ملخص
متيجة التي كانت عبارة عن مستنقعات مائية، قبل أن تتحول إلى مزارع لمختلف أنواع الحمضيات والعنب والفواكه، تتربع على مساحة تقدر بـ 1400 كلم مربع، طولها من الشرق إلى الغرب يصل إلى 100 كلم، وعرضها بين 5 و20 كيلومتراً، يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب جبال الأطلس.
يثير تأخر الجزائر في تحقيق أمنها الغذائي مقابل الأراضي الصالحة للزراعة التي تمتلكها، تساؤلات عدة، وفي حين ترجع أطراف الأمر إلى شح الأمطار والجفاف، ترى أخرى أن ضعف الإمكانات وغياب التكنولوجيا من أسباب هذا "الجمود"، بينما تعتبر جهات أن غزو الإسمنت تحت تبريرات عدة، أكثر ما عرقل الوصول إلى الاكتفاء الذاتي غذائياً.
1400 كلم مربع وأرقام
يصاب كل من يمر بين منطقة تيبازة إلى عين الدفلى مروراً بولايتي البليدة وبومرداس، من شمال الجزائر، بالحسرة والأسى وهو يرى الاخضرار قد تحوّل إلى احمرار ورمادي، لا سيما من كبار السن الذين يعرفون الجهة جيداً، إنها سهول متيجة التي كانت سلة غذاء الجزائريين وطعام أوروبا، التي زحف الإسمنت على هكتارات من أراضيها، بعد تعرضها للتجاوزات والاستغلال لأجل بناء سكنات وتشييد عمارات ومركبات سياحية وصناعية وتوسعات عمرانية، ما قلّص مساحة الزرع والغرس والفلاحة إلى مستويات متدنية.
متيجة التي كانت عبارة عن مستنقعات مائية، قبل أن تتحول إلى مزارع لمختلف أنواع الحمضيات والعنب والفواكه، تتربع على مساحة تقدر بـ 1400 كلم مربع، طولها من الشرق إلى الغرب يصل إلى 100 كلم، وعرضها بين 5 و20 كيلومتراً، يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب جبال الأطلس.
وتتوافر الجزائر على 44 مليون هكتار من الأراضي الفلاحية، منها ما يقارب 33 مليون هكتار من المراعي و8.5 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، والباقي أراض زراعية تابعة للخواص، ونحو أربعة ملايين هكتار من الأراضي الغابية.
وتعد مناطق الشمال التي تمثل 17 في المئة من إجمالي المساحة العامة للبلاد المقدرة بـ 2.4 مليون كيلومتر مربع، ويقيم فيها 90 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ أكثر من 47 مليوناً، الأكثر تضرراً من ظاهرة الزحف العمراني.
نمو سكاني يفرض مخاطرة وتساؤلات
ومع النمو السكاني المتصاعد، واجهت الجزائر أزمة سكن حادة لا تزال مستمرة لغاية الآن، وما يتبعها من مشكلات اقتصادية واجتماعية، وهو الوضع الذي فرض على مختلف الحكومات المتعاقبة المخاطرة من أجل تخفيف الضغط، بين تحقيق السكن وغض الطرف عن ضمان الغذاء، وأمام الانفتاح الذي شهدته البلاد على جميع المستويات وما رافقته من فوضى تسيير تارة مقصودة بهدف "الفساد"، وأخرى عن غير قصد بسبب قلة الخبرة، أصبحت الأراضي الزراعية وعلى رأسها سهول متيجة هدفاً سهلاً لتحقيق رغبة السياسات التي وضعت في سياق مواجهة التحديات.
ولم تبخل الحكومات المتعاقبة في وضع تشريعات ونصوص تنظيمية بغرض الحد من توسع المحيط العمراني على حساب الأراضي الفلاحية والرعوية والمساهمة في تحسين الأمن الغذائي للبلاد، إلا أن اقتطاع وتخصيص مساحات زراعية لتلبية متطلبات الاحتياجات المرتبطة بإنجاز المشاريع العمومية ذات المنفعة العامة لم تتوقف، ما جعل سهول متيجة تنحصر والإنتاج الزراعي يتأثر بصورة باتت تقوض قدرة أهم مورد طبيعي واقتصادي يسهم في تأمين الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي في البلاد.
ولعل ما يثير التساؤل، إصدار قرار يقضي بإلغاء تصنيف أراض فلاحية عدة على مستوى 10 ولايات بهدف إنجاز مجمعات سكنية ومشاريع مرافق ذات منفعة عامة، وتقدر مساحتها أكثر من 526 هكتاراً، على رغم أن المادة الـ21 من الدستور الجزائري، تنص صراحة، على حماية الدولة للأراضي الفلاحية.
تصرفات الفترة السابقة إجرام
وفي السياق، يرى الخبير الفلاحي لعلى بوخالفة أن القانون نص على أن الأراضي الفلاحية ملك للدولة لا تباع إلا في حال الضرورة، وعندما يثبت بأن الأرض المعنية غير صالحة للزراعة، حيث تقوم لجنة بتحويلها إلى مشاريع أخرى مثل بناء المستشفيات والمصانع والثكنات والمدارس وغيرها، و"لكن للأسف في بعض الأحيان وبخاصة خلال الفترة السابقة، جرى توزيع أراض فلاحية بما فيها الموجودة على مستوى متيجة، بالوساطات والموالاة والمحاباة، على بعض الأشخاص لإنجاز مشاريع أخرى غير الفلاحة وهو ما يعتبر إجراماً.
ويواصل بوخالفة قائلاً إن السلطات تداركت سريعاً الوضع، ووضعت حداً لهذه الأعمال غير القانونية، وأصبحت المحافظة على أراضي متيجة وغيرها ضمن القانون الذي يمنع المساس بالمساحات الفلاحية مهما كانت طبيعة المشاريع، وقال: "حالياً أعتقد أن نهب الأراضي الفلاحية تم الحد منه"، مضيفاً أن متيجة كانت سلة غذاء الجزائريين وأوروبا بعد استقلال البلاد في عام 1962، لكن الاعتماد على البترول والغاز وعدم الاهتمام بالفلاحة هددا هذه الأراضي بالزوال. وأشار إلى أنه في الوقت الحالي وفي ظل الأوضاع المناخية والاقتصادية في العالم، عاد التفكير بجدية في ضمان الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، وأصبحت السلطات تحرص على الأراضي الفلاحية.
تحرك بين التنظيم والعقاب
وبعد أن أصبح الوضع يهدد غذاء الجزائريين، تحركت السلطات وعلى رأسها الرئيس عبد المجيد تبون الذي قام بتوجيه تعليمات إلى الحكومة، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، بتسليط عقوبات على المسؤولين الذين يثبت تورطهم أو تقاعسهم عن حماية الأراضي الفلاحية وتسهيلهم استمرار تشويه البناء والتعمير، وأمر بمراجعة قانون التعمير وفق تخطيط عمراني حقيقي، للقضاء على مظاهر الفوضى جذرياً، حتى تكون كل عمليات البناء والتشييد خاضعة لتأطير قانوني ومضبوطة بصرامة، بخاصة في المدن.
كذلك درست الحكومة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، مشروع قانون حماية أراضي الدولة والمحافظة عليها، كرس إطاراً قانونياً يقر عقوبات تصل إلى 20 عاماً سجناً وفرض غرامة بمبلغ مليوني دينار، نحو 14800 دولار، على كل تعدٍ على أراضي الدولة أو أفعال تؤدي إلى تدهور قيمتها أو تغيير وضعها أو طابعها.
من جانبه، شدد رئيس البرلمان إبراهيم بوغالي على أن وقوع العقار الفلاحي تحت تصرف غير القادرين على استغلاله بكفاءة يرهن السيادة الغذائية للبلاد، موضحاً أن الدستور تطرق إلى حماية الأراضي الفلاحية، وكذا النصوص القانونية التي تؤطر العقار الفلاحي، وقال إن بعض هذه النصوص يعود إلى أعوام عدة، وربما قد بات من الضروري الآن إعادة النظر في بعضها لتحيينها وجعلها متماشية مع واقع اليوم، داعياً إلى المحافظة على العقار الفلاحي وحمايته والتفكير بكل الطرق الممكنة لحماية وجهته من جميع صور العبث أو الإهدار، وأكد أن هذا العقار يشكل مورد إنتاج ومستودعاً استراتيجياً للغذاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قوانين تنظيمية
إلى ذلك، يرى الباحث الاقتصادي مراد كواشي أن التشريعات في مختلف الدول دائماً ما تهتم بإعطاء الإطار القانوني لكيفيات استغلال الموارد الزراعية، والجزائر سعت منذ مدة لسن قوانين تنظيمية لهذه العملية، وتعمل على حماية أراضي الدولة والمحافظة عليها، وكذا مكافحة البنايات غير القانونية المنجزة على الأراضي ذاتها، خصوصاً بعد تزايد عمليات البناء العشوائي والتعدي على عقارات الدولة، علاوة على ضمان الاستغلال الأمثل للأراضي وردع الممارسات السابقة التي كثرت وتنوعت.
وأوضح كواشي أن تطبيق القانون الخاص بحماية العقار الفلاحي سيكون في مواجهة إشكالات عدة، أهمها ما يتعلق بالأراضي الفلاحية التي شيدت عليها مبان سكنية أو استغلت لإطلاق استثمارات غير فلاحية، وكذا العقارات الصناعية الموجودة في مناطق النشاطات الصناعية، والتي منحت في وقت سابق من دون مراعاة الشروط والمعايير التي يجب أن تمنح لأجلها، مبرزاً أن نحو 45 في المئة من العقارات التي وزعت في الفترة السابقة، منحت لشركات لم تستطع استغلالها كما يجب، أو منحت لمستثمرين وهميين أو في صورة امتيازات غير مشروعة.