Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي سيناريوهات محتملة للتدخل العسكري الأميركي في فنزويلا؟

مؤشرات الحرب تتزايد بين البلدين وأهداف ترمب تتجاوز احتياطات كاراكاس النفطية لتشمل مزيجاً معقداً من الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية والشخصية

يرى كثر أن مفاعيل وتطورات التصعيد الأميركي الراهن ضد فنزويلا تؤشر إلى حرب وشيكة بين واشنطن وكاراكاس (أ ف ب)

 

ملخص

يطرح التوجه المتشدد من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد كاركاس ونظامها كثيراً من الأسئلة حول أبعاد وأهداف ذلك الضغط، بعدما أبدى كثيراً من التعهدات بتجنب التورط في الشؤون الخارجية وكان أحد المحاور الرئيسة لحملته الانتخابية قبل عودته إلى البيت الأبيض خلال يناير الماضي.

خلال وقت تضاعف فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضغوطها العسكرية والاقتصادية على فنزويلا، تزداد مؤشرات اندلاع الحرب بين البلدين يوماً بعد يوم لتفتح معها فصلاً جديداً من اختبار قدرة الرئيس الجمهوري على مواجهة الخصوم وتعزيز نفوذ بلاده في أميركا اللاتينية.

وأمام ذلك المشهد الذي تتشابك فيه الحسابات الجيوسياسية مع الطموحات الشخصية، تقف فنزويلا بالنسبة إلى الرئيس ترمب أكثر من مجرد دولة مضطربة تسعى خلالها واشنطن عبر حملة ضغط قصوى "لحماية حدودها ومصالحها"، بل فرصة لـ"تصفية حساب" مع نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي صمد أمام أقسى الضغوط الأميركية والغربية طوال الأعوام الماضية، لتبدو احتمالات التدخل العسكري الأميركي الأكثر ترجيحاً، فيما يكثر النقاش حول السيناريوهات والأهداف النهائية له، لا سيما بعدما أطلقت واشنطن حملة استهداف قوارب تتهمها بتهريب المخدرات ضمن ضربات أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص حتى الآن.

وأخيراً أعلنت الولايات المتحدة التي تنشر قوة عسكرية كبيرة في منطقة البحر الكاريبي منذ أغسطس (آب) الماضي فرض حصار بحري حول فنزويلا ضد ناقلات نفط تعدها خاضعة للعقوبات، إذ اتهم الرئيس الأميركي ترمب كاركاس باستخدام النفط، وهو موردها الرئيس، لتمويل "الإرهاب المرتبط بالمخدرات والاتجار بالبشر وعمليات القتل والخطف"، وهو ما تنفيه فنزويلا مؤكدة أن واشنطن تسعى لإطاحة رئيسها نيكولاس مادورو من أجل الاستيلاء على احتياطاتها النفطية.

أبعاد الضغط الأميركي المتصاعد

يطرح التوجه المتشدد من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد كاركاس ونظامها كثيراً من الأسئلة حول أبعاد وأهداف ذلك الضغط، بعدما أبدى كثيراً من التعهدات بتجنب التورط في الشؤون الخارجية وكان أحد المحاور الرئيسة لحملته الانتخابية قبل عودته إلى البيت الأبيض خلال يناير (كانون الثاني) الماضي.

وعلى رغم تكرار اتهام ترمب للرئيس الفنزويلي قائلاً إنه "هارب مطلوب من القضاء الأميركي ورئيس منظمة كارتل دي لوس سوليس الإرهابية الأجنبية"، وتعهده بفعل ما في وسعه "لحماية حدود بلاده والشعب الأميركي"، تكمن الأهداف الحقيقية "في النفط الفنزويلي الذي يمثل محور التحركات الأميركية ضد كراكاس على رغم أن الخطاب المعلن يدور حول مكافحة المخدرات"، بحسب ما تقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، مشيرة إلى أن إدارة ترمب "تنظر لاحتياطات النفط الفنزويلية الأكبر عالمياً كركيزة لأمن الطاقة الأميركي وأداة لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد داخل نصف الكرة الأرضية الغربي".

