Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محافظ "المركزي التونسي": الاقتصاد عالق في حلقة استثمار خانقة

النوري: تدفقات رؤوس الأموال لا تزيد على 16%من الناتج المحلي الإجمالي ونصيب القطاع الخاص منها لا يتجاوز 58%

دعا النوري إلى ثقافة استثمارية جديدة لرجال الأعمال وحثّهم على تقديم مشاريع قابلة للتمويل (أ ف ب)

ملخص

يقول محافظ البنك المركزي التونسي إن "عودة السيادة الاقتصادية رهينة خلق الاستثمار المنتج والحوكمة الرشيدة التي تكافح الفساد والهدر ولا يزال التمويل غير موجه بصورة كافية نحو الاقتصاد الحقيقي والمشاريع الإنتاجية".

"تحتاج تونس إلى جيل جديد من المستثمرين ونمط مستحدث من المشاريع وأصناف جديدة من التمويل، وهذه مكونات ثلاثي ريادة الأعمال والمشاريع والتمويل مفاتيح المرحلة المقبلة من التنمية"، بتلك الكلمات اختتم محافظ البنك المركزي التونسي فتحي زهير النوري منتدى نظمه المعهد العربي لرؤساء المؤسسات. وأضاف أن "استعادة نسق الاستثمار في تونس يحتاج الى رد فعل متزامن من ثلاثة أطراف أساسية هي رؤساء المؤسسات والبنوك والبنك المركزي"، مشيراً إلى أن عودة السيادة الاقتصادية رهينة خلق الاستثمار المنتج، والحوكمة الرشيدة التي تكافح الفساد والهدر".

وكشف النوري عن أن "حجم الاستثمار في تونس لا يزيد على 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ونصيب القطاع الخاص منه لا يتجاوز 58 في المئة"، واصفاً آياه بغير الكافي لدعم النمو وتوفير فرص الشغل وتحديث الاقتصاد التونسي.

ولم يغفل محافظ "المركزي التونسي" عن طرح سؤال جوهري، حول "كيف يمكن للبنك المركزي التونسي دعم السيولة للنظام المصرفي والحفاظ على ديناميكية الائتمان؟ مع دعم الدولة في الضغوط التي تتعرض لها الخزانة العامة" مشيراً إلى أنه منذ عام 2011 تعرضت تونس لصدمة خارجية شديدة وصفها بالنادرة أدت تدريجياً إلى أزمة نظامية سياسية واجتماعية واقتصادية.

في هذا السياق، ولمواجهة الارتفاع المستمر في المطالب الاجتماعية والاقتصادية، استخدمت الحكومات المتعاقبة الاقتراض كأداة رئيسة للتكيف مع الأزمة والإكراهات، وشهدت الفترة ما بين 2021-2025، تركيزاً عالياً لآجال الاستحقاق، إذ بلغت خدمة الدين الخارجي طويل الأجل للدولة 43.8 مليار دينار (15.10 مليار دولار)، وهي تمثل ما يقرب من 54 في المئة من القروض الممنوحة خلال الفترة 2011-2025، بينما تجاوزت خدمة الدين العام 24 مليار دينار (8.27 مليار دولار) خلال الفترة 2024-2025.

وأدى هذا التراكم خلال فترة قصيرة إلى تفاقم ضغوط التدفقات النقدية، مما زاد اللجوء إلى التمويل المحلي، لا سيما من خلال تدخل استثنائي من البنك المركزي لدعم الخزانة.

ومع ذلك، فإن البنك المركزي لا ينفصل عن الاستقرار المالي للدولة، إذ تخضع إجراءاته لإطار قانوني صارم ومحدد زمنياً، وهو دعم إدارة الضغوط قصيرة الأجل، مع التأكيد أن الاستدامة تتطلب حلولاً هيكلية مثل ترشيد الإنفاق، وتوسيع القاعدة الضريبية، واستعادة الثقة.

عجز استثماري مزمن

ووجه النوري رسالة مفادها أن التعافي المستدام للاقتصاد التونسي يتطلب بالضرورة إصلاحاً جذرياً للاستثمار المنتج، مدعوماً بجهود متضافرة من الشركات والبنوك والبنك المركزي.

وتعاني تونس عجزاً مزمناً في الاستثمار، كماً ونوعاً، وقال النوري في هذا الصدد "نحن نستثمر قليلاً وبطريقة غير صحيحة، ولا يزال التمويل غير موجه بصورة كافية نحو الاقتصاد الحقيقي والمشاريع الإنتاجية.

وفي ظل هذه الظروف والقيود يؤكد المحافظ أنه لا سبيل للتعافي من دون تغيير جذري في نهج الاستثمار، داعياً الى ضرورة كسر هذه الحلقة المفرغة.

وشخّص الوضع في تونس قائلاً "العلة واضحة معدل الاستثمار الوطني، الذي يبلغ نحو 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لا يزال منخفضًا جداً لدعم النمو وتوفير فرص العمل وتحديث الاقتصاد، علاوة على ذلك، لا يزال التمويل المصرفي يميل بصورة كبيرة نحو المدى القصير"، موضحاً "يعكس هذا الوضع تفضيل إدارة السيولة النقدية وتعزيز المؤسسات الكبرى القائمة بدلاً من المخاطرة بمشاريع جديدة، إضافة إلى ضعف استخدام خطوط التمويل الدولية المخصصة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، والشعور السائد أن الطريق شائك أمام الراغبين في الاستثمار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشدد النوري، "لن يأتي الخروج المستدام من القيود الاقتصادية باتباع نهج الاستهلاك أو الديون، بل من الاستثمار الإنتاجي، لا سيما في الصناعة، والخدمات ذات القيمة المضافة، والزراعة الحديثة، والتكنولوجيا الرقمية، والتحول في قطاع الطاقة، واقتصاد المعرفة"، مشيراً الى أن الأهمية البالغة للاستثمار في عالم يتسم بتحولات تكنولوجية وطاقية وجيوسياسية عميقة، في هذا السياق، يعد التقاعس عن الاستثمار بمثابة التخلف عن الركب، ولم يعد الخطر الأكبر الذي يواجه الشركات التونسية هو المخاطرة المحسوبة، بل البقاء على حالها، مما يعرضها لخطر فقدان فرص التصدير، وهجرة خبراتها، وجمود أفكارها.

ودعا المحافظ إلى ثقافة استثمارية جديدة للمستثمرين ورجال الأعمال وحثّهم على تقديم مشاريع قابلة للتمويل، وشفافة، وطموحة، وقياس نجاحها بجودة محفظة أصولها الإنتاجية، وتقبل الأخطار كعنصر طبيعي وقابل للتحليل والمشاركة في النشاط الاقتصادي.

وأكد أن المشاريع الاستثمارية في تونس تعتمد بصورة مفرطة على التمويل الذاتي، قائلاً في هذا الصدد "يغطي التمويل الذاتي ما يزيد على 70 في المئة من الكلف في المتوسط، بينما لا تغطي البنوك التقليدية سوى 18 في المئة تقريباً"، موضحاً أن هذا المعدل أقل من المتوسط ​​في الدول القريبة من النموذج التونسي، إذ تغطي القروض المصرفية ما بين 20 و25 في المئة من الاستثمارات، بينما يراوح التمويل الذاتي ما بين 60 و65 في المئة.

ولفت النوري إلى أن هذا الهيكل يوضح أن المؤسسات التونسية تتحمل الجزء الأكبر من الأخطار مع عدم استغلال الموارد بالصورة المثلى، لذلك من الأفضل الانتقال من النموذج التقليدي إلى هيكل تمويلي متكامل للمشاريع مع ضمان تقاسم الأخطار بين الفاعلين، مشيراً إلى أن الواقع كشف عن عدم استغلال الأدوات المالية المتاحة بالصورة المثلى.

الجمود المستمر بين الشركات والبنوك

ودعا محافظ البنك المركزي البنوك إلى التحول من مجرد وسطاء ماليين إلى بُناة حقيقيين للتنمية، وبينما أقرّ بالقيود الاحترازية التي تواجهها، أكد على أنه لا يمكن لأي اقتصاد أن يزدهر من دون قطاع مصرفي يمول الاستثمار بشجاعة، مستنكراً الجمود المستمر بين الشركات والبنوك. وقال في هذا الصدد "نعيش في مناخ أصبحت فيه التمويلات موجهة أكثر للخزانة من الاستثمار، ففي الفترة الممتدة ما بين 2022 و2024 سجلت القروض قصيرة المدى تطوراً يناهز 8.1 في المئة مقارنة بـ3.3 في المئة للقروض المتوسطة وطويلة المدى، وهذا يؤكد طبيعة التمويلات التي تميل الى الآجال القصيرة والاستمرار في تمويل الاحتياجات الفورية من دون المشاريع المنتجة.

وفيما يتعلق بدور البنك المركزي أشار المحافظ الى أن الاستقرار النقدي والمالي شرط أساس للثقة والاستثمار، إذ أسهمت السياسة النقدية التي طبقت أخيراً في السيطرة على التضخم، واستقرار الدينار، وتحسين التصنيف الائتماني السيادي. وأكد أن هذه الإيجابيات تشكل حافزاً لإنعاش الاقتصاد الحقيقي، ويضطلع البنك المركزي بدور داعم من خلال تحديث خدماته، ودعم المصدرين، والاستثمار في رأس المال البشري، والإدارة الرشيدة لسيولة البنوك.

واقترح المحافظ تحالفاً جديداً بين الشركات والبنوك والبنك المركزي يقوم على الشفافية والطموح والابتكار والتحوط من الأخطار، وكذلك دعا إلى التحول من الحذر الدفاعي إلى الحكمة الاستباقية.

في حين لم يحدد المحافظ بالإيجاب أو السلب عند رده عن سؤال لـ"اندبندنت عربية" حول الاتجاه الى خفض الفائدة الرئيسة من عدمه (7.5 في المئة حالياً)، لكنه أشار إلى أن كلفة الاقتراض على رغم ارتفاعها فهي لا تمثل الصعوبة الوحيدة، بل هي أحد مكونات الكلف، ودعا إلى ضرورة تغيير العقليات عند الاستثمار.

اقرأ المزيد