Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف غيرت الحرب في أوكرانيا أسواق الحديد في العالم؟

كانت موسكو وكييف تستحوذان قبل الحرب على 60 في المئة من الصادرات العالمية... والمعارك والعقوبات غيرتا قواعد اللعبة

تراجع صادرات أوكرانيا بأكثر من النصف إلى 1.3 مليون طن العام الماضي (أ ف ب)

ملخص

الأتراك استغلوا أسعار موسكو المنخفضة والبرازيل تعوض غياب المنافس الروسي في السوق الأميركية

أرسلت الحرب في أوكرانيا موجات صادمة لمعظم أسواق السلع في جميع أنحاء العالم، لكن نظراً إلى أن المتحاربتين روسيا وأوكرانيا تمثلان معاً نحو 60 في المئة من صادرات الحديد الخام التجارية العالمية، فقد كانت الحرب بمثابة تغيير كامل لقواعد اللعبة في تجارة الحديد الخام العالمية.

حولت الحرب الروسية - الأوكرانية التي بدأت في 24 فبراير (شباط) 2022 جزءاً كبيراً من المنطقة التجارية الصاخبة في البحر الأسود إلى منطقة حرب، إذ أصبحت موانئ البحر الأسود الأوكرانية وبحر آزوف، بما في ذلك أوديسا وتشورنومورسك ويوجني وماريوبول، غير متاحة للشركات الأوكرانية لاستخدامها في التجارة، وكان لهذا عواقب سلبية بشكل خاص على صناعة الصلب الأوكرانية التي كانت تصدر معظم إنتاجها بشكل رئيس عبر موانئ البحر الأسود.

تحت ضغوط دولية، وافقت روسيا على توقيع مبادرة الممر الآمن لعبور الحبوب البحر الأسود، والتي توسطت فيها الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2022 مع تركيا وأوكرانيا، مما يسمح بمرور آمن لصادرات الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، لكن نظراً إلى أنه كان من المقرر مراجعة اتفاقية الحبوب وتجديدها في وقت سابق من هذا العام، يتساءل اللاعبون في السوق عما إذا كانت أوكرانيا ستكون قادرة على تأمين ممر آمن لصناعتها المعدنية أيضاً، لا سيما أن مصانع الحديد الخام الأوكرانية تقع إما بالقرب من البحر الأسود وموانئ بحر آزوف أو متصلة عبر السكك الحديدية.

طرق بديلة وصعبة

مذكرة بحثية صادرة من "ستاندرد أند بورز غلوبال إنسايتس" سلطت الضوء على صادرات الحديد والصلب باعتبارها من المصادر الرئيسة لإيرادات الضرائب والعملات الأجنبية، وذات أهمية اقتصادية استراتيجية لأوكرانيا، وأنه لضمان تدفق الصادرات سيتعين على شركات صناعة الصلب الأوكرانية الاستمرار في استخدام طرق بديلة وأكثر صعوبة في المستقبل المنظور.

تتضمن الطرق الجديدة شحناً طويلاً ومكلفاً بالسكك الحديدية إلى موانئ البلطيق في بولندا أو مزيجاً من السكك الحديدية والممرات المائية الداخلية إلى ميناء كونستانتا في رومانيا، أو مجموعة الموانئ الأوكرانية على نهر الدانوب أو حتى الموانئ في شمال البحر الأدرياتيكي.

وتشير بيانات مركز "GMK" للاستشارات ومقره كييف إلى أن كمية الصادرات من الحديد الخام الأوكراني تتأرجح بين 84330 طناً في أبريل (نيسان) الماضي من 177080 طناً في فبراير 2022، وكانت سوق الولايات المتحدة ولا تزال المنفذ الرئيس للحديد الخام الأوكراني المنقول بحراً، وبلغ إجمالي صادرات الحديد الخام العام الماضي 1.325 مليون طن بمتوسط ​​110 آلاف طن شهرياً بانخفاض من 3.235 مليون طن في عام 2021.


لكن المذكرة التي أعدها محلل أسواق الحديد في "ستاندرد أند بورز" وجتيك لاسكوسكي، ترى أنه من المستحيل إعادة الصادرات إلى مستويات ما قبل الحرب عند نحو 250 ألف طن شهرياً في الوقت الحالي، بسبب التدمير الشامل للقدرة في مصانع منطقة ماريوبول، إذ إن ما لا يقل عن 40 في المئة من السعة الأوكرانية المفقودة كانت من الشركات في ماريوبول، كما أنه من الصعب أيضاً التنبؤ بالإنتاج من المنتجين الباقين بسبب استمرار الهجمات الروسية الهائلة على المرافق العامة، بما في ذلك توليد الطاقة وتوزيعها.

بالنسبة إلى مصدري الحديد الخام الروس فإن تأثير الحرب يتجلى بشكل أكبر في العقوبات وتسعير الحديد الخام الذي تغير بسبب واقع السوق الجديدة.

تراجع الصادرات الروسية

صدرت روسيا 1.1 مليون طن من الحديد الخام في الربع الأول من عام 2023، بانخفاض 29 في المئة عن الربع المثيل العام الماضي، وفقاً لمنصة معلومات صناعة المعادن الروسية "ميتالتورج".

وقال أحد مستشاري الصناعة إن الكميات المتداولة لا تزال أقل من مستويات ما قبل الحرب، مضيفاً أنه في عام 2022 انخفضت صادرات الحديد الخام الروسي بمقدار مليون طن بانخفاض 23 في المئة على أساس سنوي إلى 3.3 مليون طن.

وتقدر "ستاندرد أند بورز" نسبة التراجع في شحنات الصادرات الروسية الشهرية إلى ما بين 230 و280 ألف طن من 350 إلى 400 ألف طن في السنوات السابقة، كما توقفت الشحنات إلى الولايات المتحدة التي كانت تمثل نحو 50 في المئة من صادرات الحديد الخام الروسية قبل الحرب، في حين أن الموردين الآخرين، بما في ذلك من البرازيل وأوكرانيا وحتى الهند، كانوا يملأون الفجوة التي خلفتها الإمدادات الروسية في الولايات المتحدة، وكان موردو الحديد الخام الروس يتعاملون مع خسارة أسواق تصديرهم من خلال تخفيض الإنتاج من خلال الإيقاف الموقت لأفران الصهر، وتغييرهم مزيج المنتجات وتكثيف المبيعات للأسواق البديلة.


​​​​​​​اتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءات صارمة ضد الصلب الروسي، وترك الحديد الخام الروسي حراً للاستيراد باستثناء المصانع المستهدفة مباشرة بالعقوبات، إذ تواصل إيطاليا أكبر مشتر من الاتحاد الأوروبي للحديد الخام الروسي استيراد كميات كبيرة منها، ويقدر أن تركيا التي كانت ثاني أو ثالث أكبر سوق للحديد الخام الروسي قبل الحرب هي المنفذ رقم واحد الآن.

تركيا تنتهز فرصة الأسعار المنخفضة

نظراً إلى أن معظم اللاعبين في السوق يرون مخاطر وكلفة أعلى في التجارة مع روسيا تحت العقوبات، يبدو أن المشترين في تركيا وأماكن أخرى لديهم نفوذ أكبر للتفاوض على أسعار منخفضة للحديد الخام الروسي.

تلفت مذكرة المؤسسة العالمية إلى أن واردات تركيا من الحديد الخام الروسي ارتفعت بنسبة 34 في المئة في الربع الأول لتصل إلى 223.7 ألف طن، وعلى رغم انخفاض واردات تركيا من الحديد الخام بنسبة ثمانية في المئة على أساس سنوي شكلت روسيا وحدها 70 في المئة من واردات الحديد الخام التركي في الربع الأخير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من المرجح أن تصبح الصين التي تعد بالفعل سوقاً ناشئة للحديد الخام في رابطة الدول المستقلة مشترياً مهماً بشكل متزايد للمواد الروسية، ومع ذلك فإن الصين لديها نموذج إنتاج صلب مختلف تماماً، مما يجعل من غير المرجح أن تصبح مشترياً منتظماً للغاية للحديد الروسي، وغالباً ما تكون العطاءات الواردة من الصين منخفضة جداً وغير مقبولة للموردين الروس، مع ارتفاع كلفة الشحن إلى الصين.

البرازيل تملأ الفراغ في السوق الأميركية

يوضح محلل أسواق الصلب في "ستاندرد أند بورز" أن المدفوعات مقابل الحديد الخام الروسي لم تعد بالدولار الأميركي ولكن بالعملات المعتمدة حديثاً بما في ذلك الليرة التركية والروبل الروسي والدرهم الإماراتي واليوان الصيني. ويلفت إلى أن المشترين الأميركيين يواجهون أسعار استيراد أعلى قادمة من البرازيل أو أوكرانيا، وفي الوقت نفسه تم وضع الموردين الروس في مأزق بسبب خسارة أكبر سوق لهم ومواجهة مزيد من الضغط من المشترين في أماكن أخرى.

كانت البرازيل وروسيا تتنافسان سابقاً على السوق الأميركية، وكان سعر الطن متقارباً بين المنتجين، وإن كان الحديد الروسي في العام قبل الماضي أكثر ارتفاعاً من نظيره البرازيلي، إلا أن المصانع الروسية صارت تبيع بأسعار أقل اليوم بنحو 100 دولار من المصانع البرازيلية.

يخلص محلل "ستاندرد أند بورز" إلى أن إمدادات الحديد في أوكرانيا التي تم كبحها إلى أجل غير مسمى بسبب السعة الإنتاجية المفقودة نتيجة الحرب المستمرة تتحسن، ولكن من المقرر أن تظل منخفضة وتتقلب اعتماداً على تقدم الحرب وتوليد الطاقة ومستوى الإنتاج والخدمات اللوجيستية وأسعار الصلب.

وفي حين أنه من غير المرجح أن تفرض تركيا ومعظم أسواق الحديد الخام الآسيوية حظراً على الواردات الروسية، فإن العقوبات المستمرة على موسكو في الاتحاد الأوروبي تثير تساؤلات حول ما إذا كان الحديد الخام سيقع في نهاية المطاف تحت رادار عقوبات الاتحاد الأوروبي.