Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليست المخدرات وحدها... ما وراء الضربة الأردنية في السويداء

يقول مراقبون إن عمان حققت بها هدفين مهمين: تحييد مشاريع الانفصال قرب الحدود والقضاء على التهريب

المعبر الأردني - السوري على الحدود المشتركة (اندبندنت عربية- صلاح ملكاوي)

ملخص

في ما بدا الأمر للوهلة الأولى عملية عسكرية بحتة تستهدف أوكار المخدرات، فإنه في عمقه كان تحركاً سياسياً وأمنياً مزدوجاً وجهت عمان من خلاله رسائل قاسية وغير قابلة للتأويل إلى "سلطات الأمر الواقع" في السويداء، قاطعة الطريق على مشاريع سياسية كادت تتحول إلى خطر على الأمن القومي الأردني.

في تحرك استراتيجي وصف بأنه الأكثر دقة وحسماً منذ سنوات، أعاد الأردن رسم قواعد الاشتباك على حدوده الشمالية مع سوريا، ووجه ضربات إلى مناطق وقرى تابعة لمحافظة السويداء بصورة موسعة وغير مسبوقة.

وفي ما بدا الأمر للوهلة الأولى عملية عسكرية بحتة تستهدف أوكار المخدرات، فإنه في عمقه كان تحركاً سياسياً وأمنياً مزدوجاً وجهت عمان من خلاله رسائل قاسية وغير قابلة للتأويل إلى "سلطات الأمر الواقع" في السويداء، قاطعة الطريق على مشاريع سياسية كادت تتحول إلى خطر على الأمن القومي الأردني.

ردع استباقي

ووفقاً لمراقبين، حقق الأردن من خلال هذه الضربات العسكرية هدفين مهمين: أولهما تحييد مشاريع الانفصال قرب الحدود قبل أن تتحول إلى أمر واقع، والقضاء على تهريب المخدرات والسلاح.

الرسالة إذاً لم تكن عسكرية فقط، بل سياسية أيضاً كما يؤكد متخصصون أمنيون ومحللون، بعدما تحولت الفوضى في السويداء من تهديد فردي إلى تهديد مؤسسي ومنظم، وما لم يقله الأردن علناً خلال الساعات الماضية هو أن السويداء، بوضعها الأمني الراهن وتحت سيطرة سلطة أمر واقع يمثلها حكمت الهجري، تحولت من قضية داخلية سورية إلى مشكلة مباشرة للأمن القومي الأردني.

ولم يوجه الأردن اتهاماً سياسياً مباشراً، لكنه عبر عن قلقه من فراغ أمني سمح ببناء اقتصاد تهريب منظم، واستخدام الجغرافيا كأداة ضغط وابتزاز غير مباشر. وهنا يقول المحلل السياسي حاتم النعيمات إنه بعد الضربات التي نفذها سلاح الجو الأردني ضد عصابات التهريب في جنوب سوريا وضد "داعش" في الشرق، يبدو أن صناع القرار قد اقتنعوا أخيراً بأن الارتهان لرد الفعل في الشأن السوري سياسة خاطئة من دون السعي الدائم لفرض الفعل.

ويضيف النعيمات "الساحة السورية معقدة جداً، والنظام السوري الجديد لديه مشكلات عميقة لا تحل بسياسة إرضاء الجميع، لذلك أتوقع أن الأردن قرر أن يقدم مصالحه لأنه استدرك مستوى العبثية في المشهد السوري، وأنه اليوم لن يكتفي بضبط الحدود فقط بل سيواجه بصورة وقائية، وهذا بالمناسبة عرف جديد في السياسة الأردنية، وأعتقد أنه صحيح في مواجهة منطقة مجنونة كمنطقتنا".

لماذا الآن؟

بالعودة إلى الخلفية التاريخية للعلاقة الأردنية مع محافظة السويداء التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن الأردن، فقد كانت في سياقها السياسي محدودة رسمياً، قبل أن تحدث بعض التحولات منذ عام 2011 مع تأثير الحرب في سوريا على الحدود الأردنية.

ظلت السويداء أقل المناطق اضطراباً، لكنها شهدت توسعاً للنفوذ المحلي وغياب الدولة المركزية، وفي السنوات الأخيرة زادت عمليات التهريب عبر الحدود الأردنية الشمالية، وظهرت شبكات محلية شبه مستقلة، وتزايدت التهديدات الأمنية في السويداء من خلال التحول إلى إنشاء مصانع ومعامل كمخازن للتهريب. وهو ما عكس لاحقاً وجود اقتصاد تهريب منظم ومستدام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لذلك يقول مراقبون كالمتخصص في الشأن السوري صلاح ملكاوي إن الجنوب السوري تاريخياً لم يكن مركزاً رئيساً للمخدرات، لكن الأزمة السورية قلبت المعادلة فشهدت السويداء توسعاً في زراعة وتحويل المخدرات، وانتقلت شبكات التهريب من المناطق الحدودية إلى العمق. وعليه يمكن اليوم رصد انتقال تدريجي لثقل التهريب من درعا إلى بيئات أكثر تعقيداً، أبرزها محافظة السويداء.

