ملخص
تشير البيانات إلى أن ارتفاع دخل الأفراد يدفعهم إلى الإنفاق بصورة أكبر على عنصرين، هما السفر والسكن، ومع دخول مزيد من الأشخاص إلى شريحة الأجور المرتفعة، أصبح الطلب على المنازل أكبر دافع لارتفاع الأسعار.
بالنسبة إلى غالبية الناس تعد منازلهم أكبر أصولهم، ومع افتراض أن الحكومة البريطانية لن تفرض ضرائب إضافية عليها تبقى ملكية السكن أفضل مخزن آمن للثروة عند التقاعد، ولهذا أصبح المجتمع البريطاني مهووساً بأسعار المنازل.
وعادة ما يوكل تقدير قيمة المنازل لوكلاء العقارات الذين ينظرون إلى الأسعار المقارنة، وللاقتصاديين الذين يقيسون القدرة على تحمل الكلف وفقاً لدخل الأفراد وقيمة المنازل، وعلى رغم أنها أدوات مفيدة فإنها لا تعطي الصورة الكاملة.
في المقابل، يناقش بصورة أقل كيفية أثر تغير توزيع الدخول داخل بريطانيا في أسعار المنازل، وما الذي يعنيه ذلك لمستقبل قيمتها.
الطلب يرتفع والعرض ثابت
العرض شبه الثابت للمساكن داخل بريطانيا له تأثير كبير في الأسعار، فعندما يمكن زيادة إنتاج سلعة ما يلبي المصنعون الطلب بزيادة الإنتاج، لكن زيادة عدد المساكن عملية معقدة وصعبة لأسباب عديدة. والحكومات المتعاقبة حددت هدف بناء 300 ألف منزل كل عام لكنها فشلت باستمرار في تحقيقه، والنتيجة هي منافسة شرسة على المعروض القائم.
وخلال الوقت نفسه أدت التغيرات الكبيرة في توزيع الدخول منذ أوائل الثمانينيات إلى ارتفاع حاد في أسعار المنازل، فالعرض الثابت اصطدم بعدد متزايد من الأشخاص الذين يتقاضون أضعاف متوسط الدخل، مما أدى إلى ما يمكن تسميته "التسعير بالمزاد".
كيف تغيرت الدخول؟
خلال عام 1979 كان متوسط الدخل في بريطانيا 3600 جنيه استرليني (4737 دولاراً)، وبحلول عام 2019 ارتفع إلى 30 ألف جنيه استرليني (39.48 ألف دولار)، ليس بسبب التضخم فحسب بل نتيجة تغير جذري في توزيع الدخول.
وخلال ذلك الوقت كان التوزيع أكثر تماسكاً، إذ كانت 70 في المئة من الأسر تكسب ما بين 2000 و5000 جنيه استرليني (2.6 - 6.5 ألف دولار)، بينما اليوم ووفق بيانات 2023 - 2024، فلكي يشمل هذا النطاق 70 في المئة من الأسر يجب أن نتحدث عن دخول تراوح ما بين 12500 و47000 جنيه استرليني (16.45 و61.84 ألف دولار).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعليقاً على ذلك، يقول كبير الاقتصاديين داخل بنك "هاندلسبانكن" في المملكة المتحدة جيمس سبرول لصحيفة "التايمز"، إن "هناك ثلاثة أسباب رئيسة، أولاً خلال عام 1979 كان الاقتصاد البريطاني يعتمد على التصنيع، وكانت قيمة الموظف مستمدة من وجوده في العمل وليس من مهارات فردية، أما اليوم وفي اقتصاد الخدمات، تقيم الشركات الموظفين وفق مهاراتهم المتخصصة وتدفع لهم وفقاً لذلك، ثانياً خلال تلك الفترة كان نصف العمال أعضاء في النقابات، وهذه النقابات كانت تعارض التفاوت الكبير في الرواتب مما حد من اتساع فجوة الدخول، أما الآن فلم تعد النقابات لاعباً مؤثراً في القطاع الخاص".
وحول السبب الثالث يوضح جيمس سبرول "كان أعلى معدل ضريبة دخل يصل إلى 83 في المئة، مما قتل الحافز للعمل أكثر، ولكن مع خفض حكومة مارغريت تاتشر لهذه النسبة، ارتفع الحافز لتحقيق دخول أعلى".
ارتفاع الدخول يساوي منافسة أعلى على السكن
وتشير البيانات إلى أن ارتفاع دخل الأفراد يدفعهم إلى الإنفاق بصورة أكبر على عنصرين، هما السفر والسكن، ومع دخول مزيد من الأشخاص إلى شريحة الأجور المرتفعة، أصبح الطلب على المنازل أكبر دافع لارتفاع الأسعار.
ولكن خلال عام 1979، إذا كنت تكسب ضعف متوسط الدخل، كان 12 في المئة فحسب من السكان ينافسونك على العقارات الفاخرة، أما خلال عام 2006 تضاعف عدد من يكسبون ضعف متوسط الدخل وجميعهم أرادوا منازل أكبر.
لكن الأمور تغيرت بعد الأزمة المالية العالمية 2007 - 2008، إذ تباطأت هذه التحولات الكبيرة في توزيع الدخول ووصلت إلى نقطة استقرار، وهذا يعني أن المحرك الرئيس غير المرئي لارتفاع أسعار المنازل فقد زخمه.
النتيجة: نمو الأسعار لن يتكرر كما في الماضي
يقول جيمس سبرول إن كثراً يظنون أن ما حدث خلال العقود الماضية سيستمر، لكن الحقيقة أن الارتفاعات الكبيرة في أسعار المنازل على مدى الأعوام الـ50 الماضية من غير المرجح أن تتكرر.
ويضيف "على رغم أن السكن لا يزال استثماراً آمناً ومصدراً مهماً للثروة المتراكمة، فإنه لن يحقق العوائد نفسها التي حققها في الماضي"، قائلاً "لقد عملت الآلية السحرية لارتفاع الأسعار مرة واحدة ولن تتكرر بالوتيرة نفسها".