ملخص
تحقيق سلام دائم في أوروبا يستلزم إدراج بيلاروس في أي اتفاق، إذ إن استبعادها يترك ثغرة أمنية خطرة قد تستغلها روسيا لتهديد أوكرانيا ودول الناتو، مما يجعل السلام هشاً، ويستدعي ضمانات قوية، انتخابات حرة وإنهاء القمع لتفادي حرب أوسع.
مع تكثيف الجهود الدبلوماسية بغية شق طريق للسلام في أوكرانيا، ما زال عنصر حاسم خارج الحسابات. فلن يتحقق السلام الدائم في أوروبا إن استثنيت بيلاروس من أي اتفاق.
عشية الغزو، خرج ألكسندر لوكاشينكو - الذي يحكم بيلاروس منذ 1994 - ليؤكد لأوكرانيا والمجتمع الدولي عدم شن أي هجوم عليها من الأراضي البيلاروسية. لكن بعد أيام قليلة فحسب، دخلت أرتال روسية البلاد عبر بيلاروس في خيانة مباشرة لأوكرانيا وشعب بيلاروس الذي يعارض أية مشاركة في هذه الحرب. أطلقت الصواريخ وأقلعت الطائرات الحربية من قواعد جوية في بيلاروس، وحصلت القوات الروسية على دعم لوجيستي وخلفي. وعدت دول عدة أن بيلاروس شريك في العدوان الروسي على أوكرانيا.
تمتد بيلاروس على طول 1080 كيلومتراً تقريباً على الحدود الشمالية لأوكرانيا. وهي تمثل أقصر طريق نحو كييف، وتعد ممراً مباشراً للصواريخ باتجاه دول حلف الناتو. وطالما بقيت بيلاروس مساحة عسكرية غير مضبوطة، ستظل بنية الأمن الأوروبي تحوي ثغرة أساس.
ولهذا السبب، فإن استبعاد بيلاروس من أي اتفاق مستقبلي من شأنه أن يحدث فجوة كبيرة في سلام القارة. فما استُغل مرة يمكن استغلاله مجدداً - ليس ضد أوكرانيا فحسب، بل ضد بولندا وليتوانيا أو لاتفيا أيضاً. وما دامت القوات الروسية تستطيع استخدام هذه الأراضي بحرية، فلن يكون أي "سلام" أكثر من وقف إطلاق نار موقت مغلف بلغة دبلوماسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذا دُمجت بيلاروس كلياً أو جزئياً ضمن روسيا، فسيكتسب الكرملين منفذاً مباشراً لممارسة الضغط على وسط أوروبا وشمالها. ويمكن للجيش الروسي أن ينشر قوات كثيرة على طول حدود دول حلف الناتو ويهدد أوكرانيا من الشمال، مما يعقد أمنها بصورة كبيرة حتى بعد نهاية الحرب الحالية. وهذا من شأنه أن يخلق مصدراً دائماً للتوتر ويجعل أي اتفاق سلام غير مكتمل وغير مستقر.
إن شعب بيلاروس لا يؤيد هذه الحرب. خلال عام 2020، نزل نحو 200 ألف شخص إلى الشوارع على مدى أشهر عدة للاحتجاج على تزوير الانتخابات والمطالبة باستقالة لوكاشينكو. ولم يتمكن الرئيس من التشبث بالسلطة سوى بفضل دعم الكرملين والقمع الشديد.
رفع المنتدى الديمقراطي البيلاروسي، وهو ائتلاف يضم قادة مستقلين من المجتمع المدني البيلاروسي وخبراء وناشطين يعملون في المنفى، خمسة مقترحات إلى الرئيس ترمب وزعماء أوكرانيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي من الضروري إدراجها في أي اتفاق سلام إن أردنا بلوغ هذه الغاية.
أولاً، يجب تقديم ضمانات ملزمة لسيادة بيلاروس وسلامة أراضيها، تساوي تلك التي قدمت لأوكرانيا. من دون هذه الضمانات، ستظل بيلاروس عرضة للخطر ليس فقط باعتبارها منصة عسكرية ولكن من موقعها كدولة أيضاً. بعد أوكرانيا، من المرجح أن يبحث الكرملين عن فرص تعوضه عن إخفاقاته. وروسيا قادرة تماماً على السعي إلى تنفيذ سيناريو ضم أراضي بيلاروس بالكامل. ومن شأن هذه الخطوة أن تنقل البنية التحتية العسكرية لروسيا مئات الكيلومترات غرباً على الفور، لتصبح على تماس مباشر مع حدود بولندا وليتوانيا ولاتفيا، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار الجناح الشرقي لحلف الناتو بصورة جذرية ويزيد احتمالات اندلاع حرب واسعة النطاق في أوروبا.
وهذا يقودنا إلى مطلبنا الثاني: فرض حظر كامل على استخدام بيلاروس كمنصة روسية للعدوان الخارجي، والعودة إلى وضع بيلاروس الدائم كدولة غير نووية. في نهاية الحقبة السوفياتية، كانت المنطقة العسكرية البيلاروسية منصة إطلاق استراتيجية للاتحاد السوفياتي في حال نشوب صراع كبير. ولا يمكن أن تعود إلى هذا الوضع مرة أخرى أبداً.
ثالثاً، في غضون 30 يوماً من توقيع الاتفاق، يجب إغلاق جميع القضايا ذات الدوافع السياسية في روسيا وأوكرانيا وبيلاروس، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وضمان عودة المواطنين بأمان وحرية. تضم بيلاروس وحدها اليوم أكثر من 1300 سجين سياسي معترف بهم رسمياً، فيما فر أكثر من 500 ألف شخص من البلاد. ودعا الحائزون على جائزة نوبل إلى ذلك في رسالة مفتوحة وجهوها إلى رؤساء الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا وقادة الاتحاد الأوروبي، وحثوا فيها على إدراج بند في الاتفاق حول العفو عن المدنيين المعترف بهم كسجناء سياسيين أو تبادلهم. وبفضل تدخل الرئيس ترمب شخصياً، أطلق سراح أكثر من 100 شخص للمرة الأولى منذ أشهر عدة ونحن نتوقع أن تستمر هذا العملية.
رابعاً، من الضروري إجراء انتخابات حرة ونزيهة داخل بيلاروس في غضون 250 يوماً، تخضع لمراقبة وإشراف منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي الهيئة الدولية الوحيدة المعترف بقدرتها على الإشراف القانوني على الانتخابات خلال الفترات الانتقالية بعد انتهاء الأنظمة الاستبدادية.
وأخيراً، يجب أن ترفع العقوبات عن بيلاروس على نحو تدريجي مشروط بصورة صارمة بعملية الإفراج عن السجناء السياسيين كافة، ووضع حد للقمع السياسي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
تهدف هذه المقترحات إلى منع تكرار سيناريو غزو أوكرانيا عام 2022 وتجنب اندلاع حرب على نطاق أوسع في أوروبا.
وتذكيراً، لم تتطلب مذكرة بودابست للضمانات الأمنية خلال عام 1994، التي كفلت أمن أوكرانيا وبيلاروس وكازاخستان مقابل تخليها عن الأسلحة النووية، تصديقاً من برلمانات الدول الضامنة، مما جعلها وثيقة تبدو مطمئنة لكنها ضعيفة قانونياً، وعاجزة عن حماية أوكرانيا حين كان الأمر ضرورياً.
ولذلك، يجب أن يخضع أي اتفاق سلام حديث للتصديق البرلماني الكامل وفقاً للإجراءات الداخلية للدول الموقعة عليه. من دون هذه الأسس، سيستند السلام مرة أخرى إلى نفس الأساس الهش الذي فشل في أوكرانيا من قبل. من دون بيلاروس، لا يمكن تحقيق سلام دائم. يجب أن تكون بيلاروس طرفاً في الاتفاق، وتكون مقيدة بالالتزامات ومحمية بضمانات أمنية قوية.
لا يمكن لأوروبا الادعاء بأنها آمنة بينما تترك على خريطتها منطقة يمكن أن يستغلها الكرملين لضمها وشن هجمات مستقبلية منها على الدول المجاورة. ولا يمكن تحقيق مستقبل مستقر سوى بعد إغلاق هذه الثغرة بصورة نهائية.
فاليري تسيبكالو سفير سابق لدى واشنطن وترشح لرئاسة بيلاروس عام 2020
ديمتري بولكونيتس محلل سياسي وأمين عام المنتدى الديمقراطي البيلاروسي
© The Independent