ملخص
لم يخف الرايس عدم تفاؤله بأن تسفر هذه الحوارات عن نتائج جوهرية، بخاصة أن القوى المتصدرة للمشهد السياسي لا تظهر رغبة حقيقية في المضي نحو مسار تسوية سياسية أو إجراء الانتخابات، بل إن ما يحدث حالياً يعكس مساعي واضحة لخلط الأوراق.
لملمت البعثة الأممية للدعم في ليبيا أوراقها لإجراء الحوار المهيكل في العاصمة الليبية طرابلس، وتأتي أشغال الحوار مباشرة قبل تقديم رئيسة البعثة الأممية للدعم في ليبيا هنا تيتيه إحاطتها التالية أمام مجلس الأمن الدولي الجمعة المقبل.
الحوار المهيكل هو جزء من خريطة الطريق الجديدة التي كانت أعلنت عنها تيتيه في أغسطس (آب) الماضي وتتمحور حول تنصيب حكومة موحدة جديدة وتوحيد المؤسسات وإجراء انتخابات وطنية تنهي المراحل الانتقالية والفوضى الأمنية والسياسية التي تعانيها ليبيا منذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي عام 2011.
وسبقت الحوار المهيكل الذي ترعاه الأمم المتحدة تحركات دبلوماسية أميركية، إذ التقى القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا جيريمي برنت كلاً من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة (غرب)، ورئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح (شرق)، مجدداً دعوته إلى تجاوز الانقسامات وتحقيق سلام دائم في ليبيا والعمل على توحيد المؤسسات الليبية.
وناقش برنت مع تيتيه أبرز الاستعدادات لانطلاق أشغال الحوار المهيكل الذي سيعمل على حلحلة الجمود السياسي الليبي بهدف الذهاب نحو انتخابات وطنية، وأبرز الجانبان أهمية تواصل التعاون بين الأمم المتحدة وواشنطن لتحقيق الاستقرار السياسي عبر مسار ديمقراطي ليبي.
الأهداف
ويكتنف الحوار المهيكل غموض من ناحية الأهداف ذات الأولوية، إذ ذكر الموقع الإلكتروني للبعثة أهدافاً عامة تتعلق بالأمن والحوكمة والاقتصاد، وحاولت "اندبندنت عربية" الإضاءة عليها أكثر من مرة خلال تواصلها مع المتحدث الرسمي باسم البعثة الأممية في ليبيا محمد الأسعدي، غير أنه رفض ذلك.
يقول المحلل السياسي حازم الرايس إنه على رغم تحديد آلية عمل الفرق الأربعة للحوار المهيكل، إذ ستختار كل مجموعة إدارة خاصة من ثلاثة أعضاء لتقديم تقاريرها إلى الجلسة العامة لمراجعتها واعتمادها، غير أن جلسات الحوار لا يمكنها أن تخرج في جوهرها عن مساحة للنقاشات التشاورية بين مختلف فئات المجتمع الليبي من أصحاب "المصلحة".
وبخصوص الأهداف ذات الأولوية للحوار المهيكل، يؤكد الرايس أن الهدف الأساس يدور حول البحث عن صيغة للتسوية السياسية في البلاد، وتحديد شكل الحكومة التي يفترض أن تشرف على الانتخابات المقبلة، إضافة إلى مناقشة مهماتها والعراقيل التي تعترض إجراء الانتخابات.
ويوضح الرايس في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن الجلسات ستتطرق إلى سبل تحسين الوضع الأمني بما يهيئ بيئة آمنة للاستحقاقات الانتخابية، فضلاً عن طرح توصيات من شأنها الإسهام في إصلاح الاقتصاد الوطني المنهار والاستماع إلى آراء متنوعة حول ملف المصالحة الوطنية وحقوق الإنسان.
ويؤكد المتخصص في الشؤون السياسية والأمنية الليبية أنه وانطلاقاً من توصيف البعثة الأممية، يمكن التأكيد أن هذه الجلسات تهدف بالأساس إلى إشراك أكبر عدد ممكن من الليبيين في العملية السياسية، وأنها تعمل كـهيئة للتشاور وتقديم التوصيات، وليست جهة لاتخاذ القرارات أو تشكيل الحكومات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يخفِ الرايس عدم تفاؤله بأن تسفر هذه الحوارات عن نتائج جوهرية، بخاصة أن القوى المتصدرة للمشهد السياسي لا تظهر رغبة حقيقية في المضي نحو مسار تسوية سياسية أو إجراء الانتخابات، بل إن ما يحدث حالياً يعكس مساعي واضحة لخلط الأوراق، فهناك من يدفع باتجاه انتخابات رئاسية مباشرة فقط من دون مجلس الأمة (البرلمان) ومن دون تعديل القوانين التي هي أساساً غير قابلة للتنفيذ سياسياً، في محاولة واضحة لعرقلة مسار الحوار المهيكل قبل انطلاقه.
