ملخص
مع اقتراب نهاية ولايته الثانية، يسعى دونالد ترمب لتعظيم المكاسب عبر رفع كلفة الحماية الأميركية وإعادة رسم قواعد اللعبة مع الحلفاء، في خطوة تكشف عن رئيس يتعامل مع السياسة كصفقة تجارية أكثر من كونها التزاماً استراتيجياً.
على مدى الأسابيع الماضية، بل طوال نحو عقد، تكررت الاتهامات بأن تغطية وسائل الإعلام الرئيسة لدونالد ترمب - وأنا جزء منها - منحازة وغير متوازنة وتعاني ما يسمى "متلازمة ترمب".
صحيح أن الرجل قادر على دفع أي شخص إلى الجنون بأساليبه المختلفة، لكنني، كعادتي، أحاول تقديم قراءة متوازنة لخطة السلام التي يطرحها لأوكرانيا، قدر ما نعرف عنها، وللدوافع التي تحركه.
وعلى رغم نوباته الغاضبة وهوسه أحياناً بفكرة التخلص من "أعداء أميركا" بوسائل غير قانونية، أعتقد أن ترمب صادق في رغبته بوضع حد للحروب، ليس فقط طمعاً بجائزة نوبل للسلام ليتفوق على أسلافه (فالجائزة الهزلية التي حصل عليها أخيراً من "فيفا" ليست سوى نسخة رخيصة وباهتة من الجائزة الحقيقية). وعندما يتحدث بحرقة عن الأرواح التي تزهق أسبوعياً في تلك الحرب الوحشية، فهو على الأرجح يعني ما يقول، على رغم أنه لا يشير أبداً إلى المسؤول عن إشعالها، بل يذهب أحياناً، وبصورة منفرة، إلى لوم فولوديمير زيلينسكي.
ومن الواضح أيضاً أن ترمب يريد جائزة نوبل فعلاً، على الأرجح لأن الأمر يغذي غروره. فالميدالية ستبدو فخمة عندما توضع فوق الموقد في المكتب البيضاوي، وإن كان عليها أن تنافس عدداً كبيراً من الكؤوس والقطع الذهبية الأخرى. يبدو أن الجوائز والأوسمة تهم ترمب خصوصاً، وإن كانت قادرة على وقف سفك الدماء، فلا ضرر في ذلك، بل العكس تماماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهذا رئيس يدرك أيضاً أن الوقت ليس في صالحه. وبصرف النظر عن صحة التقارير التي تتحدث عن تدهور حالته الصحية، فهو يقترب من الـ80، وولايته الثانية ستنتهي، ونفوذه الداخلي يتآكل. إنه رجل مسن يتحرك على عجل.
لكن على رغم كل ما تقدم، لا يمكن تجاهل النزعة المادية لدى ترمب، سواء فيما يخص بلاده أو مصالحه الشخصية وعائلته. إنه رجل يعمل في مجال العقارات ويستمتع بالثروة، تقريباً من أجل الثروة فحسب. أظن هذا هو السبب الذي جعله يهدم الجناح الشرقي للبيت الأبيض وهو سبب رغبته في بناء "قاعة الاحتفالات" المثيرة للجدل بصورة تجعل المقر الأساس يبدو ضئيلاً - وجعل الآخرين يدفعون ثمن ذلك.
أينما ذهب، يرى فرصاً تجارية. يريد ضم غرينلاند بأكملها بسبب ثرواتها المعدنية الهائلة، وأيضاً لمجرد أنها موجودة، ولأنها "قطعة أرض خالية" كبيرة. من يستطيع أن ينسى نظرة الاستغراب التي علت وجه بنيامين نتنياهو عندما كشف ترمب، خلال مؤتمر صحافي مشترك معه، عن خطته الغريبة لتجريد غزة من سكانها وتحويلها إلى منتجع ساحلي فاخر.
ومهما حدث لأوكرانيا، وحتى لو توسع الاحتلال الروسي لاحقاً، فحقوق التعدين الأميركية الجديدة جنوب شرقي البلاد ستظل في مأمن. وللتذكير، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي حاول ترمب بناء "برج ترمب" في موسكو، ويبدو أنه ما زال يحلم بنصب شخصي يجاور قبابها البصلية.
بمعنى آخر، نحن أمام رئيس يتعامل مع السياسة كصفقة تجارية، سواء لبلاده أو لمصالحه الشخصية وعائلته. ربما ليس من قبيل المصادفة أن مبعوثيه الشخصيين في عملية السلام هذه هما مطور عقاري آخر هو ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنير، اللذان يتمتعان بنفوذ يعادل نفوذ ماركو روبيو في أقل تقدير، بينما يبدو وزير الخارجية أقرب إلى رهينة يوماً بعد يوم. وهما يعلمان أن ترمب يرغب في أن يعرف ما الذي ممكن أن تكسبه أميركا ويكسبه هو شخصياً من كل هذا.
هل هذا تحليل مبالغ فيه؟ غير منصف؟ يكفي النظر إلى السجلات الرسمية. بعد اللقاء الودي بين بوتين وترمب في ألاسكا، قال الرئيس الروسي إن هناك "إمكانات هائلة" في "التجارة والتقنيات الرقمية والتكنولوجيا المتقدمة واستكشاف الفضاء" - وهي موسيقى تطرب آذان إيلون ماسك وجيف بيزوس. وفي الاجتماع نفسه، أبدى ترمب ترحيبه بوجود ممثلي الشركات الروسية وقال إنه "يتطلع" للتعامل معهم. وتشير أحدث وثيقة للأمن القومي الأميركي إلى أن "إعادة الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا" تمثل "مصلحة جوهرية"، وهو تعبير يعني عملياً استئناف العلاقات الاقتصادية الطبيعية مع أوروبا والولايات المتحدة، وتهيئة بيئة مواتية للأعمال.
وبصورة منصفة، ترمب محق في نقطة معينة: روسيا تملك إمكانات اقتصادية واضحة، لكن طبيعة حكم بوتين تعني أن أي نشاط تجاري سيظل خاضعاً لإرادة الكرملين ومهدداً بالمصادرة خلال أي وقت. وإذا كانت الصين والهند عادتا إلى الاقتصاد العالمي وازدهرتا خلال العقود الماضية، فلا يوجد ما يمنع روسيا ما بعد بوتين من السير في الاتجاه نفسه مستقبلاً. لكن ثمن هذه الفرص التجارية المربحة للشركات الأميركية وأوليغارشيي التكنولوجيا هو اعتبار أوكرانيا ملكية مشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا أكثر من كونها دولة أوروبية ذات سيادة.
وبات الشعور يتزايد بأن ترمب وبوتين يسعيان لرسم مناطق نفوذ شبيهة بتلك التي قسم بها العالم بعد الحرب العالمية الثانية. وأوكرانيا ليست وحدها المرشحة للبيع في هذه الصفقة. قد تبدو هذه خلاصة قاسية، لكنها، استناداً إلى المؤشرات الحالية والتصريحات العلنية، قراءة متوازنة ومقلقة للغاية.
© The Independent