Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصر نحو تعديل دستورها... أي مستقبل تنشده النصوص المقترحة؟

التعديلات تقترح تمديد مدة الرئاسة لـ6 سنوات بدلا من 4 واستحداث مادة انتقالية تمنح الرئيس الترشح بعد 2022.. وحراك سياسي واسع لتمريره

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبجواره رئيس مجلس النواب المصري علي عبد العال في مقر المجلس بالقاهرة - رويترز

تتصاعد حدة الجدل العام في مصر على وقع مساعٍ برلمانية لطرح تعديل دستوري "كان متوقعاً منذ أشهر"، يتيح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي البقاء في الحكم وحتى العام 2034، فضلا عن استحداث مواد جديدة تمسّ السلطتين التشريعية والقضائية، إضافة لدور أكبر للقوات المسلحة.

فبعد يومين من تقديم ائتلاف الأغلبية في مجلس النواب المصري (ائتلاف دعم مصر) مقترحا لتعديل الدستور، قال علي عبد العال، رئيس مجلس النواب المصري، أمس الثلاثاء، إن اللجنة العامة بالمجلس وافقت على تعديلات دستورية اقترحها نواب الأغلبية، وذلك كأول خطوة إجرائية لازمة للمضي قدما في مناقشة التعديلات التي يُتوقع بشكل كبير أن يقرّها البرلمان في نهاية الأمر قبل طرحها للاستفتاء الشعبي في "غضون شهور قليلة"، وفق مصادر مطلعة.

وأوضح "عبد العال"، في بيان نشره الموقع الإلكتروني لمجلس النواب، أن "المناقشات المستفيضة للجنة العامة بالبرلمان، انتهت إلى توافر الشروط الدستورية والإجرائية في طلب التعديلات المقترحة (قدمه 155 نائبا)، ومن ثم وافقت الأغلبية وبأكثر من ثلثي عدد أعضاء اللجنة العامة على مبدأ التعديل".

وتتألف هذه اللجنة من رئيس البرلمان ووكيليه ورؤساء اللجان النوعية وممثلي الهيئات البرلمانية للأحزاب وخمسة نواب بينهم نائب مستقل. وقال "عبد العال" إنه سيحدد في وقت لاحق موعدا لجلسة عامة لمناقشة إحالة التعديلات إلى اللجنة التشريعية والدستورية والتي يتعين أن تصدر توصيات في غضون 60 يوما إما بقبول التعديلات أو رفضها. وبعد ذلك ستطرح التعديلات على الجلسة العامة للتصويت النهائي، ويلزم موافقة ثلثي أعضاء المجلس عليها (عدد أعضائه 596)، حتى تطرح للاستفتاء الشعبي.

ما هي التعديلات المقترحة؟

صباح يوم الأحد الماضي، تقدم عبد الهادي قصبي، زعيم  ائتلاف دعم مصر (ائتلاف الأغلبية) بمشروع لتعديل الدستور، عكس وفق رؤيته "تطلعا لاستمرارية الاستقرار واستكمال الخطط التنموية". وتضمن التعديل المقترح، وفق ما حصلت على تفاصيله "اندبندنت عربية"، اقتراحاً بتعديل المادة 140 من الدستور، وتمديد  دورة الرئاسة إلى ست سنوات بدلا من أربع، مع الإبقاء على عدم جواز انتخاب الرئيس لأكثر من دورتين متتاليتين.

وما أثار جدلا في الأوساط المصرية، اشتمال التعديلات على "مادة انتقالية" تتيح للرئيس الحالي فقط الترشح مجددا بعد انتهاء دورته الحالية عام 2022، وهي الثانية والأخيرة حسب الدستور، وذلك لفترتين جديدتين، مدة كل واحدة ست سنوات، وهو ما يعني إمكانية استمراره حتى عام 2034.

ومن بين أبرز التعديلات المقترحة، إنشاء غرفة برلمانية ثانية باسم "مجلس الشيوخ"، وتمثيل النساء في المجالس النيابية بنسبة 25% من مقاعدها، والمحافظة على "تمثيل مناسب" للأقباط والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، فضلا عن استحداث مادة جديدة بتعيين نائب أو أكثر لرئيس الدولة.

كذلك شملت المقترحات "إعادة النظر في طريقة تعيين وزير الدفاع"، فضلا عن منح القوات المسلحة سلطة "صون الدستور والديمقراطية"، إضافة إلى "إلغاء الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام وإعادة وزارة الإعلام"، التي نص الدستور الحالي الذي أُقر مطلع العام 2014 على إلغائها.

ووفق عدة مصادر تحدثت إليها "اندبندنت عربية"، توقعت أن يستغرق إجراء التعديلات "شهورا قليلة"، بعد بدء مناقشتها في جلسة عامة في 17 فبراير (شباط) الحالي، ثم يدعو الرئيس عبد الفتاح السيسي الناخبين بعد ذلك للاستفتاء عليها.

وبالتوازي مع بدء البرلمان المصري مناقشة التعديلات الدستورية، تنظر محكمة القاهرة للأمور المستعجلة دعوى قضائية رفعها عدد من المواطنين لإلزام رئيس مجلس النواب برفع القيد على عدد الفترات الرئاسية.

ويقول مقيمو الدعوى إن المادة 140 من الدستور (المحددة لفترات انتخاب الرئيس) غير منصفة للشعب المصري وإن ثمانية أعوام لا تمنح الرئيس الوقت الكافي للتغلب على التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه البلاد.

ومنذ إعادة انتخاب السيسي في مارس (آذار) من العام الماضي لولاية ثانية، ثارت التكهنات بشأن مساع لتعديل الدستور ليتاح له الترشح للمنصب من جديد في عام 2022. وانتخب السيسي للمرة الأولى عام 2014، بعد عام من احتجاجات شعبية واسعة قادت للإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين.

انقسام بشأن التعديلات

منذ اللحظة الأولى من ظهور التعديلات الدستورية المقترحة إلى العلن، يدور جدل حاد بين مؤيدي ومعارضي التعديلات، حيث يقول أنصارها إن تمديد ولاية الرئيس ضرورية لإتاحة المزيد من الوقت أمامه لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية وضمان استقرار البلاد. وفي المقابل، يقول منتقدوه إن التعديلات تعيد مصر إلى ما قبل ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، التي أطاحت الرئيس الأسبق حسني مبارك بعد 30 عاما في الحكم، وكان من أبرز إنجازاتها تحديد مدد الرئاسة.

وبينما لم تعلّق حتى الآن رئاسة الجمهورية في مصر، ولا الحكومة على التعديلات المقترحة، يتبادل معسكرا التعديلات الانتقادات بشأنها. من جانبه، يرى النائب البرلماني، محمد أبو حامد، أن "النص الدستوري الحالي صنع على عجل وأن تغييره ضرورة تحتّمها التغيرات السياسية والاقتصادية الجديدة"، موضحاً "كل المتابعين للشأن العام المصري يعلمون أن دستور 2014 صيغ في ظروف استثنائية وصعبة واجهتها مصر، بعد ثورة 30 يونيو، والآن ومع تبدّل الظروف لا بد من إعادة النظر في بعض مواده".

ووفق أبو حامد "المؤيد بشدة للتعديلات الدستورية لا سيما تمديد فترة الرئاسة"، فإن "التعديلات مطروحة الآن لبداية نقاش واسع  حولها، وأن الصيغ المقترحة للتعديل ليست صيغا نهائية، ومن الوارد تعديلها في الأيام المقبلة".

وأرجع أبو حامد دعمه لتعديل الدستور في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إلى أن "فترة الأربع سنوات كمدة رئاسية غير كافية على الإطلاق، في دولة تواجه تحديات كبيرة مثل مصر، فضلا عن ضرورة الحرص على تنفيذ الرئيس لخططه التنموية والسماح له بتنفيذ وعوده ومشروعاته الضخمة متوسطة وطويلة الأجل".

في المقابل، قال البرلماني هيثم أبو العز الحريري، عضو تكتل (25-30) المعارض، إن "التعديلات الدستورية تمثل تعديا على "مبدأ تداول السلطة"، معتبراً أنها "تعيد كل ما تبقى من نظام مبارك، وكل ما رفضناه في 25 يناير و30 يونيو، مرة أخرى".

وتكتل (25-30) هو تكتل معارض مؤلف من 16 نائبا في مجلس النواب، ما يمثل نسبة 3% من عدد أعضاء المجلس، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى ثورتي 25 يناير(كانون الثاني) 2011 و30 يونيو (حزيران) 2013. وأصدر التكتل بيانا أمس الأول الإثنين، أكد فيه على رفضه للتعديلات الدستورية، معتبرا أنها تمثل "تغولا" على السلطات وتنتقص من "الحقوق والحريات التي كفلها دستور 2014".

الحريري، وفق وصفه، أوضح "كنت أتصور أن أسوأ ما في هذه التعديلات هو مد فترة الرئاسة، لكن هذه المواد كلها بلا استثناء أسوأ من بعض"، بحسب حديثه لـ"اندبندنت عربية"، مرجحا أن تعقد أولى جلسات النقاش العلني في البرلمان للتعديلات في 17 فبراير(شباط) الحالي، موضحا أن "هناك نوابا آخرين غيرهم يرفضون التعديلات المقترحة وإنهم منفتحون على التنسيق معهم".

وقال الحريري إن "الرهان الحقيقي ليس على نواب البرلمان بل على المصريين أنفسهم"، داعيا إياهم إلى المشاركة في الاستفتاء المنتظر "بكثافة وزخم لرفض التعديلات". وشدد على أن رفض التعديلات "ليس له علاقة بشخص رئيس الجمهورية لكنه صون للديمقراطية والحريات، كما أن الرفض لن يهدد الاستقرار في البلاد".

وبينما تخوّف الحريري من المناخ العام الذي سيجري فيه مناقشة وإقامة الاستفتاء بشأن التعديلات الدستورية، والتضييق على معارضيه، ردّ النائب أبو حامد، في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، قائلاً إن"التعديل المقترح لن يلغي صفة الانتخابات كاستحقاق ديمقراطي لاختيار الرئيس، وسيكون السيسي مرشحا ضمن مرشحين آخرين، وعلى الشعب أن يقرر"، وأضاف "فيما يتعلق بمزاعم بقاء الرئيس مدى الحياة، فالتعديلات أبقت على الفترتين الرئاسيتين للحفاظ على مبدأ تداول السلطة". مشددا على أن التعديلات ليست "تنصيبا"، بل تؤكد مبدأ الترشح والاختيار من الشعب.

بدوره يشدد الكاتب الصحفي، وعضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين، محمد سعد عبد الحفيظ، على أن "فلسفة التعديلات تعيد الدولة المصرية سنوات للخلف وتزيد من سلطات رئيس الجمهورية وهيمنته على مؤسسات الدولة". عبد الحفيظ يوضح رفضه التعديلات الدستورية "تعيد مرة أخرى رئيس الدولة إلى الهيمنة المطلقة، فضلا عن تأبيده في السلطة"، منتقدا استحداث مادة انتقالية مخصوصة للرئيس لإعادة ترشحة مجددا لمدة 12 عاما، معتبرا أنها تعني "ضياع المكتسب الوحيد من ثورتي يناير ويونيو، بتحديد فترات الرئاسة وقصرها على دورتين".

نشاط حزبي مكثف

وبالتوازي مع الحراك البرلماني، بشأن التعديلات الدستورية، علمت "إندنبندنت عربية" أن غالبية الأحزاب السياسية الكبرى في مصر بدأت التمهيد لعقد اجتماعات على مستويات عليا خلال الأيام القليلة المقبلة، لتحديد موقفها، وإن كان في أغلبه مؤيدا لمبدأ التعديل، وعلى رأسهم حزب "مستقبل وطن" صاحب أكبر عدد مقاعد في مجلس النواب.

وقال ياسر الهضيبي، المتحدث باسم حزب الوفد، إن الحزب يستعد لعقد اجتماع موسع  الأسبوع المقبل، يشمل الهيئة العليا للحزب ومكتبه التنفيذي وهيئته البرلمانية، لمناقشة التعديلات الدستورية المقترحة، فضلا عن مشاركة قطاع كبير من قواعده الحزبية في الأقاليم والمحافظات المختلفة لتحديد موقف الحزب. الهضيبي، وإن لم يعلن خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية" عن موقف الحزب النهائي من التعديلات، إلا أن مصادر مقربة من الهيئة العليا للحزب أكدت ترحيب "الوفد" بالتعديلات الدستورية لا سيما تمديد مدة الرئاسة.

جهاد سيف، نائب رئيس حزب المؤتمر، والمتحدث باسمه، هو الآخر قال إن هناك حراكا قويا داخل أروقة الحزب للمشاركة في وضع تصورهم بشأن التعديلات الدستورية، وذكر الهضيبي، الذي أعلن تأييده للتعديلات الدستورية "كان لدينا مآخذ كثيرة على الدستور الراهن وعلى رأسها مدة الرئاسة، ومن ثم كنا منتظرين توقيت طرح التعديلات الدستورية"، معتبرا أن مدة الأربع سنوات للرئيس غير كافية وأن أوضاع البلاد تتطلب مد الفترة إلى 6 سنوات.

وأوضح "سيف" أنه رغم أن الحزب يوافق على تعديل الدستور من حيث المبدأ، إلا أن هناك بعض الاعتراضات على بعض التعديلات المقترحة، ومن بينها "التمييز الإيجابي" للمرأة ووضع نسبة تمثيل لها بـ25%، في وقت يمثل فيه الشباب في مصر أكثر من 60%، معلنا "خلال أيام سيكون هناك بيان شارح بالتفصيل لموقف الحزب المؤيد للتعديلات ورأيه في المواد المقترحة".

عقبة المادة 226

في الوقت الذي يرجح فيه كثيرون إقرار التعديلات الدستورية، يدور جدل آخر بين مراقبين وقانونيين، بشأن دستورية التعديلات المقترحة، في ظل وجود المادة 226 في الدستور الحالي، والتي حددت  آليات إضفاء أي تعديل على نصوص الدستور.

وبجانب نص تلك المادة، على أحقية خُمس أعضاء مجلس النواب أو رئيس الجمهورية التقدم بطلب لتعديل الدستور، تمهيدا لإقراره من قبل البرلمان ثم عرضه على الاستقتاء الشعبي، إلا أنها حددت في السياق ذاته من بين نصوصها، أنه "في جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقا بالمزيد من الضمانات".

ووفق تكتل (25-30) النيابي، فإن التعديلات المقترحة تمثل "انتقاصا للضمانات وتعديا على السلطات"، إلا أن رئيس البرلمان، علي عبد العال، أوضح أن التعديلات "تنطلق من أجل مصالح الدولة العليا ومصالح الشعب المصري"، ورفض الاتهامات الموجهة للتعديلات بأنها "تنتقص من حريات الدستور أو تتعرض لمبدأ المساواة".

وفيما يقول الكاتب الصحفي، محمد عبد الحفيظ، إنه "لا توجد أي مصلحة عامة تتطلب تعديل الدستور في الوقت الحالي، فلم يأخذ الدستور فرصة لتنفيذه من الناحية العملية حتى هذه اللحظة، ولم تكمل المؤسسات مددها الدستورية المنصوص عليها أصلا حتى يمكن اكتشاف أن هناك خللا ما"، منتقدا "المادة الانتقالية" ومؤكدا على "تشديد المشرّع القانوني في الدستور الراهن على عدم جواز تعديل نصوص الدستور المتعلقة بمدد الرئاسة إلا بضمانات".

تساءل من جهته، النائب أبو حامد، عن "جوهر الضمانات" التي يبحثون عنها، متسائلاً "ماذا لو اقترحنا تعديل مدة الرئاسة لـ3 سنوات، هي بذلك تمثل ضمانا للمعترضين"، قائلا إن "الضمان في وجود آليات محكمة ومنضبطة للانتخابات والحفاظ على الديمقراطية".

من جانبه، يوضح أستاذ القانون بجامعة القاهرة، محمد شوقي، دستورية التعديل من خلال نقطتين، الأولى: أن التعديلات مرتبطة بالسياق السياسي للدولة المصرية، وإذا كان السياق السياسي يستدعي التجاوز عن شرطية النصوص فوق الدستورية (المادة 226)، التي أقرها الدستور في وضعه الراهن بعد جواز التعديل إلا بضمانات أكثر، فإنه هناك حاجة للتعديل مع تغير الظروف والأوضاع عن تلك التي صيغ فيها دستور 2014.

وأوضح "شوقي" أن "النصوص الموجودة في الدستور الحالي هي من عمل بشري، ومن ثم فإنه في ظل حاجة المرحلة لتجاوز ظروف المرحلة الاستثنائية التي تم وضع الدستور في سياقها عام 2014، فإنه يستوجب ذلك".

وتابع "أقرت المادة أيضا جواز طرح التعديل من 20% من نواب البرلمان أو من رئيس الجمهورية"، وعن المادة الانتقالية المثيرة للجدل، قال شوقي إنه "ليس هناك ما يمنع من حيث المبدأ إقرارها في ظل ظروف مرتبطة بالحال والوضع".

وخلال السنوات الأخيرة شهدت مصر إقرار عدد من التعديلات الدستورية، لا سيما تلك التي أدخلت على دستور 1970، وذلك في عام 1980، و2006، قبل إيقاف العمل بذلك الدستور في عام 2011 ثم إقرار دستور آخر عام 2012، والأخير الذي تلاه عام 2014.

ففي 1980، أدخل الرئيس الراحل أنور السادات تعديلات دستورية، سمحت بتجديد مدة الرئاسة "لأكثر من مدة تالية"، وأن تكون هناك تعددية حزبية تنافس التيار اليساري. وفي العام 2006، طلب الرئيس السابق حسني مبارك تعديل 34 مادةً، وهو ما يقترب من سُدس النصوص الدستورية التي يحتويها دستور 1971.

المزيد من العالم العربي