 

الصحيفة الأميركية رجحت قرب عمل عسكري أميركي ضد فنزويلا في ضوء الوضع العسكري الحالي داخل منطقة الكاريبي، لا سيما وجود حاملة الطائرات الأميركية العملاقة "يو أس أس جيرارد فورد"، فضلاً عن أن المصادرات النفطية والعقوبات الأميركية والتهديدات العسكرية ضد كاراكاس "تظهر عزم واشنطن على خنق عصب الاقتصاد الفنزويلي".

وذكرت "نيويورك تايمز"، أن زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا ماتشادو تبرز كشريك محتمل بعد تقديمها وعوداً بفتح قطاع النفط أمام الشركات الأميركية في حال حدوث تغيير النظام الفنزويلي، بينما يرفض الرئيس نيكولاس مادورو هذا الأمر، ويتعامل مع الصين كشريك استراتيجي.

لكن ما يثير الانتباه وفق التحليلات الأميركية ويؤشر إلى مزيد من التصعيد، هو تجاوز الأهداف الأميركية من حملة الضغط ضد فنزويلا لملف النفط، إذ بحسب ما كتبه بن وولفغانغ ضمن صحيفة "واشنطن تايمز" الأميركية، فإن "التوتر بين أميركيا وفنزويلا تحول إلى معركة ترمب الشخصية"، موضحاً أن "تركيز إدارة الرئيس دونالد ترمب على فنزويلا لا يمكن تفسيره بعامل واحد، بل هو نتاج تداخل معقد بين اعتبارات جيوسياسية واقتصادية وشخصية".

ويقول الكاتب، وهو مراسل الصحيفة لشؤون الأمن القومي والشؤون الخارجية والجيش الأميركي، إن ما يتضح يوماً بعد آخر "أن فنزويلا لم تعد مجرد ملف عابر في أروقة الخارجية الأميركية، بل تحولت إلى هوس استراتيجي يمزج بين تصفية الحسابات الشخصية وطموحات الهيمنة الجيوسياسية"، مشيراً إلى أن وفقاً لتحليلات معمقة ومصادر مطلعة، فإن "حملة الضغط المكثف التي يقودها الرئيس ترمب ضد نظام نيكولاس مادورو تتجاوز في أهدافها المعلنة مكافحة تهريب المخدرات أو حماية حقوق الإنسان، لتصل إلى رغبة جامحة في إعادة تشكيل توازنات القوة في نصف الكرة الغربي وخنق نفوذ بكين وموسكو المتنامي".

وذكر الكاتب الأميركي أنه وفق هذه الفرضيات فإن الرئيس الأميركي ينظر إلى كاراكاس "على أنها إحدى أهم القطع على رقعة شطرنج عالمية عالية الأخطار، والتي يمكن من خلال سلسلة من التحركات العسكرية والجيوسياسية تحويلها إلى ديمقراطية صديقة تمتلك احتياطات هائلة من الذهب والمعادن والنفط الثقيل".

مزيد من مؤشرات الحرب

ترى كثير من التحليلات والقراءات الأميركية والغربية أن مفاعيل وتطورات التصعيد الأميركي الراهن ضد فنزويلا تؤشر إلى حرب وشيكة بين واشنطن وكاراكاس.

وبحسب ما ذكر تحليل لمجلة "نيوزويك" الأميركية، فإنه يوماً بعد يوم تزداد مؤشرات الحرب بين الولايات المتحدة وفنزويلا لا سيما بعد أن نشرت إدارة الرئيس ترمب سفناً حربية قبالة السواحل الفنزويلية، فضلاً عن تشديد الضغوط السياسية والاقتصادية على نظام الرئيس نيكولاس مادورو، مما يعد مؤشراً إلى اقتراب مواجهة عسكرية محتملة بين البلدين.

"نيوزويك" ذكرت أن هذه التحركات تندرج ضمن توجه أوسع لإعادة فرض النفوذ الأميركي في نصف الكرة الغربي، مع تأكيد واشنطن التزامها بإحياء وتطبيق عقيدة مونرو (مبدأ أقره الرئيس الأميركي جيمس مونرو عام 1823 واعتبر أن نصف الكرة الغربي يقع في مجال النفوذ الأميركي التقليدي، وأن أي تدخل أوروبي في شؤون تلك الدول سيعد عملاً عدائياً ضد الولايات المتحدة).

 

ووفق "نيوزويك" فإن هناك ثلاثة مؤشرات تدل على أن حرباً وشيكة قد تندلع بين الولايات المتحدة وفنزويلا خلال أية لحظة، وأولها انتقال الولايات المتحدة من فرض العقوبات إلى مصادرة ناقلات نفط فنزويلية، مما أثار توتراً حاداً في قطاع الشحن البحري وصفه نيكولاس مادورو بأنه أعمال قرصنة دولية، إضافة إلى تكثيف الولايات المتحدة عملياتها العسكرية في البحر الكاريبي بحجة مكافحة تهريب المخدرات، فضلاً عن تسجيل زيادة ملحوظة في حركة الطائرات والانتشار الجوي والبحري الأميركي قرب فنزويلا، وشمل ذلك مقاتلات متقدمة وقاذفات استراتيجية وحاملات طائرات، إضافة إلى تدريبات تحاكي ضربات على أهداف داخل الأراضي الفنزويلية، في انتشار يعد من الأكبر داخل المنطقة منذ أعوام.

لكن وعلى رغم ذلك فإن التحرك الأميركي نحو مزيد من التصعيد العسكري ضد فنزويلا قد يواجه بعض العقبات، تتمثل في الانقسام الداخلي الأميركي في شأنه، فضلاً عن العقبات القانونية التي قد تواجهه.

وبحسب ما نقلت وكالة "رويترز" عن الباحثة في القانون الدولي إيلينا تشاتشكو من كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، فإن "الرؤساء الأميركيين يتمتعون بسلطة واسعة لنشر قوات أميركية في الخارج، لكن الحصار البحري الذي أعلنه ترمب يمثل اختباراً جديداً للسلطة الرئاسية"، موضحة أن الحصار يعامل تقليدياً على أنه "أداة حرب" مسموح بها، ولكن بشروط صارمة فحسب. وأضافت "هناك تساؤلات جدية على الصعيدين القانوني المحلي والدولي".

كذلك وصف النائب الديمقراطي خواكين كاسترو المنتمي إلى ولاية تكساس الحصار البحري الأميركي على فنزويلا بأنه "عمل حربي بلا شك"، معتبراً أن "هذه حرب لم يقرها الكونغرس قط، ولا يريدها الشعب الأميركي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا الانقسام الداخلي طرحه الباحث في معهد "تشاتام هاوس" كريستوفر ساباتيني قائلاً إن توجه ترمب ضد فنزويلا يواجه بـ"انقسام داخلي في واشنطن"، مضيفاً أنه وعلى رغم أن هناك "شعوراً بوجود عمل غير منتهٍ" يطارد ترمب منذ ولايته الأولى حينما فشلت محاولات الاعتراف بالمعارضة الفنزويلية كبديل شرعي، مما سبب إحراجاً دبلوماسياً للإدارة آنذاك فضلاً دعم شخصيات نافذة في الإدارة الأميركية لتوجه ترمب وعلى رأسهم وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي أقنع الرئيس الأميركي بأن نظام مادورو بات أضعف من أي وقت مضى وبخاصة بعد الانتخابات الأخيرة التي وصفت بغير الشرعية، فإن التحديات الداخلية قد تعوق تحقيق ترمب لطموحه.

وانتقد مشرعون أميركيون مثل السيناتور الديمقراطي مارك وورنر من جدوى تصعيد ترمب ضد فنزويلا، مطالبين الرئيس بتحديد أهدافه بوضوح قبل تعريض الجنود الأميركيين للخطر. في المقابل حذر السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام من أن بقاء مادورو في السلطة سيكون "خطأ قاتلاً لمكانتنا في العالم"، مضيفاً أن "هذه أسوأ إشارة يمكن توجيهها إلى روسيا والصين وإيران".

أي سيناريوهات للتدخل العسكري؟

أمام ترجيح عدد من القراءات والتحليلات بقرب العمل العسكري ضد فنزويلا تكمن الأسئلة حول سيناريوهات الهجوم الأميركي المحتمل، وأية صورة سيتخذها بين عمليات محدودة وغزو واسع؟

وفق تحليل لمجلة "ناشيونال إنتريست" في شأن سيناريوهات الهجوم الأميركي المحتمل على فنزويلا، فقد رجحت المجلة الأميركية أن يشمل "تدخلاً برياً محدوداً مع الاعتماد على الهجمات الصاروخية"، موضحة أن الترجيح الأكبر للتدخل الأميركي أن يكون محدوداً "يركز على إضعاف الجيش الفنزويلي وإجبار مادورو على التنحي أو ربما إزاحته، مع ضربات جوية وصاروخية دون غزو بري كامل".

 

وذكرت "ناشيونال إنتريست" أنه لأسباب سياسية وعملية على حد سواء فإن التدخل المحدود يعد السيناريو الأرجح، لا سيما أن القوات البحرية المتمركزة في منطقة الكاريبي غير مهيأة لتنفيذ عمليات برية واسعة النطاق، وبخاصة أن عددها قليل جداً ولا يمكنها احتلال فنزويلا بصورة فعالة في حال إطاحة الحكومة، وعليه فإن أقرب سيناريو للتنفيذ هو حملة جوية متواصلة تهدف إلى إخضاع النظام أو إضعافه، دون وجود احتلال بري. مشيرة إلى أن العملية قد تبدأ بجهود لتحييد قدرة فنزويلا على مواجهة العمليات الأميركية جواً وبحراً، وأن تستهدف هجمات الحرب الإلكترونية والسيبرانية الاتصالات الفنزويلية ورادارات الإنذار المبكر، وشبكات الدفاع الجوي المتكاملة.

في غضون ذلك، وفق المجلة الأميركية، يرجح أن تفرض البحرية الأميركية حظراً بحرياً أو حصاراً حول الموانئ الفنزويلية الرئيسة، فضلاً عن إمكانية تنفيذ قوات العمليات الخاصة مهام محدودة على الأرض لتحديد الأهداف، أو تسهيل جمع المعلومات الاستخباراتية المحلية، أو تأمين المواقع الحيوية، ولكن يظل الغزو البري واسع النطاق غير وارد سياسياً ولوجيستياً.

وتمتلك فنزويلا عدة أنظمة صواريخ أرض-جو روسية الصنع ستكون أهدافاً ذات أولوية مبكرة، لكنها من غير المرجح أن تصمد أمام قصف أميركي مستمر، وعليه عدت "ناشيونال إنتريست" أن تستهدف واشنطن إضعاف الجيش الفنزويلي وإرباكه، مما يسمح للطائرات الأميركية العاملة من حاملة الطائرات المتمركزة في الكاريبي التي تعد عملياً قاعدة جوية متنقلة، بالمناورة بأخطار أقل بكثير.

من منظور عسكري بحت، تفتقر فنزويلا إلى القدرة على الصمود أمام هجوم أميركي، إذ يؤدي أي تدخل أميركي لإلحاق أضرار بالغة بمعظم البنية التحتية العسكرية الفنزويلية المهمة في غضون أيام، ولكن الكلف السياسية ستكون باهظة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير