Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بيرسي كامب يروي خفايا كورونا وتواطؤ شركات التكنولوجيا

"الأخوات الخمس" رواية الديستوبيا التشويقية برؤية فلسفية تاريخية وواقعية

الروائي البريطاني الفرنكوفوني بيرسي كامب (صفحة الكاتب - فيسبوك)

ملخص

يمضي الكاتب الإنجليزي الفرنكوفوني بيرسي كامب (1952)، في روايته الجديدة، الصادرة حديثاً (2025) بترجمتها إلى العربية، وعنوانها "الأخوات الخمس" (دار شرق الكتاب)، في مغامرة ذات أصداء راهنة، يخلط فيها ما بين ظروف الحجر الصحي، إبان جائحة كورونا، وسيطرة شركات التكنولوجيا على وسائل التواصل، وبين الواقع السياسي والتاريخ المثقل بالعبر والمآثر التي يمكن استثمارها في زمن الاختراعات والنقلات العلمية الهائلة.

ينقل الراوي العليم  في رواية "الأخوات الثلاث" مغامرة بطلها الشخصية الرئيسة "هاري بون"، وهو إنجليزي مقيم في إسبانيا، وبجوار قصر الحمرا بالضبط، في مهمة للتحقق من صحة مخطوطة عربية قديمة تعود لأحد القادة الأندلسيين، يطلب فيها من السلطان العثماني التدخل لمنع سقوط غرناطة في يد الإسبان عام 1492. ويتبين من رسالة يوسف الفقيه، وهو أحد أفراد حاشية أبي عبدالله حاكم غرناطة، والموفد إلى إسطنبول، أن فيها حجة قوية لدفاع المسلمين (العثمانيين) عن غرناطة وقلعتها، بالقول إن فيها مرآة برونزية تعود لعائشة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن هذه المرآة تعكس صورته السنية في المرآة إلى الأبد. ولما كانت هذه المخطوطة قد وقعت أخيراً بين يدي الرائد في الاستخبارات البريطانية هاري بون، بعد استيلاء جماعة من الدولة الإسلامية على إحدى ضواحي حلب، حيث كانت بأمانة أحد وجهاء المدينة المسيحيين، وقد استخرجها من يد امرأة من الجماعة لاجئة مع أبنائها إلى مخيم الهول، لا تعرف لها قيمة.

وقد خيل للرائد بون أن مؤامرة يمكن أن تحاك للإيقاع بين المسلمين أنفسهم، هذا إن صح زعم كاتب المخطوطة بوجود ذخيرة للنبي، أعني صورته السنية، في مرآة عائشة. وإن وقعت الذخيرة في أيدي الأتراك، فإن مرجعية المسلمين تصير في إسطنبول، وتتلاشى في موضعها الأول. وبناء عليه انتقل الرائد وزوجته ماريا، للإقامة في شقة مطلة على قصر الحمراء، بغرناطة للحيلولة دون تحقق هذه المؤامرة التي قد تهدد السلام بين مرجعيتين كبريتين في الإسلام. وشرعت الزوجة ماريا في البحث عن المرآة المخفية في حنايا الأعمدة، على حد ما ذكر في المخطوطة، يحدوها الحدس والحلم الغريب الذي قض مضجعها، ودلها على نقاط علام في قصر الحمراء، غير أن أبحاثها باءت بالفشل، ولم ترصد أي علامة على وجود مرآة عائشة، على ما زعم في المخطوطة.

في الأثناء، يقع الحجر الصحي بسبب تفشي جائحة كورونا عام 2019، فيتهافت الناس إلى وسائل التواصل الإلكترونية الحديثة التي أصبحت تديرها شركات كبرى، تستثمر فيها أموالاً طائلة، تكاد تتجاوز موازنات دول بأسرها. وفيما أخذ الحجر يضيق على الناس، ومنهم هاري بون وزوجته، ويتضاعف أثر الجائحة مرضاً وموتاً في كل ناحية من البلاد، بلغ الرائد بون أمر جلل، مفاده أن أعمالاً تخريبية كبرى حصلت في أرجاء كثيرة من إسبانيا، ومن دول أوروبية أخرى، تعطلت بمقتضاها كل شبكات التواصل، وضاقت الجماعات المحجورة من ذلك، فهددت بحصول اضطرابات اجتماعية وسياسية، وبتنامي الانقسامات العمودية بين طبقاتها وأحزابها.

الكأس الكاشفة

ولما كان الكولونيل كورتيز يحث الملازم بون على الإسراع في تحقيقاته، ومعرفة الفاعلين والمشاركين في حملة التخريب ضد خوادم الإنترنت وتعطيلها، في عز جائحة كورونا، والناس محجورون في منازلهم ومعازلهم حال إصابتهم، ويهدده بإخراجه من جنة غرناطة، ارتأى أن يزور أندريس تاريس، أحد جيرانهم ممن عرفوا بمعاداتهم التقنيات المعاصرة، ومنها الإنترنت وغيرها، وبحنينهم إلى وسائل العيش التقليدية، بل الريفية، التي كانت سائدة لزمن بعيد خلا. وبينما هم يتحادثون، أضاف الزائرون كأسين من الليموناضة كان قد أعدها "للفتيات والفتيان"  فما كان من بون إلا أن استل كأس تاريس، وأخفاه في حقيبة زوجته. ولدى خروجه أرسل الكأس لتفحص بصمات تاريس لمقارنتها مع بصمات مرفوعة لفاعلي تفجير خوادم الإنترنت، وأتت نتائج التحليل مطابقة لبصمات كانت قد رفعت في بعض أماكن التفجير.

لمن يهتم بحسن جريان أحداث الرواية، وسلاسة عبور القراء من الفصل الأول إلى الثاني، فإلى الفصل الـ25، يمكن القول إن رواية "الأخوات الخمس" تحوز رتبة عليا بهذا الشأن، فعلى رغم اتساع نطاق الرواية نسبياً ، لا يرى القارئ ضيراً من مواصلة القراءة، مشوقاً إلى نهاية ملائمة، وإن تكن مفاجئة. ومن تلك المفاجآت التي يتوقعها القراء، وتحبس أنفاسهم، ماهية الأخوات، إذ يتبين لهم أن الأخوات الخمس إن هن إلا الشركات الكبرى الخمس (غوغل، وفيسبوك، ومايكروسوفت، وأمازون، وأبل) التي تبلغ إيراداتها في اليوم 3 مليارات دولار، والتي قصد تاريس ورفاقه التصدي لها، وضربها في ذروة أدائها، وسط جائحة كورونا، والحجر العمومي، واضطرار الناس إلى التواصل الإلكتروني من بعد. وليس هذا فحسب، بل ما يمكن أن يضاف إلى التشويق السالف الذكر، عامل آخر هو الحوارات الحمالة قضايا فكرية ومسائل راهنة تتصل بالإنترنت وأخطاره، مثل تشجيع الانقطاع عن التواصل مع الآخرين، وتنامي خطر تخدير الجماعات ليسهل انقيادها لرجل واحد، يتحكم بهذه الوسيلة.

مفاجآت التحقيق

وفي سياق التحقيق مع تاريس، المتهم بإعداده عمليات تفجير خوادم الإنترنت في إسبانيا، وأوروبا، والولايات المتحدة الأميركية، - والمبالغة هاهنا من باب الهزل والتضخيم المسرحي - الذي يقوم به الرائد هاري بون، ويستغرق نصف الرواية، أو ما يقارب من ثمانية فصول، يتبين الآتي: أن تاريس هذا ينتمي إلى جماعة تعارض هيمنة التكنولوجيا على كل ما عداها من وسائل التواصل، وأن فعله هو كناية عن رد فعل على ما تقوم به الشركات الخمس من محو مقصود لتراث الجماعات غير المكتوب، وإحلال لأخلاقية الاستهلاك محل الإنتاج، والفردية المطلقة وانعدام التواصل مع الآخرين، محل التواصل المنفتح والمستدام مع الآخرين، وإحلال "الهاتف الذكي والكمبيوتر اللوحي، وأجهزة التحكم في ألعاب الفيديو" محل أرباب العائلة الذين يقضي دورهم بقيادة أفرادها بناءً على معايير أخلاقية بعيداً من المصالح المادية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وقد لا نبالغ إذ نقول إن الكاتب يقصد، من خلال خطاب تاريس هذا، المتهم بارتكابه تفجيرات مراكز الإنترنت الغمز من قناة الشركات الكبرى، المشار إليها، وتحميلها تبعات التدهور القيمي الحاصل في العالم، واتهامها باحتكار القدرات وتركيزها في أيد معدودة بغية مزيد من مراكمة الرساميل الخيالية في حوزتهم، دون سائر البشر.

الحلول الطوباوية

أما كيف حلت أزمة الإنترنت في إسبانيا وأوروبا وبعض الولايات الأميركية؟ بأن طالب تاريس السجين ثم المحتجز، وبالنيابة عن أنصاره في العالم، بأن يوضع حد نهائي لاحتكار الشركات الخمس، بقرار من أعلى سلطة في العالم، أي رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وأن تجمع له، أو لجماعته، ما يعادل 5 مليارات دولار من الأحجار الكريمة، كاللآلئ والزمرد والألماس، وغيرها. والأغرب من ذلك كله، أن آندرس تاريس هذا، بعدما حصل على الفدية، ركب طائرة فالكون 900، عائدة لقوات الجو الإسبانية، معززاً مكرماً، وبرفقة الدبلوماسي بون، وأشار إلى قائد الطائرة بأن يمضي بها إلى فوق هوة كاليبسو السحيقة، في البحر الأبيض المتوسط، ولما صار فوقها، عمد إلى رمي الأحجار الكريمة، داعياً الحاضرين إلى الصبر حتى تبلغ قاع المحيط، وسط دهشة بون.

ولم يتضح اللغز من حركة رمي الجواهر إلا بعدما بسط له تاريس ورقة قرأ فيها ما يذكره بالصورة السنية، للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم): حين العدل يغمرك، وبالإيمان الحق تطرد كل توجس من قلبك، مهتدياً بثالث تعاليم الله، حينها ستنكشف لك الصورة السنية، وتتأملها بفرح عظيم يفعمك".

الترجمة العربية

ولكن قبل أن نختم كلامنا على هذه الرواية الشيقة، والحاملة حزمة من النقاشات في طياتها حول كثير من المسائل الراهنة، لا بد لنا من أن ننوه بالعمل الترجمي الذي قامت به الكاتبة ماري طوق، الذي اقتضاها أن تلتزم مستوى في الكتابة أدبياً، يوازي أدبية الكاتب بالفرنسية المنقولة منها هذه الرواية. ولولا هذا الجهد لما كان بوسع القارئ العربي أن يتفاعل مع أجواء الرواية، ولا مع التلاوين الأسلوبية التي راوحت ما بين الحوار والسرد الذكي، والهزل والمبالغة والغمز من قناة البعض، وغيرها.

وأياً يكن، فإن للكاتب بيرسي كامب كثيراً من الإصدارات، والروايات، منها "مور الموري" و"نهج بون" و"الوقواق" و"الشيطان في المرآة" و"قمر الظهيرة" و"أربعاء الرماد"، وغيرها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة