Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المتظاهرون استعادوا أغاني الحرب الأهلية... والمطرب مارسيل خليفة زائر بلا عود

حال من الفراغ في الأغنية السياسية اللبنانية... وزياد الرحباني الغائب الاكبر

المطرب مارسيل خليفة في تظاهرة صيدا (أ.ف.ب)

كشفت التظاهرات الشعبية التي عمت مناطق لبنان والتي فاجأت الطبقة السياسية والطبقة الثقافية والدينية والإعلام على اختلاف أنواعه، حال الفراغ الذي تعانيه الأغنية السياسية أو الوطنية في لبنان، التي كانت شهدت ازدهاراً كبيراً خلال سنوات الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975. بدا واضحاً أن الكثيرين من المتظاهرين في المناطق راحوا يستعيدون الأغاني الثورية أو اليسارية التي مر عليها أكثر من أربعين عاماً والتي انتشرت في ساحات المعارك الأهلية التي شهدها لبنان ورافقت مقاتلي الميليشيات والقوى التي شاركت في الحرب مثل الفلسطينيين والبعثيين. إلا أن الأغاني الثورية توزعت بين المناطق بحسب ذاكرتها الجغرافية السياسية أو الأهلية، مع أن المتظاهرين اخترقوا بجرأة وحماسة، كل الجدران الطائفية والمذهبية والحزبية التي طالما فصلت بين اللبنانيين. فالمناطق التي اعتادت أكثر من سواها الاستماع إلى الأغنيات اليسارية راجت فيها على سبيل المثل أغنيات المطرب والموسيقي مارسيل خليفة الذي يعد رائد الأغنية السياسية أو الوطنية، وقد سعى هو نفسه إلى الإطلالة على المتظاهرين في مناطق مثل طرابلس وصيدا وصور والجية وبنت جبيل وغنى جماعياً بلا عود، ولم يعرج مثلاً على جل الديب والزوق وجبيل التي تنتمي جغرافيا إلى المنطقة الشرقية من بيروت ذات الطابع المسيحي، مع أن بعض المتظاهرين هنا غنوا له أغاني قليلة. لكنّ هذا لا يعني أن مارسيل يصر على ماضيه اليساري والجغرافي أي ماضي النضال اليساري الذي كان محصوراً في "الشارع الوطني والإسلامي" كما كان يسمى، فهو أصلاً بعدما زالت خطوط التماس، عاد إلى منطقته وإلى جمهوره الشرقي أو المسيحي الذي استقبله بحماسة. وأصلاً يبدو التزام خليفة حالة إنسانية عامة، لبنانية وفلسطينية وعربية، خصوصاً عبر القصائد الجديدة التي لحنها وغناها للشاعر الكبير محمود درويش أو للشاعر خليل حاوي وسواهما، وهي تختلف عن القصائد المناضلة التي غناها سابقاً وكتبها شعراء مثل شوقي بزيع وحسن العبدالله ومحمد العبدالله تحت وطأة الحرب الأهلية.

وحضرت أغنيات أخرى سياسية ووطنية تنتمي إلى الحرب الأهلية ولكن حضوراً خفيفاً، فردد بعض المتظاهرين أغنية المطرب والملحن أحمد قعبور الشهيرة "أناديكم" للشاعر الفلسطيني توفيق زياد. وقد شارك الهبر شخصياً في التظاهرات. وراجت أيضاً أغاني المطربة جوليا بطرس القريبة من الحزب القومي السوري في كل المناطق، حتى بدت كأنها أحد نجوم التظاهر، ومنها أغنية "يا شعبي" و"نحنا الثورة والغضب" و"وين الملايين"، ونشرت على الفيسبوك تعليقات طريفة حول جوليا المتزوجة من وزير الدفاع الياس بو صعب المنتمي إلى التيار العوني المعارض للتظاهرات، وذكرها بعضهم بأدائها أغنية من كلمات السيد حسن نصرالله رفض تلفزيون حزب الله "المنار" بثها لأن امرأة تغنيها. ولم تظهر جوليا بطرس شخصياً في أي تظاهرة ولم تطل على الشاشات.

"راجع يتعمر لبنان"

الحاضر الكبير أيضاً كان المطرب والملحن زكي ناصيف وبخاصة عبر أغنيته الشهيرة جداً والحماسية والشعبية "راجع يتعمر لبنان" التي رافقت معظم "الحروب" الداخلية التي انبثقت من الحرب اللبنانية وخصوصاً حرب التحرير التي قادها الجنرال ميشال عون ضد السوريين وانتهت به منفياً بعدما لجأ إلى السفارة الفرنسية في بيروت هرباً من القصف السوري. وعمد عدد كبير من المطربات والمطربين إلى ترديد هذه الأغنية من بعده. ماجدة الرومي حضرت أيضاً من خلال أغنيات شهيرة لها ومنها "سقط القناع" من شعر محمود درويش و"بيروت" من شعر نزار قباني وأغنية "غضبك نار" من كلمات وألحان المطرب والملحن إيلي شويري. هذه الأغنيات قديمة أيضاً وتمت استعادتها لكونها تناسب الظرف الراهن. المطربة باسكال صقر حضرت أيضاً في المناطق الشرقية بأغنياتها اللبنانية جداً. علاوة على بعض مطربي المطاعم والنوادي الليلية الذين أديت لهم أغان عادية جداً وضعيفة تتغنى بالوطن. أما المطربة الكبيرة فيروز فبرزت أغنيتها الوحيدة "يا حرية" التي رددها المتظاهرون في بعض الساحات. وكان لافتاً في تظاهرة طرابلس الكبيرة ترداد بعض المتظاهرين أغاني للمطرب السوري إبراهيم القاشوش الذي قتله رجال النظام نحراً بالسكين.

أما الغائب الأكبر فكان الفنان الكبير زياد الرحباني، مع أن بعض المتظاهرين غنوا نشيده الجميل واسمه "نشيد الثورة" وكان كتبه ولحنه عام 1978 في أوج الحرب الأهلية، وضمنه مسرحيته "نزل السرور". ولا يزال هذا النشيد من أجمل الأناشيد الثورية، بإيقاعه الحماسي وتنويعه الموسيقي على رغم كلماته العادية. لم يطل زياد في التظاهرات ولم يبصره أحد مع أن رفاقه الشيوعيين وجدوا بقوة وعلانية. وكانت هذ "الثورة" الشعبية لترضي مزاجه، لا سيما في طابعها العلماني والمناهض للطائفية والمذهبية. والمفاجئ أن أولاد عميه منصور والياس غابوا أيضاً ولم يظهر لهم أثر في الشوارع والساحات وتحديداً في جل الديب القريبة من أماكن سكنهم. وغابت حتى أغنية أسامة الرحباني الثورية "بدي غير النظام" التي تذكر بأغنية زياد التي يقول فيها: "شايفو ع النظام مش عم يمشي غيّرلو النظام". وقيل إن أولاد منصور يتهيأون لتقديم مسرحيتهم في دمشق قريباً. وبدا واضحا أيضا غياب المطرب سامي حواط المعروف بأغانيه الثورية ومسلكه الثوري، مع أنه  يليق به الغناء في ساحات الثورة.

كان ممكناً خلال هذه الخمسة عشر يوماً من التظاهر الشعبي الرائع، الحضاري والمسالم، لولا دخول بعض الحزبيين المذهبيين المتضررين من هذا الالتفاف الوطني العابر للطوائف والأحزاب، أن تُكتب وتُلحن أغنيات ثورية شعبية تحيّي الحدث التاريخي الكبير والمتظاهرين الذين كسروا جدار الخوف والسلطة. وحاول بعضهم خوض مجال الأغنية الثورية فلم يكن نتاجهم مهماً ولا في حجم هذا التظاهر الوطني. اكتفى المتظاهرون وكذلك بعض الإذاعات باستعادة أغاني الحرب الأهلية السياسية والوطنية وكأنها تراثهم الثوري الوحيد، على الرغم من مضي الحرب الأهلية وانقضاء السنوات السوداء التي تركت آثاراً لا تمحى من الذاكرة الجماعية.

المزيد من ثقافة