي قصة التحاقه بداعش وكيف انفرط عقد التنظيم. "يسعك مقارنة قصتي بقصة جندي أميركي كان يرغب في الانضمام الى الجيش"، يقول عن دواعي التحاقه بالتنظيم بلكنة إنكليزية. "فلماذا يلتحق بالجيش الأميركي ويذهب الى أفغانستان أو العراق أو سوريا للتضحية بحياته في سبيل الديموقراطية؟ بلغنا أنهم أعلنوا دولةً إسلامية، لذا جئنا"، يقول. واعتنق غلاس الإسلام في 2010، بعد عشر سنوات على تحول أمه إلى هذه الديانة. وطوال شطر راجح من حياته، كان يألف هذه الديانة. ولكنه لم يكتشف إيمانه إلا حين تقدم في السن. ويقول إنه شعر بأنه لا ينتمي إلى ألمانيا ولا يسعه عيش فيها الحياة الدينية التي يشاء. وفي يوليو (تموز) 2014، دعا زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، المسلمين في أنحاء العالم إلى سوريا والعراق لبناء دولة إسلامية. "هلموا يا مسلمين إلى دولتكم. نعم، دولتكم. هلموا، فسوريا ليست للسوريين والعراق ليس للعراقيين"، قال في تسجيل صوتي.
وخلّفت هذه الكلمات وقعها في غلاس. فشعر أن عليه الذهاب. واقترن بزوجة ألمانية. وعقب شهر، سافرا إلى تركيا حيث دفعا لمهرب من أجل عبور الحدود الى سوريا. وبعد وقت قصير، وجد نفسه في مدرسة دينية داعشية. "كان 400 منا في معسكر واحد، وهم من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا وشمال أفريقيا"، يقول.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأراد غلاس القتال مع التنظيم ضد الحكومة السورية، ولكن إصابته لم تخوله القتال في الجبهات الأمامية، فعُيِّن في شرطة محافظة حلب. "كانت مهمتي الأساسية تولي الحراسة في حواجز على الطريق. وكنت أوقف السيارات، وأبحث عن سجائر أو مخدرات فيها"، يقول. وهو يقول بإصرار "لم أوجه يوماً سلاحاً إلى أي إنسان". وكان هذا عمله طوال عامين. وكانت الحياة أقرب ما تكون إلى حياة طبيعية في عين ألماني يعيش في منطقة حرب ساخنة. ولكن في 2016، صارت غالبية الجهات المتقاتلة في الحرب الأهلية السورية على عداء مع داعش، وبدأ التنظيم يخسر في حلب في وقت كانت تتقدم المعارضة السورية. فانسحب مقاتلو التنظيم من حلب إلى الرقة، وغادر برفقتهم غلاس وأسرته. فهو رزق وزوجته أولاداً.
ولكن حين كان غلاس عنصراً في شرطة داعش، كان التنظيم يرتكب أفظع انتهاكاته. ففي أغسطس (آب) 2014، اجتاح مقاتلو داعش بلدة سنجار حيث سفكوا دماء المدنيين اليزيديين وخطفوا آلاف النساء وسبوهن واستعبدوهن جنسياً. ثم قتل داعشيون الصحافي الأميركي، جايمس فولي. وفي أيلول (سبتمبر) من العام نفسه، نشر التنظيم شريط فيديو يظهر قطع رأس الصحافي الأميركي - الإسرائيلي، ستيفن سوتلوف، ثم نشر شريط تصفية عامل الإغاثة البريطاني، ديفيد هينس. وجميع هذه العمليات رمت إلى الترويج إلى اقصى حد للتنظيم، ونُشرت على قنوات البروباغندا الداعشية، وكانت الغاية منها صدم العالم وبث الخوف في أوصال أعدائه.  

وواصل غلاس عمله في حراسة نقاط الحواجز الداعشية في حين كان التنظيم يعيث الخراب في المنطقة. وهو يصر على أنه لم يعرف بارتكاب هذه الجرائم، على الرغم من نشرها على نطاق واسع. ولم يغير رأيه إلا في 2006 بالرقة. "كنت شاهداً على بعض الأمور في داعش، وكانت أمور أرفضها وأرى أنها غير إسلامية"، يقول. "تظهر بعض الفيديوهات الدعائية الداعشية، حرق الناس، وإغراقهم. شعرت بالصدمة حين رأيتُ هذه الأمور وهي محظورة في الإسلام. وهذه أمور أرفضها"، يقول. "بعدها، قررتُ الرحيل".
وحين أدرك غلاس، بحسب قوله، حقيقة التنظيم، كان الأخير يشن هجمات قاتلة بعيداً عن حدوده. ففي فرنسا والولايات المتحدة وتونس، أودت هجمات مستوحاة من داعش بالمئات. ولكن داعش كان يتراجع في العراق وسوريا، ويخسر الأرض في البلدين هذين. فالولايات المتحدة دخلت النزاع، وبدأت تقصف قصفاً عنيفاً كل مناطق الخلافة التي أعلنها داعش أحادياً. "فطلبتُ الرحيل" يقول غلاس. "أعطوني ورقة ذيلها بختمهم أشخاص كانوا مسؤولين عني. ومنذ تلك اللحظة صرتُ مدنياً ولكن في أراضي الخلافة". وأضاف "لم أرغب في الانتماء إلى داعش بعدَ اليوم. ورغبت في أن أكون براءً من هذه الأشياء". وهو يقول إنه حاول الفرار ذات مرة مع عائلته، ولكن شرطة داعش السرية قبضت عليهم. "سجنوني طوال شهر ونصف الشهر. وأطلقوا سراحي سراحاً مشروطاً بأنني لو حاولتُ المغادرة مرةً ثانية فسيقتلونني".  

منذ تلك اللحظة يقول إنه صار سجين داعش، وأُجبر على الانسحاب معهم من الرقة إلى دير الزور. وتقلصت رقعة خلافة داعش أكثر فأكثر، ومُني مقاتلوها بهزيمة تلو أخرى. وفي نهاية الأمر، صارت سلسلة من البلدات على طول الفرات آخر معاقله. وشنّت قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، بدعم أميركي، هجومها على آخر معاقل التنظيم في ديسمبر. فالخلافة صارت محاصرة، وتتعرض يومياً لضربات جوية، في موقعة داعش الأخيرة.
"وأتذكر مرات قليلة قصدتُ فيها وعائلتي وأطفالي السوق، وكان القصف في جوارنا، وشاهدت بأم العين قتلى من النساء والأطفال، بعضهم بُترت أذرعهم وبعضهم صار بلا رأس"، يقول. "لم يكن المرء يعرف ماذا سيحصل في اليوم التالي. وكان يتوقع الموت في كل لحظة". وفي الأشهر الأخيرة، رحل الناس من مناطق سيطرة داعش. ولم يعد يُحكم القبضة على حركة الناس. وغادر آلاف من النسوة والأطفال مناطق داعش، ويُعتقد أن كثيرين منهم هم أقارب مقاتلي داعش. ويقول غلاس إن شعوراً بالتخلي عمَّ صفوف مؤيدي داعش ومقاتليه حين اختفى قادته. "كان لسان حال الجميع سؤالاً واحداً: أين هم؟ لماذا لا يظهرون؟ وهم يزعمون أنهم مسؤولون عنا وعن المسلمين، فلماذا لا يساعدوننا؟ وصارت غالبية الناس من مناطق داعش. حتى مقاتلو التنظيم، يكرهون القادة هؤلاء"، يقول.  

وفي نهاية المطاف، وقع غلاس في الأسر حين عبر الحدود شرق بلدة السوسة في 6 يناير (كانون الثاني). وأُبعد عن عائلته ولا يزال معتقلاً الى اليوم. وزوجته وأولاده موقوفون في معسكر اعتقال مع آلاف من العائلات التي يُشتبه في أنها عائلات عناصر داعش.
ومستقبله هو وأمثاله من آلاف السجناء الأجانب الذين هم في عهدة "قسد"، مبهم. فقوات سوريا الديموقراطية تدعو البلدان الأجنبية إلى استعادة مواطنيها الذين التحقوا بداعش. والى اليوم، فرنسا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي تقول إنها ستقبل عودتهم. كذلك قالت الولايات المتحدة إنها ستقاضي مواطنيها الذين يشتبه في "داعشيتهم" على أرضها. ولكن المملكة المتحدة ترفض عودة مواطنيها. وأعلن وزير الدفاع البريطاني، غافين وليامسون، العام الماضي "يجب منع أي إرهابي، سواء كان يتحدر من هذا البلد أو من غيره، من العودة الى بلده". وموقف ألمانيا، الى اليوم، مماثل. "آمل أن تقبل ألمانيا عودتي، ولكنني أستبعدُ ذلك. أعتقد أنهم سيسلمونني الى الحكومة السورية"، يقول غلاس.
ويُرجح أن يحاكم جزاء الانتماء إلى داعش أينما انتهى به الأمر، حتى لو لم يكن متورطاً بأعمال القتل، على نحو ما يزعم. وكثيرون لن يصدقوا ما يرويه.

"لا يُعقل القول إن الشكوك لم تساورهم بشأن طبيعة داعش في 2014. ففي نهاية يناير من ذلك العام، كانت المجموعات المتمردة الأخرى تنتقد بربرية داعش أشد انتقاد"، يقول شيراز ماهر، وهو خبير في شؤون المقاتلين الأجانب في النزاع السوري ومدير المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في جامعة كينغ بلندن. "صحيح أن بعض الأفراد في داعش كانوا أصحاب اختصاص، وكانوا أطباء ومهندسين وهكذا دواليك، ولكن المقابلات التي أجريتها توحي أنهم كانوا يؤدون كذلك أدواراً قتالية. وأظهر شريط بروباغندا داعشي أن الطبيب الأسترالي النافذ، طارق كمالة، كان يؤدي عمله طبيباً تارةً وتارةً أخرى يُقاتل على الجبهة الأمامية"، يضيف شيراز ماهر.
ولن يطول الأمر قبل أن يخسر داعش معقله الأخير، فتنتهي الخلافة في العراق وسوريا. ومنذ اليوم، يُعد كثيرون هنا للمرحلة المقبلة. فداعش بدأ يتقهقر ويعود على أعقابه قوةَ تمرد، وأثبت قدرته على شن هجمات. ولكن غلاس، وهو كان يُبجِّل التنظيم، يرى أنه سيعجز عن استمالة القدر نفسه من الدعم والتأييد مثلما فعل قبل أربع سنوات. "ففي البدء، حين أعلنوا خلافتهم، تقاطر آلاف المسلمين الى سوريا لدعم الخلافة. ولكن اليوم بانت حقيقة داعش ولم تعد خافية علينا. كل ما ارتكبه داعش، كل هذه الجرائم، جعلت المسلمين في أصقاع العالم يكرهونه. لذا، لن يجد مؤيدين"، يقول غلاس. "خُدعت. وكلنا خُدعنا. كل المقاتلين الأجانب، وهم آلاف المسلمين الذين التحقوا بداعش، خُدعوا".  

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات