Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تفاصيل خطة بوتين لتحويل الشتاء الأوكراني إلى جحيم

الصمود خلال فصل الشتاء البارد بات مستحيلاً دون كهرباء أو تدفئة، والمواطن الأوكراني المعتاد على المعاناة يواجه الآن أصعب اختبار منذ بداية الحرب

جندي أوكراني في مدينة كوستانتينيفكا الواقعة على خطوط الجبهة، التي شهدت معارك ضارية بين القوات الأوكرانية والروسية في منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا (أ ب)

ملخص

تسعى روسيا عبر هجمات مكثفة على البنية التحتية الأوكرانية إلى تحويل الشتاء إلى سلاح قاتل لكسر صمود كييف، فيما تواجه أوكرانيا أزمة طاقة وفساداً داخلياً، وترد بضربات محدودة على المصافي الروسية، في حرب استنزاف تتصاعد وسط رهانات بوتين على انهيار الحياة المدنية.

الظلام والبرد هما السلاحان القاسيان في حملة روسيا الإرهابية على قطاع الطاقة، الهادفة إلى سحق أوكرانيا هذا الشتاء. فمنذ ثلاث سنوات والكرملين يحاول منهجياً تدمير منظومات الكهرباء والتدفئة والنقل في البلاد — دون أن ينجح حتى الآن. لكن هذا الشتاء قد يكون اللحظة التي تُرهق فيها الدفاعات الجوية الأوكرانية تماماً، إذ وصلت الاستراتيجيات الروسية إلى مستوى غير مسبوق من التدمير، مستخدمةً تكتيكات جديدة تهدف إلى جعل مدن ومناطق كاملة غير صالحة للعيش.

أولاً، وبشكل لافت، باتت القوات الروسية أكثر براعة في الإفلات من الدفاعات الجوية من خلال إطلاق صواريخ باليستية ومجنحة وطائرات مسيرة في أسراب ضخمة غير مسبوقة. ففي الأسبوع الماضي، تعرضت كييف لقصف متواصل لأكثر من خمس ساعات، إذ أُطلق نحو 430 مسيرة وقرابة 20 صاروخاً ضربت شبكات الكهرباء وساحات السكك الحديدية ومحطات الطاقة العاملة بالغاز، إضافة إلى مبانٍ سكنية. وقد قُتل ما لا يقل عن ثمانية مدنيين.

وقبل أيام قليلة، أدت غارة أخرى إلى انقطاع الكهرباء عن نصف العاصمة طوال معظم اليوم. وبسبب تصاعد الهجمات خلال الأسبوع، اضطرت السلطات الأوكرانية إلى فصل أجزاء واسعة من شبكة الكهرباء لمدة وصلت إلى 16 ساعة لإجراء إصلاحات واسعة النطاق. ومع انخفاض درجات الحرارة، أصبح هجوم الكرملين متواصلاً بلا هوادة.

وتكمن براعة الاستراتيجية الروسية في استهداف مفاصل الحياة الأساسية داخل المدن، فهي تراهن على نقطة الانهيار التي تفقد معها المدينة قدرتها على الصمود. فعلى سبيل المثال، قد يكون باستطاعة السكان التأقلم مع انقطاع الكهرباء لثلاث ساعات يومياً، أما إذا طال الانقطاع إلى ثماني ساعات، تصبح الحياة شبه مستحيلة. وتعتمد معظم المدن الأوكرانية على أنظمة تدفئة مركزية تخدم أحياء كاملة من خلال شبكة واحدة مشتركة. وحين تتعرض هذه المنظومات لضربات أثناء الشتاء القارس، يتجمد الماء في الأنابيب، ومن ثم تنفجر، ما يترك أمام السكان خياراً واحداً هو الإخلاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقول آنا خومنكو، مترجمة وأمين متحف من كييف: "تعودنا على روتين انقطاع الكهرباء؛ نشحن بطارياتنا، ونملأ الأحواض بالماء العذب، وأصبح الأطفال يذاكرون على ضوء المصباح اليدوي. لكن عندما ينقطع التيار تماماً، يجب أن نصعد سبعة طوابق على الأقدام، والشوارع مظلمة وزلقة، ربما حان وقت الرحيل فعلاً". وتضيف أن العديد من زملائها وأصدقائها يفكرون جدياً في مغادرة البلاد.

أما وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس فقال الأسبوع الماضي: "من الواضح أن بوتين يهدف لجعل الشتاء لا يُحتمل لأوكرانيا، لتدمير الروح المعنوية وكسر مقاومة الشعب الأوكراني، لكنه لم يحقق ذلك بعد". غير أن برلين تستعد، بحسب مسؤول ألماني كبير، لاستقبال موجة جديدة من اللاجئين الأوكرانيين هذا الشتاء، مشيراً إلى أن رحيلهم لن يكون نتاج انهيار معنوي، بل استحالة العيش في الشتاء دون نور أو دفء.

والمثير للانتباه أن الروس أنشأوا منظومة تجسس ومراقبة فعالة للغاية، حيث ازدادت دقة وفعالية ضرباتهم بشكل ملحوظ. والأخطر أن هناك خطة متعمدة من موسكو لتجنب قصف محطات الكهرباء المركزية بقدرة 750 كيلو فولت، التي تربط الأقاليم ببعضها وتشكل عماد الشبكة الوطنية للطاقة.

وقد بقيت معظم هذه المحطات سليمة تقريباً حتى الآن، ويبدو أن السبب وراء ذلك ليس من باب الرحمة، بل من المرجح أن بوتين ينتظر أكثر أيام الشتاء قسوة ليوجه الضربة القاضية ويعزل محافظات بأكملها عن جيرانها، مانعاً إياها من تبادل الطاقة والبقاء على قيد الحياة.

وحتى مبنى الإدارة الرئاسية في شارع بانكوفا وسط كييف لم يكن بمنأى عن هذه الهجمات، فقد غرق المبنى في ظلام دامس أثناء إجراء الرئيس فولوديمير زيلينسكي مقابلة مع صحافي غربي الأسبوع الماضي، في مشهدٍ حمل رمزية بالغة، خصوصاً أن المكانة الشخصية لزيلينسكي تراجعت إثر فضيحة فساد ضخمة طالت أقرب حلفائه السياسيين وشركائه في الأعمال، الذين اتُهِموا بالاستيلاء على نحو 100 مليون دولار من المخصصات المرصودة لتعزيز دفاعات منشآت الطاقة الأوكرانية.

ومنذ اندلاع الحرب، حصلت شركة الكهرباء الوطنية الأوكرانية "أوكرإنرغو" على مساعدات غربية بقيمة 1.5 مليار يورو (1.32 مليار جنيه إسترليني)، وشيدت 60 ملجأً خرسانياً لحماية المحولات الرئيسة. إلا أن مكتب مكافحة الفساد الوطني الأوكراني كشف عن تورط عدد من كبار المسؤولين بينهم تيمور مينديتش، الشريك المؤسس مع زيلينسكي لشركة الإنتاج التلفزيوني "كفارتال 95" Kvartal 95، ووزير العدل هيرمان هالوشتشينكو، بالإضافة إلى سبعة أشخاص آخرين في تلقي رشاوى من عقود التحصينات الدفاعية. ونتيجة الانقطاعات الشديدة واتهامات الفساد في أعلى مستويات الدولة، تتجه الأزمة إلى منعطف سياسي خطير.

وفي المقابل، أحرزت أوكرانيا تقدماً في تنفيذ ضربات جوية بعيدة المدى استهدفت مصافي النفط والموانئ داخل الأراضي الروسية. وبفضل التقنيات الحديثة، بات في وسعها ضرب أكثر من نصف المصافي في غرب روسيا، وهو ما انعكس بشكل ملموس على إنتاج النفط المحلي وتوفر الوقود. إلا أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية تمكنت حتى الآن من إسقاط حوالى 95 في المئة من الطائرات المسيّرة الأوكرانية، ونظراً لضآلة حمولة الذخائر، لم تسفر سوى نصف المسيّرات التي وصلت أهدافها عن أضرار فعلية.

إلا أن تقريراً حديثاً للخبير جاك واتلينغ بمعهد "الخدمات الموحدة الملكي في لندن" ذكر أن "هناك أسباباً وجيهة للاعتقاد بأن أوكرانيا قادرة على تحسين فعالية ضرباتها عام 2026، [ولكن] السؤال هو إلى أي مدى قد يؤدي الجمع بين العقوبات والضربات إلى خلق مشكلة تدفق نقدي للكرملين".

بعبارة أخرى، بات كلا الطرفين يرفع مستوى الهجمات الجوية في حرب استنزاف متصاعدة. وعلى الأرض، يواصل الجيش الروسي تقدمه البطيء والدامي في الدونباس، وبوتيرة أسرع وأكثر خطورة في جنوب زابوروجيا. وفي هذا الصدد، كتب نائب وزير الدفاع الأوكراني السابق فيتالي دينيغا، مؤسس "ارجع حياً" Come Back Alive – وهي مؤسسة أوكرانية تدعم القوات العسكرية - على فيسبوك: "رغم التصريحات الرسمية المتفائلة، الوضع أعقد بكثير من السيطرة، ويتوجب على القوات الأوكرانية مغادرة المدن المحاصرة بينما لا يزال ذلك ممكناً".

لا يزال بوتين يعتقد أن بإمكانه إجبار كييف على الخضوع، ولهذا رفض حتى شروط السلام السخية التي عرضها عليه دونالد ترمب في ألاسكا. فالحسم لن يكون على خطوط المواجهة البطيئة، بل في أجواء المدن الأوكرانية، حيث يراهن الروس على توجيه الضربة القاتلة للبنية التحتية الحيوية. ويظل اختبار صمود المواطن الأوكراني أمام أقسى فصول الحرب حتى الآن.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل