ملخص
انتشرت على منصات التواصل منشورات ومقاطع زعمت وقوع حريق داخل المتحف المصري الكبير، وتبين أنها مزيفة أُنتجت باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
مع افتتاح المتحف المصري الكبير مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، باعتباره أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة بفضل بنيته الضخمة المصممة لاستيعاب أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، استقطب الحدث اهتماماً محلياً ودولياً لافتاً، وبالتوازي تصاعدت موجة من الإشاعات على منصات التواصل الاجتماعي، انطلقت عبر حسابات مجهولة.
تداولت تلك الحسابات، التي لاقت انتشاراً واسعاً، مزاعم عن عرض تماثيل مقلدة وقطع أثرية غير أصلية، وانتشرت منشورات أخرى تحدثت عن إدارة أجنبية للمتحف أو عن اندلاع حريق داخله، وانضمت هذه الإشاعات إلى حملات سابقة تناولت "بيع المتحف نفسه".
إشاعة الطرق المغلقة
رصدت "اندبندنت عربية" تصاعد وتيرة المعلومات المزيفة المغلوطة حول المتحف المصري الكبير وتناميها قبيل حفل افتتاحه، حين انتشرت عبر حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مزاعم حول إغلاق الطرق الرئيسة والشوارع أمام المواطنين لتسهيل مرور الوفود المشاركة في الاحتفالات.
سرعان ما أكدت المصادر الرسمية المصرية أن حركة المرور في جميع الطرق والمحاور بمحافظتي القاهرة والجيزة ظلت طبيعية، نافية صدور أي قرارات لإغلاق الشوارع لتسهيل حركة الوفود خلال فعاليات الافتتاح.
ومع ذلك، حظيت الإشاعة بتأثير واسع، حيث يقول الثلاثيني إسلام محمد الذي يعمل في إنتاج الأخبار التلفزيونية، لـ"اندبندنت عربية"، "على رغم النفي الرسمي من وزارة الداخلية وطبيعة عملي، كنت قلقاً من صعوبة الوصول إلى مدينة الإنتاج الإعلامي يوم افتتاح المتحف، بسبب إشاعات إغلاق بعض الطرق، ومنها طريق الواحات الذي تقع فيه المدينة، مما جعلني أخشى عدم تمكني من الوصول إلى مقر عملي."
وأضاف محمد، "خلال ذهابي وعودتي لاحظت سيارات تابعة لوزارة الداخلية، لكن الطرق كانت مفتوحة تماماً ودون أي قيود"، معتبراً أن هذه الإشاعة كانت من أكثر ما انتشر حول المتحف.
لم يبد طارق توفيق، المشرف العام السابق على المتحف المصري الكبير، استغرابه من الإشاعات التي رافقت افتتاح المشروع والتي تزامنت مع الزخم الكبير المحيط بالمتحف. وقال لـ"اندبندنت عربية" إن نجاح المتحف وتزايد أعداد الزائرين، لا سيما من المصريين، أسهما في تصاعد هذه الحملات الإعلامية المغلوطة.
تماثيل مزيفة تغزو المنصات
يفند المشرف السابق على المتحف المصري الكبير طارق توفيق الإشاعات التي انتشرت حول عرض قطع أثرية غير أصلية داخل المتحف، موضحاً أن عملية نقل القطع الأثرية استغرقت نحو 15 عاماً، مما ينفي أي ادعاءات تتعلق بتزييف المعروضات. وروجت بعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لمقطع فيديو يظهر آثاراً مقلدة وحديثة الصنع، مع الادعاء أنها معروضة داخل المتحف.
ويظهر مقطع الفيديو، الذي جرى تداوله على نطاق واسع، شخصاً لديه موهبة في النحت يصنع بيده تمثالاً منسوباً إلى تحتمس الثالث، ويطلب من المتابعين الذين يرغبون في نحت أي شيء التواصل معه.
واستخدم المقطع من قبل بعض الحسابات مع كتابة منشورات أعلى الفيديو تزعم أن المعروض في المتحف المصري الكبير صنع حديثاً وتقليداً، وأن القطع الأصلية نقلت إلى خارج البلاد.
وبالفحص تبين أن الفيديو يظهر فناناً مصرياً من الأقصر مميزاً في النحت، ولا علاقة له بالمتحف المصري.
ويعلق طارق توفيق على تفاعل البعض مع هذه المقاطع المزيفة، قائلاً "من المحزن أن تختلق شريحة من الناس روايات لتشويه مشروع مثل المتحف الكبير، بدلاً من الاحتفال بإنجاز يجلب الخير للبلد، على رغم استفادة آلاف المصريين العاملين في قطاع السياحة من الترويج الجديد للمتحف".
ولم تكن فعاليات حفل افتتاح المتحف المصري الكبير بمنأى عن الإشاعات، حيث روجت بعض الصفحات لادعاءات أن واجهة المتحف كانت موقتة، جرى التخلص منها في الشوارع بعد انتهاء الحفل.
بنبرة ساخرة، يقول أحد المشرفين السابقين على بناء المتحف، "هذه إشاعة ليست منطقية، كأننا نقول إن برج القاهرة أُزيل من مكانه، فالواجهة طولها 800 متر وارتفاعها 50 متراً".
ونفت وزارة السياحة والآثار ما جرى تداوله في هذا الشأن، مؤكدة أن هذه المواد ليست جزءاً من أي عنصر معماري أو إنشائي بالمتحف، والمظهر العام يعاد إلى حالته الطبيعية فور الانتهاء من أعمال ما بعد الحفل، وأكدت الوزارة عدم صحة ما جرى تداوله حول ترك أغطية بلاستيكية ممزقة ملقاة على الأرض حول السور المحيط بالمتحف.
"ما ظهر في الصور والفيديو المتداول يتعلق بأغطية بلاستيكية موقتة وضعتها الشركة المنظمة لحفل الافتتاح فوق حواجز خشبية موقتة خلال أعمال التجهيز، لحماية المنطقة المحيطة والحفاظ على المظهر العام"، وأضافت أن إزالة هذه الأغطية والحواجز بدأت تدرجاً، وسيكتمل العمل وفق خطة منظمة، على أن يبقى السور الحديدي للمتحف فقط بعد انتهاء جميع أعمال الإزالة.
وبحسب طارق توفيق فإن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي على واجهات المتحف خلال الافتتاح ربما أوحى للبعض بتغييرات معينة، مؤكداً أن الواجهة الأصلية لم تتغير. وشدد توفيق على أن أي مشكلات لوجستية تواجهها إدارة المتحف تُعد أموراً طبيعية في المؤسسات الكبرى حول العالم، وتسهم في تحسين الأداء مستقبلاً.
وفي الـ10 من نوفمبر الجاري، انتشرت على منصات التواصل منشورات ومقاطع زعمت وقوع حريق داخل المتحف المصري الكبير، وتبين أنها مزيفة أُنتجت باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
وأوضح مصدر في وزارة السياحة والآثار أن الصور والفيديوهات تهدف لجذب المشاهدات، مشيراً إلى أن المتحف استقبل الزوار بصورة طبيعية وسط إقبال كبير، وأن الاهتمام الكبير بالافتتاح دفع بعض الحسابات لنشر محتوى مضلل لزيادة نسب المشاهدة.
ملكية المتحف
في ما يخص تمويل المتحف الذين يمتد على مساحة إجمالية تقارب 500 ألف متر مربع، أوضح طارق توفيق أن بعض وسائل الإعلام روجت لمعلومات مغلوطة تفيد بأن المتحف بني بالكامل من منحة يابانية، مشيراً إلى أنه جرى تمويله من خلال قرضين بفوائد بسيطة إلى جانب التمويل المصري.
وأضاف توفيق، "لا ننكر أن الجانب الياباني أسهم في أعمال الترميم وفي مشروع مركب خوفو، لكن بناء المتحف جرى بتمويل مصري كامل يجمع بين القرض الياباني والتمويل المحلي".
يقدر الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف أحمد غنيم الكلفة الإجمالية للمتحف المصري الكبير بنحو 1.2 مليار دولار، منها 750 مليون دولار على شكل قروض، فيما جاء البقية من التمويل الحكومي المصري.
وقدمت اليابان القرضين على فترتين، الأول بقيمة 280 مليون دولار عام 2006 بفائدة 1.5 في المئة، يسدد خلال 30 عاماً، والثاني بقيمة 460 مليون دولار عام 2016 بفائدة 1.4 في المئة على 25 عاماً لاستكمال أعمال البناء.
وحول مزاعم ملكية المتحف الذي يضم 12 قاعة عرض رئيسة صممت لتقديم تجربة متكاملة تجمع بين الأثر والمعرفة والترفيه لجهات أجنبية، نفت وزارة السياحة والآثار ما جرى تداوله على بعض مواقع التواصل الاجتماعي في شأن منح وكالة التعاون الدولي اليابانية (جايكا) حق إدارة المتحف المصري الكبير لمدة 10 أعوام، مؤكدة أن هذا الادعاء عارٍ تماماً من الصحة.
وأوضحت الوزارة أن القرضين اليابانيين الميسرين اللذين حصلت عليهما مصر يتميزان بفترات سماح طويلة وشروط تمويل مرنة، وأن الدولة بدأت سدادهما وفق الجداول الزمنية المتفق عليها، من دون أي ارتباط بمنح حق إدارة أو تشغيل لأي جهة أجنبية داخل المتحف.
وأشارت الوزارة إلى أن المتحف المصري الكبير هيئة اقتصادية تتبع الوزير المختص بشؤون الآثار، وهو الذي يترأس مجلس إدارتها، وأن المتحف مملوك بالكامل للدولة المصرية التي تتولى وحدها إدارة وتشغيل قاعاته الأثرية ومخازنه ومركز الترميم، فيما تتعاون مع شركة "ليجاسي" للإدارة والتنمية في خدمات الزائرين فقط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم تسلم السوبرانو المصرية شيرين طارق، التي شاركت في إحياء حفل افتتاح المتحف المصري الكبير، هي الأخرى من سيل الإشاعات التي استهدفتها شخصياً، تضمنت مزاعم حول دعمها للمثليين، وقالت في تصريحات تلفزيونية "استمعت إلى هذه الإشاعات المجنونة، ونتعامل معها بالضحك"، وأضافت "أنا متزوجة من شخص محترم، وقد أزعجتني هذه الأحاديث لأنها خيمت على جو الاحتفال بالمناسبة".
ولم تقتصر الإشاعات حول المتحف المصري الكبير على فترة الافتتاح، ففي يناير (كانون الثاني) الماضي، أي قبل الفعالية بنحو 10 أشهر، أكد المركز الإعلامي لمجلس الوزراء أن المتحف سيظل مملوكاً بالكامل للدولة المصرية، نافياً ما تداولته من مزاعم حول نية الحكومة "بيع المتحف" على خلفية إعادة تشكيل مجلس أمناء الهيئة لمدة ثلاثة أعوام.
ثلاث روايات مختلفة
انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي روايات تزعم أن الحجز في المتحف المصري الكبير الذي يعرض للمرة الأولى مقتنيات "توت عنخ آمون" كاملة متاح للأجانب والعرب فقط، مع تخصيص أعداد محدودة للزوار المصريين، في حين نشر موقع محلي خبراً عن تذاكر للأجانب يومي الجمعة والسبت قبل أن يُحذف.
وتزامنت هذه الادعاءات مع ممارسات فردية أثارت انتقادات، منها تلاوة آيات قرآنية بصوت مرتفع داخل البهو الكبير، ووضع فتاة أحمر شفاه على تمثال وتصويره لنشره على "تيك توك".
ونفى أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي للمتحف، وجود أي تفرقة أو كوتة، مؤكداً أن الحجز متاح لجميع الزوار.
وتتعارض الروايات التي تتحدث عن منع المصريين مع الفكرة التي استند إليها القائمون على المشروع لجذب الزوار، وأوضح اللواء عاطف مفتاح، رئيس اللجنة الهندسية والمشرف العام السابق على المشروع، أن فلسفة المتحف تقوم على جعل الزيارة تجربة متكاملة يقضي فيها الزائر يومه بالكامل، خلافاً لما كانت عليه المتاحف السابقة التي افتقرت إلى خدمات جاذبة للجمهور.
وختم مفتاح حديثه إلى "اندبندنت عربية" بالتأكيد أن دراسة أجرتها الهيئة الهندسية على ثلاثة مراكز تجارية، في مدينة نصر والتجمع الخامس والسادس من أكتوبر، أظهرت أن عدد زوارها مجتمعين يتجاوز 100 مليون شخص سنوياً، مقابل نحو 16 مليون سائح يزورون مصر، وبناءً على ذلك، صيغت رؤية تستهدف جذب العائلات المصرية عبر أنشطة وخدمات تجعل المتحف وجهة دائمة، لا تجربة لمرة واحدة.