Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طرابلس "عاصمة لبنان الثانية" غاضبة على الدولة وعاتبة على الحريري

"يجزم المتظاهرون بأنه مخطئ مَن يراهن على خروج الناس من الشارع"

دخل الصراع بين السلطة اللبنانية والمتظاهرين مرحلة "عض الأصابع"، فما إن أنهى رئيس الحكومة سعد الحريري إلقاء كلمته من قصر بعبدا، حتى أتى الرد سريعاً على أركان الإئتلاف الحكومي، وعلى الطريقة الطرابلسية "حشد شعبي قياسي بالشكل والمضمون".
فما إن حل المساء على عاصمة شمال لبنان، حتى إمتلأت "ساحة النور" (الساحة الرئيسية في طرابلس عاصمة محافظة شمال لبنان) والشوارع المحيطة بها، للتعبير عن رفض التسوية القائمة على "الإصلاحات مقابل خروج الناس من الشارع". ولم يتوقف الأمر عند مسألة الحشد، وإنما تجاوزه إلى حد تأكيد المتظاهرين أنهم غير مهتمين بمناقشة مضمون ورقة الحكومة، وفي ذلك إشارة إلى أزمة الثقة العميقة تجاه الطبقة السياسية الحاكمة. كما أن وعود الإصلاح لا تعدو كونها "حقن مورفين" مؤقتة، لا تغني عن التمسك بشعارات "الثورة"، و"الشعب يريد إسقاط النظام" التي رددها الأطفال والكبار على حد سواء.
 

"أعيدوا الأموال المنهوبة"

 
وتسخر الناشطة مهى مقدِم من إمكانية الإصلاح على يد هذه الحكومة والرئيس ميشال عون الذي مضت نصف ولايته، مستشهدةً بالقول الشعبي "كيف تعرف أنها كذبة؟ الجواب من ضخامتها" لأن البنود التي طرحت جاورت حدود الخيال. وتعبّر مقدِم بلسان حال المتظاهرين بالمطالبة باستعادة الأموال المنهوبة على غرار ما حصل في ماليزيا التي استردت 50 مليار دولار من أموالها المنهوبة. كما تدعو المتمسكين بالسلطة إلى أن يتقدموا ببادرة حسن نية عن طريق "استرجاع جزء من المليارات المنهوبة التي تُقدَر بـ 320 مليار خلال فترة وجيزة"، وتستغرب إعلان بعض أحزاب السلطة رفع السرية المصرفية عن حساباتهم لأنهم قاموا بتهريب أموالهم إلى سويسرا في فترات سابقة.


شعارات معبّرة

 

كما شهدت الساحة رداً شديد اللهجة على خطاب تحالف التيار الوطني الحر وحزب الله الذي أشاع أن التحركات الشعبية لا تستهدفه. فحظي الوزير جبران باسيل بحصة الأسد من الهتافات المستهجنة. واقترنت هذه الهتافات مع شعارات "يسقط ميشال عون"، و"يسقط حكم المصرف" التي ملأت الجدران.
في المقابل، برزت التحية للجيش اللبناني وعناصره الذين يؤمنون التحركات. ولم يتأخر البعض عن مطالبة قائد الجيش جوزيف عون بأخذ زمام المبادرة، وتتحدث الناشطة رندا منقارة عن تلك المطالبات، إلا أنها تتحفظ على فكرة إمساك الجيش السلطة، وتشير إلى أن دوره يمكن أن يكون "تأمين الانتقال السلمي للسلطة، وضمان محاكمة الفاسدين، والحفاظ على الاستقرار في البلد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"الحريري خذلنا"

 
لم تكن الشعارات وحدها اللافتة في الساحة، وإنما كان بارزاً حضور من كان يُعتبَر ركناً في أحزاب السلطة، وعند سؤاله عن موقعه الحالي يأتي الجواب سريعاً أن هذا الحراك كان حداً فاصلًا بين حقبتين. ويلفت محمد سمان المسؤول السابق في تيار المستقبل أنه "كان مناصراً أعمى للرئيس سعد الحريري، إلا أن تماهيه أخيراً مع خطاب الأمين العام لحزب الله لا يمكن احتماله لدى جمهور المستقبل". ولا يتأخر السمان في اتهام السلطة بلعبة كسب الوقت لإجهاض التحركات الشعبية، مقللًا من أهمية الإصلاحات الحالية لأنها لن تصمد في جلسات مجلس النواب. ولا يختلف كثيراً نادر غزال مستشار الحريري للشؤون الخارجية مع التحليل السابق، وهو يعتبر أن "خطاب الرئيس الحريري يؤكد أن قلبه مع الناس، ولكن حبذا لو رفع السقف قليلاً بمواجهة شركاء التسوية". ويستدرك الغزال أن "الطيبة في موقع القيادة لا تفيد كثيراً في السياسة"، وهذا ما يستغله أصحاب الفساد المنظم في أكثر الأحوال.
  

ساحة النور: شهادة حياة
 

كما شكلت ثورة طرابلس فرصة لعودة بعض الفاعلين في الإدارة العامة اللبنانية إلى الواجهة، ليقدموا شهاداتهم. فها هو حمدي شوك المدير العام المستقيل من قيادة الطيران المدني، يتحدث عن تفهمه لوجع الناس الذي راكمته السنون. ويلفت شوك إلى أن المحسوبيات تعطل الإدارة العامة عن عملها، في المقابل، تجد الكفاءة نفسها أمام خيارين إما التكيف مع الفساد، أو"الإحراج فالإخراج".
ويتواصل التشكيك في قدرة السلطة اللبنانية الحاكمة في بلوغ مرحلة الإصلاح، حيث هناك دولة عميقة رسخت سلطتها داخل النظام خلال عقود من الزمن. ويتحدث محمد بدوي المدير السابق لمصافي النفط في طرابلس أن "مصافي نفط العراق في طرابلس، استُهدفت وتم تعطيلها من أجل تقاسم 800 مليون دولار من أرباح استيراد النفط". وما جرى مع مصافي النفط، يتكرر مع مرفأ طرابلس ومعرض رشيد كرامي الدولي.
 

طرابلس جامعة
 

وكان لافتاً للأنظار تكريس طرابلس عاصمة للشمال وللمصالحة. فللمرة الأولى منذ سنوات يجتمع مَن فرّقتهم المناطق السياسة والطائفية في مكان واحد. ويؤكد أحد ناشطي منطقة جبل محسن في طرابلس، حيدر العلي أن "ما فعلته التظاهرات خلال يومين، لم تتمكن المساعي كافة لإصلاحه بين أهالي الجبل والتبانة"، ويلفت إلى أن وجع المواطن العلوي في جبل محسن لا تختلف عن أخيه في طرابلس. ولا يتأخر العلي في نفي أن يكون للعلويين أجندة خاصة مختلفة عن محيطهم، لأنهم "أبناء بلد" وسوء الخدمات والفساد لا يميّز، ويمس الجميع.
كما شهدت ساحة النور حضور أعداد كبيرة من المواطنين جاؤوا من الأقضية المحيطة في الكورة وزغرتا والضنية وعكار. وتعتبر أماني الأيوبي أن الحراك كرّس طرابلس عاصمة ثانية لـ لبنان ومن الطبيعي أن يقصدها أبناء المناطق المحاذية لأن المطالب السياسية والمعيشية تجمعهم.

 
الحراك نحو تنظيم الميدان
 

حتى اللحظة لم يتولد عن هذا الحراك قيادة موحّدة، يمكن القول إن المتظاهرين المختلفين في توجهاتهم العقائدية وانتماءاتهم الطائفية والمناطقية، يجتمعون على اتهام شركاء السلطة بالفساد وتكديس الثروات على حساب الشعب الجائع.
ولكن مع مرور الأيام، تتجه التحركات الشعبية نحو التنظيم الميداني للتحركات. ويتولى المئات من متطوعي حراس المدينة الحفاظ على أمن التظاهرات والتحركات الشعبية، وتوزيع المياه على المتظاهرين. كما نجح "حراس الثورة" في منع إحراق الدواليب، واستبدالها بالألعاب النارية والضوئية. كما استحدثت الهيئة الطبية الإسلامية مستشفى ميدانياً لاستقبال الحالات الطارئة وتقديم الإسعافات الأولية.
في المحصلة، شهدت الساعات الماضية رفع مستوى التحدي بين السلطة والشارع في لبنان. وفي وقت تقدمت الحكومة بحزمة من الوعود الإصلاحية، يجزم المتظاهرون بأنه مخطئ مَن يراهن على خروج الناس من الشارع، ويتوعدون "بكرا راجعين".  

المزيد من العالم العربي