ملخص
تخوض القوات الروسية والأوكرانية واحدة من أعنف معارك الحرب في مدينة بوكروفسك شرقي أوكرانيا، حيث يطوق نحو مئة ألف جندي روسي المدينة في محاولة لتحقيق أكبر مكسب ميداني منذ عامين، فيما تحاول كييف التمسك بالممر المؤدي إلى ميرنوغراد لتأخير التقدم الروسي. يرى خبراء أن سقوط بوكروفسك سيمنح موسكو موقعاً متقدماً في دونيتسك، لكنه لن يغيّر موازين الحرب سريعاً، بينما تواجه أوكرانيا قرارات صعبة بشأن انسحاب قواتها من المدن المحاصَرة.
أعلنت موسكو أن قواتها أحرزت تقدماً في مدينة بوكروفسك الواقعة شرق أوكرانيا، في سعيها لتحقيق أكبر مكسب ميداني منذ ما يقارب عامين.
يطوق نحو 100 ألف جندي روسي مدينة بوكروفسك، التي تسعى موسكو إلى السيطرة عليها منذ أكثر من عام، والواقعة في منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا، والتي كثيراً ما سعى فلاديمير بوتين إلى إخضاعها بالكامل للسيطرة الروسية.
وفي حين تؤكد القوات الأوكرانية أنها تقاوم بضراوة، تظهر خرائط الجبهات أن القوات الروسية تواصل التقدم تدريجاً. وحذر محلل عسكري من أن أوكرانيا ستُجبر قريباً على اتخاذ قرار في شأن سحب قواتها من مدينة ميرنوغراد المجاورة، التي باتت على وشك الحصار الكامل من قبل القوات الروسية.
في ما يلي أبرز الحقائق عن مدينة بوكروفسك، التي يسميها الروس باسمها السوفياتي القديم "كراسنوأرميزك"، وعن المعركة الطويلة للسيطرة عليها، والتي بدأت فعلياً في منتصف عام 2024.
أين تقع بوكروفسك؟
تعد بوكروفسك مركزاً حيوياً للطرق والسكك الحديد في منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا، وكان عدد سكانها قبل الحرب نحو 60 ألف نسمة. لكن معظمهم غادروا المدينة اليوم، بعد إجلاء جميع الأطفال، ولم يبق سوى عدد قليل من المدنيين وسط الأبنية المدمرة والطرقات المليئة بالحفر الناتجة من القصف.
وتقع المدينة على طريق استراتيجي استخدمه الجيش الأوكراني لتزويد المواقع الأخرى المحاصرة بالإمدادات.
ويوجد على بعد نحو ستة أميال (10 كيلومترات) إلى الغرب من بوكروفسك المنجم الأوكراني الوحيد لإنتاج فحم الكوك، الذي كان يستخدم في صناعة الصلب الأوكرانية الواسعة قبل الحرب. أما الجامعة التقنية في بوكروفسك، وهي الأقدم والأكبر في المنطقة، فقد أصبحت مهجورة بعدما تعرضت لأضرار جسيمة جراء القصف.
ويقول إميل كاستيهيلمي المحلل العسكري في منظمة الاستخبارات الفنلندية مفتوحة المصدر "بلاك بيرد غروب"، إن بوكروفسك لم تعد تملك الأهمية الاستراتيجية التي كانت تتمتع بها سابقاً بسبب المعارك العنيفة والدمار الكبير الذي لحق بها.
وأضاف: "المدينة حالياً ساحة قتال مليئة بالأنقاض. وتتمثل أهميتها الآن في أن أوكرانيا تحاول التمسك بها للحفاظ على الممر المؤدي إلى ميرنوغراد مفتوحاً، وتأخير التقدم الروسي قدر الإمكان".
لماذا تسعى روسيا للسيطرة على بوكروفسك؟
تطمح موسكو إلى بسط سيطرتها الكاملة على إقليم دونباس، الذي يضم مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك. ولا تزال أوكرانيا تسيطر على نحو 10 في المئة من هذا الإقليم، أي ما يقارب 5 آلاف كيلومتر مربع في الجزء الغربي من دونيتسك.
ويؤكد الرئيس فلاديمير بوتين أن دونباس أصبح قانونياً جزءاً من روسيا، فيما ترفض كييف ومعظم الدول الغربية هذا الضم وتعتبره استيلاءً غير شرعي على الأراضي الأوكرانية.
ويرى الإعلام الروسي أن السيطرة على بوكروفسك، التي يطلق عليها "بوابة دونيتسك"، إلى جانب مدينة كوستيانتينييفكا الواقعة شمال شرقها والتي تحاول القوات الروسية تطويقها أيضاً، ستمنح موسكو أهم مكسب ميداني لها داخل أوكرانيا منذ استيلائها على مدينة أفدييفكا المدمرة مطلع عام 2024.
وأن السيطرة على بوكروفسك ستتيح لروسيا الانطلاق شمالاً نحو أكبر مدينتين لا تزالان تحت سيطرة أوكرانيا في دونيتسك، وهما كراماتورسك وسلوفيانسك.
بيد أن التقدم نحو هاتين المدينتين سيكون "مكلفاً للغاية وسيستغرق أشهراً طويلة في الأقل بالمعدل الحالي للتقدم"، بحسب ما قاله كاستيهيلمي.
وأضاف: "في الحروب الإقليمية قد تحدث تحولات مفاجئة بعد فترة من التقدم البطيء، فيتغير الوضع بسرعة، لكني لا أرى أن ذلك سيحدث في المستقبل القريب".
ويرى روب لي، الزميل الأول في "معهد أبحاث السياسة الخارجية" الأميركي، أن السيطرة على بوكروفسك ستعد مكسباً مهماً لروسيا من الناحية العملياتية، لكنها ستترك أمامها كثيراً من العمل لاستكمال السيطرة على بقية مناطق دونيتسك.
لماذا استغرقت المعركة وقتاً طويلاً؟
تهدد روسيا مدينة بوكروفسك منذ أكثر من عام، مستخدمة تكتيك "الكماشة" لتطويقها تدريجاً وقطع خطوط الإمداد الأوكرانية، عبر إرسال وحدات صغيرة وطائرات مسيرة لتعطيل الدعم اللوجيستي في الخطوط الخلفية الأوكرانية، قبل الدفع بتعزيزات أكبر إلى الجبهة.
وتقول كييف إن هذا الهجوم كلف القوات الروسية خسائر بشرية هائلة، بينما تؤكد موسكو أن أوكرانيا باتت مهددة بنفاد قواتها القتالية، مشيرة إلى أن وتيرة هجومها البطيئة تهدف إلى تقليل عدد الضحايا في صفوفها.
وأسهم التوغل الذي نفذته القوات الأوكرانية داخل منطقة كورسك الروسية العام الماضي - والذي تمكنت موسكو من صده - في إبطاء وتيرة الهجوم الروسي على بوكروفسك.
ما الذي يحدث الآن، وما التالي؟
سارعت أوكرانيا إلى تعزيز مواقعها الدفاعية داخل المدينة، لكن الرئيس فولوديمير زيلينسكي أقر بأن "الوضع اللوجيستي صعب".
ويظهر مشروع "ديب ستيت" DeepState، وهو مبادرة أوكرانية تعتمد على صور موثوقة مفتوحة المصدر لرسم خريطة الجبهة، أن القوات الروسية تتوغل حالياً داخل المدينة. وأكد القائمون على المشروع أن الوضع "يواصل التدهور إلى حد قد يصعب تداركه لاحقاً".
وقال رئيس هيئة الأركان العامة الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف، في تقرير قدمه إلى الرئيس فلاديمير بوتين الأحد الماضي، إن القوات الروسية حاصرت عدداً كبيراً من الجنود الأوكرانيين داخل المنطقة. غير أن كييف ومحللين عسكريين غربيين نفوا أن تكون القوات الأوكرانية مطوقة بالكامل حتى الآن.
ويشير المحلل العسكري إميل كاستيهيلمي إلى أن أمام أوكرانيا عدة خيارات مطروحة، لكنه حذر من أن آلاف الجنود في مدينة ميرنوغراد المجاورة باتوا على وشك الوقوع في حصار كامل، ويواجهون "الموت أو الأسر" بينما تواصل القوات الروسية "تمشيط المنطقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في أحد السيناريوهات، قد تختار أوكرانيا تخصيص مزيد من الموارد للدفاع عن بوكروفسك وعن الأجزاء الشمالية من الطوق الروسي، بهدف فتح طرق إمداد نحو مدينة ميرنوغراد. وحتى في حال سقوط بوكروفسك، قد تظل أمام كييف بعض المسارات لتزويد ميرنوغراد بالإمدادات إذا نجحت في تنفيذ هجمات مضادة فعالة.
لكن السيناريو الأرجح، بحسب كاستيهيلمي، هو أن القوات الروسية "ستواصل التقدم البطيء نحو الأجزاء الشمالية من بوكروفسك" خلال الأسابيع المقبلة، مما سيجعل ميرنوغراد على وشك تطويق كامل.
وستجد كييف نفسها أمام قرار صعب في شأن سحب وحداتها من ميرنوغراد، وهو قرار يتوقع المحلل أن تؤجله "حتى آخر لحظة ممكنة".
وقال: "يجب اتخاذ القرار بسرعة كبيرة، لأن البقاء في ميرنوغراد حالياً لا يخدم أي هدف منطقي".
وأضاف: "إذا تمكنت أوكرانيا من الانسحاب وإنقاذ قواتها، فستظل قادرة على مواصلة دفاع فعال نسبياً، يهدف إلى إبطاء تقدم القوات الروسية قدر الإمكان".
وختم قائلاً: "لا تعني خسارة بوكروفسك بالضرورة أن وتيرة خسارة الأوكرانيين لأراضيهم ستتسارع".
© The Independent