ويضيف ملكاوي أن التهديد القادم من الحدود الشمالية للأردن لم يعد مجرد محاولات تسلل فردية أو عمليات تهريب معزولة، بل بات وفق المعطيات الرسمية تهديداً منظماً عابراً للحدود، يقتضي الانتقال من ضبط المهربين إلى تدمير البنية التحتية للتهريب.

ففي الأيام السابقة أعلنت القوات المسلحة الأردنية تنفيذ عمليات عسكرية دقيقة استهدفت مصانع ومعامل تستخدم كأوكار لتجار أسلحة ومخدرات على الواجهة الحدودية الشمالية للمملكة، في رسالة غير مسبوقة من حيث طبيعة الهدف ومستوى التصعيد. وهذا يعني أن الحديث لم يعد عن جريمة عابرة، بل عن بنية تحتية كاملة للتهديد، وهو ما يفسر دخول الجيش الأردني بثقله بدل الاكتفاء بالإجراءات الأمنية التقليدية.

وتشير القراءة الجغرافية لمسارات التهريب التي أعلن الأردن عن استهدافها إلى السويداء بوصفها نقطة الانطلاق الأكثر حساسية، بعدما تحولت إلى بيئة رخوة أمنياً تسمح وتتغاضى عن عمل شبكات تهريب منظمة، مستفيدة من الجغرافيا والحدود المفتوحة نسبياً، إضافة إلى أن استهداف مصانع ومعامل وليس مجرد مهربين يعزز فرضية أن بعض مناطق الجنوب السوري، ومنها السويداء ومحيطها الجغرافي، تحولت إلى بيئة تشغيل لاقتصاد تهريب منظم، في ظل غياب سلطة ضابطة قادرة أو راغبة في تفكيك هذه الشبكات.

سلطة الأمر الواقع

في قلب هذا المشهد يبرز الشيخ حكمت الهجري بوصفه المرجعية الروحية والاجتماعية الأبرز في السويداء، وصاحب النفوذ الأوسع في التأثير في القرار المحلي. وعلى رغم عدم وجود اتهامات أردنية مباشرة أو رسمية في حقه أو دائرته، فإن الواقع على الأرض يفرض قراءة مختلفة، فمن يمتلك النفوذ ولا ينجح في منع تحول منطقته إلى منصة تهديد عابر للحدود يصبح جزءاً من المشكلة.

يقول مراقبون إن استهداف الجيش الأردني لبنية التهريب داخل العمق الحدودي، وبالتنسيق مع شركاء إقليميين، يعني أن الأردن لن ينتظر معالجة داخلية سورية غير مضمونة أو مؤجلة. وهو ما تؤكده مؤشرات واضحة من قبيل البيانات العسكرية الأردنية الرسمية، وطبيعة الأهداف التي جرى استهدافها، والتحول الواضح في العقيدة الأمنية الأردنية من مجرد إحباط محاولات تهريب إلى استهداف بنية تحتية للتهريب داخل العمق الحدودي.

وتقول مصادر قريبة من الحكومة الأردنية، إن تقارير أمنية أكدت أن المخدرات أصبحت مصدر دخل بديل في السويداء، وأن الصراع داخل المحافظة لم يعد سياسياً فقط بل واقتصادياً على طرق التهريب والحماية، مع حقيقة مواجهة الجيش الأردني لمجموعات منظمة ومسلحة تستخدم وسائل لوجيستية متقدمة، وهو وصف يتجاوز العمل الفردي إلى شبكات ذات حماية محلية ونفوذ مناطقي.

 ويؤكد المحلل العسكري نضال أبو زيد أن العملية العسكرية الأردنية في السويداء تمت بالتنسيق مع السلطات السورية الجديدة "صاحبة السيادة"، وهي إشارة واضحة إلى أن الأردن يرفض محاولات الانفصال ويرى فيها خطراً على أمنه وسيادته.

أبو زيد أوضح أنه تم استهداف أحد أكبر تجار المخدرات والمهربين إلى الأردن، ويدعى عماد علوم، مشيراً إلى أن الأهداف التي شملتها العملية "مشروعة" ولم تستهدف أي مدني.

ويوضح المحلل العسكري أنها ليست العملية الجوية الأولى لسلاح الجو الأردني، ففي مايو (أيار) من هذا العام تم تنفيذ عملية جوية في المنطقة نفسها، وفي 2024 نفذ عملية جوية استطاع من خلالها الوصول إلى أحد كبار المهربين. ويشير إلى ناحية مهمة تتعلق بشرعنة أي تدخل عسكري أردني في الأراضي السورية عبر خماسية عمان التي عقدت لدول جوار سوريا عام 2024، والتي خرجت بمخرجات رئيسة أبرزها غرفة العمليات المشتركة الأردنية السورية العراقية التركية التي أتاحت له التدخل في حال وجود أي خطر قرب حدوده.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير