ملخص
يؤكد الخبراء منذ أعوام أن أزمة الطاقة في إيران هي نتيجة عقود من الإهمال وسوء الإدارة وتقديم الأولويات الصاروخية والنووية والإقليمية على حساب الحاجات الأساسية، فيما يدفع المواطنون ثمن هذه الأولويات برئاتهم وقلوبهم وفي النهاية بأرواحهم.
في وقت يعيش عشرات الملايين في المدن الكبيرة والصغيرة بإيران تحت وطأة أزمة تلوث هواء مزمنة ويخشون الإصابة بأمراض تنفسية وقلبية، تواصل السلطات نهجها المدمر المتمثل في حرق المازوت بمحطات توليد الكهرباء.
وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن المازوت أو زيت الوقود الثقيل، الذي تخلت عنه حتى الدول الفقيرة بسبب شدة تلوثه، لا يزال معتمداً من قبل الحكومات المتعاقبة في إيران.
وفي مدينة أراك، التي تعد من أكثر المدن تلوثاً في البلاد، اشتعلت من جديد نيران حرق المازوت في محطة "شازند" الحرارية، وذلك بالتزامن مع بداية فصل البرد، حيث تعاني المدينة من ظاهرة الانعكاس الحراري وتراكم الملوثات.
ويقول مدير مؤسسة "سبزاندیشان" أراك البيئية، حميد أخوان، إن "حرق المازوت بات إدماناً لدى المسؤولين لكنه إدمان مدمر للمجتمع". ويضيف أن هذا الإدمان بدأ في السابق بذريعة نقص الغاز، لكنه استمر حتى في فصل الصيف، بينما يخفي المسؤولون تقصيرهم ومصالحهم خلف قرارات المجلس الأعلى للأمن القومي.
ويؤكد ناشطون بيئيون أن وزارة الطاقة ومديري المحطات يستندون إلى قرارات سرية للتهرب من أي رقابة. ويشدد أخوان على أن المحطات لا تريد دفع تكلفة تطوير أنظمتها أو زيادة قدرة استهلاك الغاز. المازوت رخيص ويوفر أرباحاً أكبر لمحطات تعمل وفق موازنة الدخل-المصروف، ولهذا أهملت لأعوام واجباتها القانونية في خفض الانبعاثات والالتزام بقانون الهواء النظيف.
مشكلات في التنفس
ويشير إلى أن الناشطين البيئيين التزموا الصمت خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً في الصيف، وهي الذريعة التي استخدمت آنذاك لبدء حرق المازوت، نظراً للظروف الاستثنائية، لكن الآن لم تعد هناك أي مبررات، فيما تستغل محطة "شازند" الوضع بصورة واضحة.
من أراك وكرج وطهران إلى مازندران والأحواز وأصفهان، لا تقتصر هذه الأزمة على طهران أو أراك فحسب، إذ تظهر أحدث بيانات الأرصاد الجوية أن جميع المدن الكبرى في إيران تواجه موجة شديدة من التلوث خلال الأسابيع الأخيرة.
في مازندران، تظهر مقاطع مصورة وصلت إلى صحيفة "اندبندنت فارسية" من مدينة نوشهر ونكا وآمل وتشالوس، أن الدخان الكثيف غطى سماء المدن، فيما يشير الخبراء إلى أن السبب الرئيس هو نقص إمدادات الغاز وعودة محطات الكهرباء والصناعات المختلفة إلى استخدام زيت الوقود الثقيل (المازوت). وعلق أحد متابعي صحيفة "اندبندنت فارسية" على هذه المقاطع على "إنستغرام" بسخرية قائلاً إنه ربما كان تلويث هواء مازندران وشمال إيران أصعب مهمة نجح النظام في إنجازها.
وأما في الأحواز، عادت محطتا "رامين" و"مدحج" إلى حرق المازوت، ما أدى إلى تدهور نوعية الهواء في مناطق عدة، بينها مدينة الحويزة التي وصلت فيها المؤشرات إلى الوضع البنفسجي شديد الخطورة. ووفق تقارير محلية، سجلت مدينة الأحواز في يوم واحد فقط أكثر من 700 حالة راجعت المراكز الطبية بسبب مشكلات في التنفس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشهدت أصفهان هذا العام يومين فقط من الهواء النظيف. وأكد نائب المدينة في البرلمان الإيراني أن محطة منتظري لم تجر فيها أي استثمارات لتحويلها إلى الغاز، لأن لا أحد مستعد لتحمل التكاليف، ولأن حرق المازوت يبقى دائماً الطريق الأسهل.
وخلال الأسبوع الجاري، انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة كثيرة تظهر التلوث الشديد في مدن كرمان وكرج وقزوين وزنجان.
وفي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، ارتفع مجدداً صوت سكان أراك، إذ تجمع عشرات الأشخاص أمام مبنى المحافظة حاملين لافتات كتب عليها: التنفس حقنا. وقال ناشطون بيئيون في المحافظة لوكالة "إیلنا" للأنباء، إن مدينة أراك ضحية الفساد المرتبط بالطاقة، وإن المسؤولين بدلاً من تحديث البنى التحتية اختاروا أسهل وأخطر حل، وهو حرق المازوت.
14 محطة كهرباء تحرق المازوت
أكد وزير الطاقة في حكومة الرئيس مسعود بزشكیان، عباس علي أبادي، الأسبوع الماضي أن 14 محطة كهرباء في أنحاء إيران تستخدم المازوت، مشدداً على أن الغاز المنزلي أولوية في موجات البرد الشديد، وأن محطات الكهرباء لا خيار أمامها سوى استخدام المازوت للاستمرار في إنتاج الكهرباء.
وتعني هذه التصريحات استمرار الحلقة القاتلة لتلوث الهواء في الأشهر المقبلة، وهي حلقة أودت بحياة أكثر من سبعة آلاف شخص في طهران وحدها العام الماضي، في حين لم تشهد العاصمة هذا العام سوى ستة أيام من الهواء النظيف.
وعلى رغم تحذيرات الأطباء من الآثار طويلة المدى لتلوّث الهواء- من الوفيات المبكرة إلى أمراض القلب والجلطات والربو وتراجع نمو رئة الأطفال والأضرار الدماغية- تواصل السلطات الإيرانية رفض تحديث محطات الكهرباء، أو استبدال الوقود الملوث بوقود نظيف، أو الاستثمار في البنية التحتية للطاقة.
ويؤكد الخبراء منذ أعوام أن أزمة الطاقة في إيران هي نتيجة عقود من الإهمال وسوء الإدارة وتقديم الأولويات الصاروخية والنووية والإقليمية على حساب الحاجات الأساسية، فيما يدفع المواطنون ثمن هذه الأولويات برئاتهم وقلوبهم وفي النهاية بأرواحهم.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"