Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانتخابات ستجري لكنها لن تفك عقدة بريكست بل ستكسر البلاد لعقود

خلال الأسابيع الستة المقبلة، سيكسر بوريس جونسون وجيريمي كوربين عقدة بريكست بصراخ احدهما على الاخر حول كل شيء إلا بريكست

زعيم جزب العمال جيريمي كوربين يوقع على شعار حملته الانتخابية "حان وقت التغيير الحقيقي" 5نوفمبر 2019 (أ.ف.ب) 

هناك حيلة يمارسها المعذِّبون على ضحاياهم قوامها تقديم عرض عن القسوة المريعة التي يوشكون تطبيقها عليهم، قبل البدء بعملية التعذيب نفسها. ومثلاً، قبل وضع مشعل لحام المعادن المشتعل على أجسام الضحايا العارية، يذيب المعذبون صفيحة معدنية به أمام ضحاياهم المنكوبين الذين يُجبرون على مشاهدة ذلك بعيون مفتوحة رعباً، متابعين تجمّع الحديد المتكور في بركة منصهرة على أرضية مستودع مهجور.

حدث ذلك في مجلس العموم عصر يوم الثلاثاء الماضي، حين قدم بوريس جونسون وجيريمي كوربين حفنة من مُقَبِّلات الوليمة الكاملة من التعاسة التي يوشكان، وفق ما اتّضح لاحقاً، فرضها علينا جميعاً.

مُقَبِّلات، إذا أحببتم، في صحن صغير. إنها تجربة حسيّة يمكن مقارنتها بتلك التي جاءت في كتاب سيرة لاعب كرة القدم بول غاسكوين، حين تكلم عن تبديل حشوات حزمة من الفطائر، في علبة من سوبرماركت "تيسكو"، ببرازه، ووضعها في فرن الميكروويف قبل تقديمها إلى صديقه جيمي فايف بَليز ووالده المعتل منذ أمد طويل.

كم يحزنني أن أعلمكم أن هناك انتخابات ستجري خلال موسم أعياد الميلاد، يوم 12 ديسمبر. إذ إنّه الإجراء الذي دُفعنا بفعل أسباب تخلو من المنطق تماماً لكننا سنعود إلى تلك النقطة لاحقاً، إلى تصديق كونه الخيار الوحيد لكسر عقدة بريكست. لقد سمعتم آلاف المرات الكلمات التي تقول لقد فشل مجلس العموم في تنفيذ الخروج من الاتحاد الأوروبي، والآن نحن ندعو الشعب ليساعدنا في تحقيقه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يستطيع النواب الاتفاق على كل صيغ البريكست، أو كذلك كافة صيغ عدم تحقيق بريكست، لذلك فإن على الشعب أن يساهم في الخروج من المأزق. والآن كيف يمكن كسر هذه العقدة؟ بالله عليكم. كأنكم فعلياً لا تعرفون ذلك.

لقد كان ذلك الأمر معروفاً لديكم تماماً حتى قبل أن يبدأ جونسون وكوربين خطابيهما، ظهر يوم الثلاثاء الماضي. إذ يتمثّل الطريق إلى الخروج من مأزق بريكست في أن يقضي الجمهور ستة أسابيع مستمعاً إلى الهراء نفسه الذي ظل يتكرّر في قاعة مجلس العموم بشأن قرب حدوث انتخابات أم لا، وشكّل (= الهراء) تمهيداً للأمر الذي جرى إقراره.

وكذلك جاء ذلك الأمر نفسه صورة عن تلك الممارسة السابقة للتعذيب الآتي على هيئة قضاء ستة أسابيع ونحن نتابع بوريس جونسون غارزاً سبابته في وجه جيريمي كوربين، ومطلقاً من فمه الواسع لغواً بائساً حول فيدل كاسترو وهوغو تشافير وفنزويلا.

في المقابل، كان هناك جيريمي كوربين وهو يرد على جونسون، مثلما سيفعل خلال الأسابيع الستة المقبلة، برفع صوته المتقطع الغاضب إلى أعلى درجاته، فيبدو كأنه دبور محصور تحت كأس فارغ، مثرثراً حول "بديل للتقشف وعدم المساواة والصفقات التجارية المعسولة مع دونالد ترمب".

وعلى تلك الشاكلة ستكون الأمور، من الآن وحتى أعياد الميلاد. ولا يعني هذا أن القضايا المطروحة غير مهمة، إذ أنها مهمة بالطبع. لكنها ستكون مرة أخرى حرباً استبدالية عن بريكست، وعلى الأغلب، فإنها لن تقدم إجابة عن سؤالنا الأزلي غير المجاب عنه.

ستكون النهارات أقصر، ودرجات الحرارة أشد برودة، وستحدث مشاحنات حول كون معاداتك للسامية أفضل أو أسوأ من كراهيتي للمسلمين (الاسلاموفوبيا). سيكون هناك "حماس" و"حزب الله" و"الجيش الجمهوري الآيرلندي" و"دروس التكنولوجيا" و"لصوص البنوك" و"صناديق البريد"، لكن إلى أين ستوصلنا كل تلك القصص؟

ليكن ذلك. إذ بات عالم التوقعات السياسية الآن مقامرة غير مضمونة أكثر من كل وقت سابق، ولن يوقفنا هذا بالطبع من الانجرار إليها. ولكن، ثمة خبيرين يمكننا حقاً التشبث بهما. يتمثل الأول في ديفيد بتلر، مبتكر مقياس التذبذب في ميول التصويت، ومحلّل الانتخابات الذي لا يضارعه أحد، والبروفسور الجامع للحكمة خلال سنوات حياته الطويلة، ابن الخامسة والتسعين، الذي أقر بأنه "لم يشعر بالحيرة وعدم اليقين" مثلما يشعر بهما الآن بشأن ما سيحدث. ويتمثّل الثاني في البروفيسور السير جون كيرتس، الذي صرح قبل الانتخابات الفرعية في مقاطعة اتنبورو، إن "كل شيء قابل للتحقق".

لذا، يمكننا القول بيقين مطلق أن لا أحد يعرف ما سيحدث. إذ تبقى استطلاعات الرأي تتقلب بشكل ميئوس منه، ما يجعلها غير مفيدة. وسيعمل "العمال" و"الديمقراطيين الأحرار" و"المحافظين"، وحزب بريكست، على جعل حضورهم محسوساً من قِبَلْ الجميع في كل مقعد انتخابي، ثم أن هناك انتعاشاً ملموساً لـ"الحزب الوطني الاسكتلندي" يتوجّب أخذه في الحسبان.

ستهب الرياح في كل منطقة انتخابيّة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، دافعة إحداها بالأخرى، ولاغية إحداها الأخرى. ستظهر نتائج معقدة ومحيرة في مئات من المناطق الانتخابية.

سيقرع نشطاء حزب العمال الأبواب في أعماق الشتاء، ومع الهواء الدافئ الخارج من البيوت، سيراقبون وجوه السكان الضجرة بأعينهم الملتمعة، بينما هم يحاولون شرح موقفهم بالضبط حول ما سيفعلونه بالبريكست، عبر الكلمات التالية نحن سنضع     تشريعاً لتنظيم استفتاءٍ ثانٍ عنه، وننظم مؤتمراً ليوم واحد سيكون من شأنه تقرير إذا كان (الحزب) سيطلق حملة تساند الخروج من الاتحاد الاوروبي أو البقاء فيه أو ترك الأمرين معاً. وفي لحظة ما سيغلق الباب أمامهم بلطف.

سيكون، بالطبع، نايجل فاراج في حالة هجوم. إذ لم يَعُدْ ذلك الصبي المدخن المفرط، وشارب الجعة المحبوب، بل زعيم حركة اعتنقت موقفاً سياسياً يبدو شبيهاً جدا بالطريق الذي أصبحت أوروبا القرن الواحد والعشرين تخطو عليه كطفل، صوب نسختها الدقيقة من فاشية نموذجية.

وسيقدم أعضاء "الحزب الوطني الاسكتلندي" أنفسهم باعتبارهم يمثلون العقلانية المعتدلة لكنهم لا يريدون بالتأكيد سوى تفكيك المملكة المتحدة بالضد من الرغبة المعبّر عنها من قبل الناخبين في بلدهم.

في المقابل، سيطلق "الديمقراطيون الأحرار" وعوداً بإلغاء المادة 50 متصورين أنفسهم أنهم في أمان لمعرفتهم أنه لن يكون عليهم أن يلتزموا بها، وتلك طريقة عمل يكفي قليل من التذكر كي تعرف أنها ستؤول إلى رمي طفاية حريق من سقف "برج ميلك بانك". (يحتوي البرج مقرات الأحزاب الكبرى، وشهد في 2010 احتجاجاً ضد فرض رسوم على التعليم الجامعي، رُميت فيه طفاية حريق على رجال الشرطة).

ويمكن القول إن المادة 50 ستكون الماكينة الصناعية الصاخبة التي يُطلب من الناخبين البريطانيين أن يساعدوا في إنهائها.

ومع ذلك، ثمة مسألة أو اثنتان يمكننا ذكرها ونحن واثقون من صحتها. ستسحب هايدي ألن، العضوة السابقة في حزب المحافظين والعضوة حالياً في حزب "الديمقراطيين الأحرار" عن منطقة "ساوث كمبردج شاير"، ترشّحها إلى الانتخابات، لأنها وفق كلماتها "أُرهِقت بالوقاحة والترهيب اللذان أصبحا شائعين". وأضافت أن لا أحد في الوظائف كلها يتوجب عليه "أن يركَّب في بيته غرف محصنة ضد الهجمات المحتملة".

لا، بالتأكيد يجب ألا تكون هناك غرف كتلك. ونحن نستطيع القول بيقين تام أن السياسة البريطانية هبطت إلى هذا المستوى البائس والمحموم بفضل كمية من الحوداث وقعت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، خصوصاً تلك "الحماسة الجليلة" التي بفضلها تبنّى زعماء معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي دومينيك كمينغز وبوريس جونسون ومايكل غوف وآخرون، الأسلوب الشعبوي وفبركة الأكاذيب وتعميق الكراهية بوصفها نهجاً لهم.

إنّ البهجة التي ظهرت أثناء ممارستهم سكب السم في النظام السياسي، وأكاذيب الإسلاموفوبيا (كراهية المسلمين) حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مثلاً، ومليارات المرات التي ضُخّت هذه الأكاذيب عبر وسائط التواصل الاجتماعي، كانت (تلك البهجة) تستهدف من دون شفقة أولئك الذين قد تشير ملفاتهم المتأتية من البيانات، إلى أنهم الأكثر هشاشة في التعرّض إلى تلك الأنواع من الممارسات الصادرة عن قياديي معسكر بريكست. إذ عمل أولئك الأخيرون على تنمية الغوغاء وتهييجهم، والآن سيقضون ستة أسابيع في تحريضهم أكثر فأكثر، مع تخلٍ كامل عن الأخلاقيات كلها.

بتنا نعرف أن خطة اللعب في الانتخابات تستند على مبدأ "الشعب في مواجهة البرلمان". وستتكرر تسمية النواب "المتباكين" (على الخروج من الاتحاد الأوروبي) بالعملاء والخونة وكل ما يلحق هاتين الصفتين، وهذا لارتكابهم جريمة عدم قدرتهم تنفيذ أكاذيب الوعود التي أطلقها آخرون.

لماذا تراجع بوريس جونسون عما كان فرصة حقيقية لتمرير مشروع اتفاق الانسحاب الذي تفاوض من أجله مع الاتحاد الأوروبي، إذا كانت المسألة تتطلب مجرد السماح بقليل من الوقت الإضافي؟

من الممكن أن تؤول الانتخابات إلى وضع أحسن، بمجلس عموم أكثر استقراراً، قادر على إخراج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وفق شروط بوريس جونسون السيئة، على الرغم من أنه ليس هناك استطلاع رأي منذ سنوات يشير إلى أن البلاد تريد أن يحدث ذلك فعليّاً.

ولكن، لقد وصلنا إلى تلك النقطة عبر طرق كان من شأنها أن تتجنب مرة أخرى القضية المتمثلة في أن يعود التطرف ثانية في وقت نحن لسنا بحاجة إليه.

وبوضوح، من الممكن بل على الأرجح، أن تفشل الانتخابات في تحقيق أي شيء. يعني ذلك عودة المأزق مرة أخرى بنفس درجة اليقين لدى الطرفين المختلفين.

في المقابل، وأيضاً بشكل واضح بل على الأرجح، أن البلاد ستحتاج إلى عقود لتشفى من هذا الوضع. وقد لا تحقق ذلك أبداً.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء