ملخص
الحقيقة أن تصريح مودي الذي أدلاه بعد الحرب حول معاقبة المخططين كان في الواقع للاستغلال المحلي ويهدف أساساً إلى التأثير في الرأي العام الداخلي، دون أن يكون له أية تداعيات سياسية حقيقية.
لم يكن أحد في باكستان وإلا وخطر على باله عودة الحرب مع الهند لدى سماعه خبر انفجار داخل العاصمة الهندية أخيراً، لأنه جرت العادة أنه ما أن يقع هجوم إرهابي في الهند يسارع الإعلام الهندي وممثلو الحكومة باتهام إسلام آباد بالوقوف خلفه.
وخلال الأعوام الأخيرة صعدت نيودلهي خطوة أخرى بأنها تستهدف مراكز الإرهاب المحتملة داخل باكستان من نفسها، مما أثار المواجهة الدامية بين الطرفين خلال مايو (أيار) 2025.
اتفقت الهند وباكستان على وقف إطلاق النار آنذاك، لكن تصريحات المسؤولين من الجانبين كانت تشير إلى أن الخيط الذي يقوم عليه الاتفاق رفيع، وقد ينقطع في أي وقت تحت ضغط الكراهية والتهديدات المتبادلة بين القوتين النوويتين.
ضمن هذا السياق، وقع الهجوم عبر سيارة مفخخة قرب القلعة الحمراء التاريخية في نيودلهي مما أدى إلى مقتل 15 شخصاً وإصابة 20 آخرين جراء أول عملية في العاصمة الهندية خلال 13 عاماً، لذا توقع الجميع أن الهند ستتهم باكستان وترد على الهجوم بهجوم آخر داخل باكستان وتعود الحرب مرة أخرى، لكن رد الفعل الهندي، والذي أثار دهشة كثر، أثبت خطأ توقعاتهم.
وعلى النقيض من موقفها العدواني بعد هجوم باهالغام الإرهابي الذي استهدف السياح الهندوس في الجزء الخاضع لإدارة الهند من كشمير، اتخذت نيودلهي نهجاً أكثر حذراً هذه المرة، إذ بدلاً من القفز إلى الاستنتاجات خلال وقت مبكر، وصفت الانفجار في السيارة المفخخة بأنه "حادثة" إرهابية (مصطلح فضفاض) وليس "هجوماً" إرهابياً (مصطلح محدد) بعد 48 ساعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
علاوة على ذلك، نسبت الحكومة الحادثة إلى "عناصر معادية للوطن" مما يعكس تركيزاً داخلياً بدلاً من اللوم على الدول الأخرى لا سيما باكستان. ومن المهم أن نذكر على صعيد التحقيقات أنه قبل انفجار القلعة الحمراء، أطلقت شرطة جامو وكشمير تحقيقاً في ملصقات مشبوهة تدعم تنظيم "جيش محمد" داخل المنطقة، مما أدى إلى اكتشاف شبكة إرهابية تضم أطباء تابعين لكلية طبية في فريد آباد.
وخلال المداهمات عثرت الشرطة على 3000 كيلوغرام من المتفجرات واعتقلت عدداً من الأشخاص المهمين، إلا أن طبيباً نجا من الاعتقال ويشتبه أنه متورط في تفجير السيارة قرب القلعة الحمراء، وتشير التحقيقات أيضاً إلى أنه كان يهرب ومعه المتفجرات التي انفجرت فجأة داخل سيارته وسببت الانفجار.
وعلى النقيض من هجوم باهالغام الذي أعلنت جبهة المقاومة مسؤوليتها عنه ثم نفته لاحقاً، لم تعلن أية جماعة رسمياً مسؤوليتها عن انفجار القلعة الحمراء.
ناريندرا مودي
أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بعد وقف إطلاق النار لإنهاء الصراع الذي اندلع بين الـ7 والـ11 من مايو 2025 أن أي هجوم إرهابي في المستقبل من جانب باكستان على الهند سيعد "عملاً حربياً"، وحذر من أن الهند ستستهدف ليس فقط المهاجمين بل المخططين أيضاً. ومع ذلك، فإن إحجام الهند عن إلقاء اللوم على باكستان بعد انفجار القلعة الحمراء يعود إلى أربعة عوامل محتملة.
أولاً، ربما وجد حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم نفسه في فخ سرديته التي روجتها ورفعت توقعات برسم خط أحمر جديد للصراع العسكري ضد باكستان بعد اشتباكات مايو الماضي وتصعيده نحو الحرب، إذ أصبح الحزب أسيراً لخطابه الخاص، ورفع سقف توقعات الرأي العام على المستوى المحلي لدرجة أنه لو حملت الحكومة إسلام آباد مسؤولية انفجار القلعة الحمراء، لضغط الرأي العام الهندي على حكومته لخوض حرب أخرى مع باكستان.
علاوة على ذلك، الحقيقة أن تصريح مودي الذي أدلاه بعد الحرب حول معاقبة المخططين كان في الواقع للاستغلال المحلي ويهدف أساساً إلى التأثير في الرأي العام الداخلي دون أن يكون له أية تداعيات سياسية حقيقية.
على سبيل المثال، لم يكن واضحاً نوع الهجوم الإرهابي الذي قد يشعل فتيل حرب بين الهند وباكستان. هل يؤدي هجوم واحد تشارك فيه باكستان ويسفر عن مقتل شخص واحد فقط إلى إشعال حرب بين الدولتين النوويتين؟
وأدلى الحزب الحاكم بتصريحات مبهمة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية مما أثار كثيراً من التساؤلات وزادت من الضغط على الحكومة، إذ لو ألقت دلهي باللوم على باكستان ووصفت انفجار القلعة الحمراء بالإرهابي لتزايد الضغط لشن رد عسكري قوي عليه على المستوى المحلي.
العامل الثاني من الأسباب المحتملة الأخرى لعدم إلقاء الهند اللوم على باكستان يتعلق بالمجتمع الدولي، وهو الخوف من الضرر الذي لحق بسمعة الهند على صعيد الاتصالات الاستراتيجية خلال صراع مايو، إذ إلى جانب خسارتها مقاتلات أمام باكستان فشلت نيودلهي في حرب المعلومات أيضاً على جبهات عدة، بل إن دور الإعلام الهندي أثناء الحرب أصبح محل سخرية في الدولتين عندما ادعت بأن الجيش الهندي سيطر على ميناء كراتشي واستولى على لاهور.
والأهم من ذلك أن الهند لم تقدم أي دليل موثوق على تورط باكستان في هجوم باهالغام للمجتمع الدولي واكتفت بإلقاء اللوم على باكستان في الحرب، مستشهدة بأحداث الماضي التي تورطت فيها باكستان في العمليات الإرهابية داخل الهند كمبرر.
ولكن نظراً إلى غياب أدلة قطعية لم تتمكن من الحصول على أي دعم دبلوماسي من العالم الغربي، وبرزت الهند كطرف معتدٍ أمام العالم متكبدة خسائر كبيرة على الجبهتين العسكرية وغير العسكرية.
ودحض تقرير صدر أخيراً عن الكونغرس الأميركي الادعاءات الهندية، لذا لو اتهمت الهند في مثل هذه الظروف باكستان مجدداً لكان المجتمع الدولي طالبها بأدلة دامغة، إذ علمت الهند بالطريقة الصعبة بعد باهالغام أن العالم لم يعد يصدق دعاواها نحو باكستان دون وجود أدلة قاطعة.
ثالثاً، قد يكون الخوف من هزيمة عسكرية محتملة سبباً آخر لتردد الهند في إلقاء اللوم على باكستان، إذ خسرت الهند ما لا يقل عن خمس إلى ست طائرات مقاتلة بما في ذلك طائرات "رافال" الفرنسية في الاشتباك الذي أعقب باهالغام.
وأُثيرت تساؤلات جدية حول قدرة الهند على فرض سيطرتها على باكستان والفوز في حرب قصيرة، مما أدى أيضاً إلى تغيير في العقلية الأميركية لتعزيز دور الهند كقوة موازنة استراتيجية للصين.
وتضررت مزاعم الهند بأنها "الضامن الرئيس للأمن" في آسيا بشدة بعد تكبدها خسائر فادحة على يد جارتها الأصغر. لذلك، فإن الهند ليست في وضع يسمح لها بتحمل أية خسائر إضافية لا عملياً ولا نفسياً، لذا اعتمدت نيودلهي نهجاً حذراً هذه المرة بدلاً من العدوان المفتوح كما في الماضي.
العامل الرابع والأخير خلف تجنب الهند اتهام باكستان، وجود ضغط على الهند في سياق الأوضاع الجيوسياسية، إذ منذ صراع مايو زعم دونالد ترمب مراراً أنه أقنع البلدين بالموافقة على وقف إطلاق النار، وتجنَّب حرباً نووية محتملة.
من جانب آخر، الهند والولايات المتحدة حالياً في المراحل النهائية لإبرام اتفاق تجاري من شأنه خفض الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب بنسبة 50 في المئة، ولن تخاطر الهند بأي عمل قد يثير غضب ترمب الذي يشعر بالاستياء أصلاً من الهند لعدم اعترافها بجهوده الرامية إلى "إحلال السلام" في جنوب آسيا خلال هذه المفاوضات الحساسة.
وتخشى نيودلهي أنها لو اتهمت باكستان بشن هجوم إرهابي آخر دون أي دليل، ولو أدى ذلك إلى عمل عسكري، فإنه قد يؤثر أو يعرقل المحادثات مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، لا يزال الوضع متوتراً في بين الجارتين النوويتين إذ لا تزال الاستراتيجية العدوانية الهندية قائمة لا سيما أنها أوضحت أن "عملية سيندور" لم تنته بل عُلقت فحسب.
نقلاً عن "اندبندنت أوردو"