ملخص
تراجعت صادرات النفط الروسية إلى الصين بنحو 500 ألف برميل يومياً منذ أكتوبر الماضي، لتصل إلى 800 ألف برميل يومياً، وهو أدنى مستوى منذ بدء الحرب في فبراير 2022.
في وقت يعرض فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب على فلاديمير بوتين صفقة لإنهاء الحرب، وجهت عقوباته الأخيرة ضربة قوية للرئيس الروسي قد تستمر آثارها إلى ما بعد أي وقف لإطلاق النار.
العقوبات الأميركية المدعومة من واشنطن ضد عملاقي النفط الروسيين "روسنفت" و"لوك أويل" استنزفت مليارات الدولارات من ماكينة الحرب الروسية، ووسعت الفجوة في مالية الكرملين، ودفعت بوتين إلى التحرك سريعاً لاحتواء أزمة اقتصادية تلوح في الأفق.
لكن تأثير العقوبات لم يقتصر على الداخل الروسي، بل يبدو أنه سيدفع موسكو خارج مجال نفوذها التقليدي في أوروبا الشرقية، موجهاً ضربة قاصمة لطموحات بوتين في استعادة "المجد الإمبراطوري" لروسيا.
اضطرت صربيا وبلغاريا، وهما بلدان من دول المعسكر السوفياتي السابق، ولهما روابط تاريخية قوية مع موسكو، إلى التخلص من نفوذ الشركات النفطية الروسية داخل اقتصادهما.
يقول المحلل في "مركز الشؤون الدولية والأمنية" في بلغراد إيغور نوفاكوفيتش، لصحيفة "تليغراف"، "ما نشهده الآن هو إعادة رسم لدوائر النفوذ. لقد انتهى النفوذ التجاري الروسي في هذه الدول، ومعه المصالح السياسية التي كان يجلبها".
بدأت الأزمة في الـ22 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما أعلن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت انضمام الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في فرض عقوبات على "روسنفت" و"لوك أويل"، محملاً بوتين مسؤولية "رفضه إنهاء هذه الحرب العبثية".
ضربة موجعة لطموحات بوتين
في بلغاريا تمتلك "لوك أويل" أكبر مصفاة في البلاد وأكثر من 200 محطة وقود، مما يعني أن ترك الإدارة بيد الروس كان سيؤدي إلى اضطرابات واسعة في الاقتصاد. ولتفادي ذلك، استولت الحكومة أخيراً على أصول الشركة وعينت رئيس هيئة الضرائب السابق وبطل كمال الأجسام رومين سبتسوف كمدير خاص لإدارتها، ومنحت الولايات المتحدة "لوك أويل" ستة أشهر للعثور على مشتر جديد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول كبير الاقتصاديين في "مركز دراسة الديمقراطية" في صوفيا روسلان ستيفانوف للصحيفة، "لوك أويل كانت جوهرة التاج في النفوذ الروسي ببلغاريا. حتى لو انتهت الحرب، تظل السياسة الروسية طويلة المدى معادية لأوروبا، بالتالي لا يمكننا مواصلة التعامل معها. الانفصال الاقتصادي بات ضرورة".
أما في صربيا، التي كثيراً ما سار قادتها على حبل مشدود بين روسيا والاتحاد الأوروبي، فأصبحت مضطرة الآن إلى اختيار جانب، فمصفاة النفط "NIS"، المملوكة لشركة "غازبروم نفت" الخاضعة للعقوبات، أصبحت في "وضع السكون" بسبب عجزها عن شراء النفط. ويأمل الرئيس ألكسندر فوتشيتش أن تمنحه وزارة الخزانة الأميركية استثناء موقتاً يسمح له بإعادة تشغيل المصفاة، إلى حين العثور على مشتر غير روسي.
وعلى رغم محاولة فوتشيتش تجنب إغضاب موسكو، إلا أن واقع الأمر يشير إلى أن الكرملين يفقد أحد أهم أدوات نفوذه. يقول نوفاكوفيتش "بأية صورة من الصور، يبدو أن الروس وغازبروم خارج اللعبة، وستكون النتيجة دفع صربيا باتجاه الغرب بلا شك".
هذه التطورات تمثل ضربة موجعة لطموحات بوتين الذي يؤمن بأن لروسيا "منطقة نفوذ تاريخية" تمتد عميقاً في أوروبا الوسطى والشرقية، وكما قالت إيميليا زانكينا، وهي عميدة "جامعة تيمبل" في روما، "خسارة النفوذ في قطاع الطاقة بشرق أوروبا تدفع الروس إلى الزاوية. لن يختفي نفوذهم تماماً، لكنه سينكمش وربما يتحول أكثر نحو الشبكات الموازية".
تراجع صادرات النفط الروسية
على الجبهة الداخلية، قد تكون الضربة أشد قسوة، إذ تراجعت صادرات النفط الروسية إلى الصين بنحو 500 ألف برميل يومياً منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لتصل إلى 800 ألف برميل يومياً، وهو أدنى مستوى منذ بدء الحرب في فبراير (شباط) 2022. وتراجعت الصادرات إلى الهند وتركيا، فيما اختفت صادرات "لوك أويل" تقريباً، وانخفضت صادرات "روسنفت" البحرية بنسبة 28 في المئة خلال الشهرين الماضيين.
وبسبب العقوبات، تبيع روسيا نفطها بخصومات كبيرة، وخسرت بين 2.5 و5 مليارات دولار شهرياً من عائدات النفط وفق تقديرات "معهد كييف للاقتصاد"، وهذه خسارة تمثل نحو ثلث واردات روسيا الشهرية.
ومع ذلك، يتوقع خبراء أن تتجاوز روسيا الصدمة خلال أشهر، لأن شراء النفط الروسي لا يزال قانونياً، والعقوبات تطاول الشركات فقط، لذلك تلجأ موسكو إلى تغيير هوية البائع عبر شبكات معقدة من الوسطاء، كما فعلت إيران سابقاً، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ارتفعت مبيعات النفط من "جهات مجهولة" إلى مستوى قياسي تجاوز مليون برميل يومياً، وهي الآن في طريقها لتجاوز "روسنفت" كأكبر بائع للنفط الروسي.
لكن على رغم قدرة موسكو على إعادة تدفقات النفط، فإن استعادة الأسعار تبدو أكثر صعوبة، ويبقى السؤال: هل ستكون هذه الضغوط كافية لدفع بوتين إلى قبول صفقة سلام قد لا تلبي شروطه بالكامل؟ يقول ستيفانوف "الروس لن يتراجعوا بسهولة، لكن هذه العقوبات كانت ضرورية إذا كنا جادين في دفع روسيا نحو طاولة المفاوضات".