آلية التطبيق
يرى الكاتب السياسي فرج دردور أن "غياب آليات التطبيق على أرض الواقع المنقسم أمنياً وسياسياً ستجعل من الحوار المهيكل مجرد حبر على ورق، بخاصة أن مخرجاته غير ملزمة، فنجاح الحوار يتطلب التزام أطراف الصراع نتائجه وتجاوز الخلافات، ولا سيما أن تداعيات رفض هذا الحوار صارت واضحة جداً، فحفتر يتحرك شرقاً بصورة تعوّق هذا الحوار من خلال التلويح بالحكم الذاتي، وما يسميه (التفويض الشعبي) لحكم ليبيا، وكذلك حدة الانقسام في المنطقة الغربية التي تسيطر عليها حكومة الدبيبة لا يمكن فكها عبر هذا الحوار، فالمصالح المتعارضة والخلافات العميقة بين من يسيطرون على الأرض في ليبيا لا يمكن أن يوحدها حوار يفتقر إلى آليات تنفيذ ملزمة لنتائجه".
وفي ليبيا حكومتان متنافستان على الأرض، واحدة في الشرق يقودها أسامة حماد والثانية في الغرب الليبي يترأسها عبدالحميد الدبيبة، انقسام يقول دردور إنه المعطل الرئيس لأية مبادرة وطنية أو دولية لحلحلة الإشكالية الليبية التي يلاحظ أنها تتطلب الذهاب سريعاً نحو الاستفتاء على الدستور وتنظيم انتخابات وتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، وغير ذلك ستبقى ليبيا تدور في فلك المراحل الانتقالية وفق رأيه.
فرصة جديدة
وعن التشاؤم الذي خيم على الشارع السياسي قبل بدء أشغال الحوار المهيكل، يقول المستشار السياسي السابق لحفتر محمد بويصير في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن كل ما يدور الآن هو أمر "بناء" وظاهرة "صحية"، وفق ما يؤكده تعبير سياسي أميركي يقول "الغموض البناء، ضروري في حالات تزيد فيها التحديات مع زيادة الوضوح"، داعياً إلى جعل الحوار المهيكل فرصة لتجاوز الانقسامات، إذ يرى أنه "للمرة الأولى تقوم البعثة الأممية في ليبيا بمخطط ذكي فرص نجاحه واسعة".
ويتابع أن الحوار المهيكل فرصة لتوسيع رأي اللجنة الاستشارية السابقة التي نظمتها البعثة وحققت خطوة إلى الأمام بتعريف المشكلة وطرحتها على الناس وأصبحت محور النقاش السياسي الوطني الجاد، وليس النقاش السياسي الذي يعمل على عرقلة الحل الوطني.
ويقول بويصير إن الحديث عن عدم إلزامية نتائج الحوار السياسي غير دقيق لأن التوصيات ستكون مضمونة التنفيذ من قبل البعثة الأممية، مؤكداً أن الحوار سيركز على تحديد مهمات رئيس الحكومة، مطالباً لجنة الحوار المهيكل بالعمل على التوصل إلى شبكة اجتماعية لحماية الناس من الفقر وإصلاح منظومة الأمن والعدالة الانتقالية.
وشهدت ليبيا حوارات أممية وإقليمية عدة لتصحيح المسار السياسي، شملت اتفاق الصخيرات عام 2015 الذي أسس لحكومة الوفاق، وحوارات بوزنيقة المغربية عام 2020 بين مجلسي الدولة والنواب، إضافة إلى مؤتمر برلين الدولي عام 2020 الذي عمل على وقف إطلاق النار، إضافة إلى مبادرات دولية وإقليمية متنوعة من بينها المبادرة المصرية التي ركزت على الحوار بين الأطراف الليبية والبرلمان والمبادرة الثلاثية (الجزائر ومصر وتونس) ، ومبادرات أخرى للاتحاد الأفريقي ولإيطاليا ولفرنسا وغيرها.