ملخص
غالباً ما تكون صناديق التقاعد صاحبة الإشارة الأولى في تحولات السوق الكبرى عبر سرعة ابتعادها من الأخطار والتخلص من مراكزها التي قد تشهد هبوطاً حاداً.
بدأت أسهم التكنولوجيا تعاملات الأسبوع على تراجع، وبخاصة أسهم التكنولوجيا المرتبطة بالعملات المشفرة وتحديداً "بيتكوين"، وذلك قبل أن تتحسن قليلاً أمس الثلاثاء مع ضخ "الاحتياطي الفيدرالي" (البنك المركزي الأميركي) أكثر من 13 مليار دولار من السيولة في السوق.
إلا أن كثيراً من المحللين بدأوا في ترديد مخاوف "الفقاعة" مجدداً، ولا تقتصر هذه المخاوف على أسهم شركات الذكاء الاصطناعي بل تطاول المشفرات أيضاً وجميع الأصول الرقمية، بحسب ما نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" ضمن تقرير لها هذا الأسبوع.
تزامن ذلك مع تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" حول تخلص صناديق معاشات التقاعد البريطانية من الأسهم الأميركية لتقليل الانكشاف على أخطار انفجار فقاعة محتملة في الأصول الرقمية، وبخاصة أسهم الذكاء الاصطناعي.
ونقلت الصحيفة عن مديري الصناديق، التي تدير أكثر من 200 مليار جنيه استرليني (265 مليار دولار) من أموال ملايين البريطانيين الذين يدخرون لتقاعدهم، أنهم يحولون استثماراتهم إلى مناطق أخرى أو يتخذون إجراءات تحوط في مواجهة هبوط أسعار الأسهم.
يأتي هذا الإجراء مع استمرار ارتفاع مؤشر "ناسداك" في بورصة "وول ستريت" داخل نيويورك، الذي أضاف هذا العام أكثر من 20 في المئة إلى قيمته، التي تضاعفت منذ عام 2023.
هذا الارتفاع الكبير نتيجة التضخم في أسعار أسهم ما تسمى "السبع الكبار" من شركات التكنولوجيا، مما يعني تركزاً للسوق في أسهم قليلة مثل "إنفيديا" و"ألفابت" و"ميتا".
خروج صناديق التقاعد
تعد صناديق التقاعد تقليدياً من المستثمرين المؤسساتيين الأقل إقبالاً على الأخطار، وتحرص على تنويع محافظها الاستثمارية لتفادي أية خسائر هائلة مع تقلبات الأسواق، ففي النهاية، يتعين على تلك الصناديق توفير عائد منتظم للمشتركين فيها يسمح بدفع رواتب المتقاعدين ومراكمة رأس المال للمشتركين الحاليين الذين يدخرون لوقت التقاعد.
غالباً ما تكون صناديق التقاعد صاحبة الإشارة الأولى في تحولات السوق الكبرى عبر سرعة ابتعادها من الأخطار والتخلص من مراكزها التي قد تشهد هبوطاً حاداً، لكنها ليست بالضرورة من يطلق الطلقة الأولى في انفجار أية فقاعة، إذ تأتي بداية الانهيار أو التصحيح الحاد من أية جهة غير متوقعة.
بدأت تلك الصناديق بالفعل تحويل استثماراتها جغرافياً، كما فعل صندوق "ستاندرد لايف"، وهو جزء من مجموعة "فينكس" الاستثمارية ويدير أصول معاشات تقاعد بنحو 36 مليار جنيه استرليني (48 مليار دولار) تخص نحو مليوني مشترك، ونحو 60 في المئة من محفظة الأسهم للصندوق في أميركا الشمالية.
بدأ الصندوق الآن خفض استثماراته في الأسهم الأميركية والتحول إلى السوق البريطانية والأسواق الآسيوية، كما يقول مدير الاستثمار فيه كالوم ستيوارت، ويبرر ذلك بأن "ندرك الأخطار المرتبطة بالأسهم الأميركية مثل إجراءات فرض التعريفة الجمركية وتركز القيمة في أسهم شركات التكنولوجيا".
يذكر أن تركيبة استثمارات صناديق معاشات التقاعد تغلب فيها الأسهم بالنسبة إلى المشتركين الذين في بداية دفع الاشتراكات، فعلى سبيل المثال، فإن من لا يزال أمامه 30 عاماً على التقاعد يكون نصيب الأسهم من استثماراته نسبة 70 إلى 80 في المئة، ويتركز غالب تلك الأسهم في شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى.
ما أسباب تنويع المحافظ والابتعاد من التكنولوجيا؟
إلى جانب التحول الجغرافي بعيداً من السوق الأميركية، تلجأ صناديق معاشات التقاعد إلى التخلص من استثماراتها في الأسهم للاستفادة من وضع أسواق السندات حالياً، إذ ترتفع العائدات وتنخفض أسعار السندات.
يقول كبير المستشارين في شركة استشارات الاستثمار "أكس بي آي" نيل مينز إن "التركز في شركات التكنولوجيا الأميركية، إضافة إلى التقييمات العالية جداً بالمعايير التاريخية أو بالمقارنة بقطاعات أخرى، يلفت الانتباه للأخطار التي يمكن أن يتعرض لها المشتركون" في صناديق معاشات التقاعد.
تأخذ صناديق التقاعد حذرها، مستهدية بالإنذار المبكر من أكثر من جهة، مما يدفعها لتنويع محافظها بالخروج من السوق الأميركية والابتعاد من أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، إذ ذكر البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي أن أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى مثل "إنفيديا" و"ألفابت" و"مايكروسوفت" و"ميتا" أصبحت "مبالغاً في تقييمها" مع إقبال المستثمرين عليها بدافع "الخوف من تفويت الفرصة".
وصدرت تحذيرات مماثلة من صندوق النقد الدولي وبنك إنجلترا (المركزي البريطاني) حول الغليان في قيمة أسهم شركات الذكاء الاصطناعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقابل خروج صناديق معاشات تقاعد من السوق الأميركية إلى مناطق جغرافية أخرى أو تنويع محافظها الاستثمارية بعيداً من أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، هناك صناديق تنوع محافظها لكن مع الإبقاء على استثماراتها في الأسهم الأميركية.
مثال على ذلك صندوق "بوردر تو كوست"، الذي يدير استثمارات بنحو 65 مليار جنيه استرليني (86 مليار دولار) من معاشات تقاعد العاملين في المجالس المحلية.
يقول ويل بالارد من صندوق "بوردر تو كوست"، "نرى تغير وضع التنافسية لأسهم الذكاء الاصطناعي، ونتيجة لذلك بدأنا خلال الأشهر الماضية خفض استثماراتنا في ’إنفيديا‘ و’أوراكل‘ مع موازنة ذلك بالاستثمار في الشركات التي نراها مستفيدة من ذلك التغير، مثل ’برودكوم‘ و’أي أم دي‘ و’غوغل‘".
استمرار التحذيرات من فقاعة
للمرة الثانية هذا العام، يحذر بنك إنجلترا من احتمال انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي والأصول الرقمية عموماً.
وبحسب تفاصيل محضر اجتماع لجنة السياسات النقدية للبنك خلال مارس (آذار) الماضي، حذر "المركزي البريطاني" من أن "انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى تصحيح حاد في الأسواق، سيضر بالاقتصاد البريطاني باعتباره اقتصاداً مفتوحاً على الأسواق العالمية".
كان ذلك التحذير متسقاً مع سلسلة من تحذيرات البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى وشركات الاستشارات والبنوك الاستثمارية إزاء المغالاة في قيمة الأصول وخطرها على الأسواق والاقتصاد، إذ كثرت التحليلات التي تقارن الوضع الحالي من تركز قيمة مؤشرات الأسواق داخل بضع شركات تكنولوجيا مع مغالاة كبيرة في تقييم الأصول، مع الوضع الذي سبق انفجار فقاعة "دوت كوم" عام 2000.
هذا الأسبوع، حذر المحافظ أندرو بيلي مجدداً من أن "أسهم الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون فقاعة، حتى لو أن هذه التكنولوجيا تغير العالم فعلاً".
وأضاف أن تقييمات أسواق الأسهم في الولايات المتحدة "قريبة من مستويات لم نشهدها منذ فقاعة ’دوت كوم، قبل 25 عاماً".
وذكر البنك ضمن أحدث تقرير له حول الاستقرار المالي أن "ذلك يزيد من أخطار التصحيح الحاد" في الأسواق.
وأشار تقرير البنك إلى أن "تصرفات السوق" لا تعكس أيضاً المؤشرات إلى الوضع الاقتصادي العام، بالتالي زادت الأخطار على الاستقرار المالي هذا العام.
وأضاف التقرير "تشمل مصادر الأخطار الأهم التوترات الجيوسياسية، والتشظي في التجارة وأسواق المال، والضغوط على أسواق الديون السيادية".