ملخص
على رغم تراجع معدلات الولادة والزواج في الجزائر، فإن وزارة الصحة تشير إلى أن النساء في سن الإنجاب بين 15 و 49 سنة يشكلن 24 في المئة من السكان، أي أكثر من 11.7 مليون امرأة.
فاجأ تقرير رسمي الجزائريين بأرقام خاصة بتراجع أعداد المواليد في البلاد إلى 873 ألفاً في العام، أي بمعدل 18.5 مولود لكل 1000 نسمة، مقارنة مع ارتفاع النسبة بين عامي 2014 و2019، إذ تجاوز العدد عتبة المليون ولادة، مما يهدد بانكماش ديموغرافي يضع المجتمع أمام فترة شيخوخة غير معلومة.
وسجلت مصالح وزارة الصحة الجزائرية أن البنية السكانية لا تزال شابة، حيث يشكل الأطفال دون سن 15 سنة نسبة 29 في المئة من العدد الإجمالي، في حين تمثل الفئة العمرية ما بين 15 و 59 سنة نسبة 59 في المئة، أما الأعمار من 60 سنة فأكثر فتشكل 11 في المئة من التعداد العام.
وعلى رغم تراجع معدلات الولادة والزواج في الجزائر فإن وزارة الصحة تشير إلى أن النساء في سن الإنجاب ما بين 15 و49 سنة يشكلن 24 في المئة من السكان، أي أكثر من 11.7 مليون امرأة، وأوضح وزير الصحة الجزائري عبدالحق سايحي أن التغطية الصحية تحسنت وتوسعت فرص الحصول على التعليم، كما "وفرت تكنولوجيا المعلومات لشبابنا فرصاً غير مسبوقة للتكوين والتواصل والانفتاح على العالم"، منبهاً إلى أن صحة الطفل التي تقيم بانتظام من خلال المؤشرات المرضية والوفيات وسوء التغذية شهدت تحسناً ملحوظاً، إذ جرى القضاء نهائياً على بعض الأمراض مثل شلل الأطفال.
ولفت سايحي إلى انخفاض معدل وفيات الأطفال بمقدار النصف تقريباً بين عامي 2000 و2023 من 36.9 لكل ألف ولادة إلى 19.9 لكل ألف ولادة، كما انخفضت معدلات الزواج والخصوبة الباكرة بصورة ملحوظة "مما أتاح للفتيات ممارسة حقهن في التعليم والمشاركة في التنمية الاقتصادية للبلاد".
توقعات وتفسيرات
وتوقع التقرير بلوغ الولادات 873 ألف طفل بنهاية العام الحالي، أي بمعدل 18.5 مولود لكل 1000 نسمة، مشيراً إلى أن الانخفاض بدأ منذ عام 2020، أي بعد ستة أعوام من تسجيل أكثر من مليون ولادة سنوياً، وأصبحت ثقافة إنجاب طفل أو اثنين كحد أقصى داخل الأسرة الجزائرية هي السائدة حالياً.
ويعزو أهل الاختصاص تراجع الولادات لتهاوي القدرة الشرائية والصعوبات المعيشية من جهة، وكذلك تحول أولويات الأفراد بالتركيز المتزايد على التكوين والعمل من جهة ثانية، وهو ما يظهر بصورة جلية في ارتفاع متوسط سن الزواج إلى 27 سنة للنساء و34 سنة للرجال، مما يؤكد اتجاه الزواج الباكر نحو الاختفاء.
ثقافة الإنجاب
ورأى الباحث الجزائري في الصحة العمومية أمحمد كواش في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن تراجع معدلات الإنجاب لدى الجزائريين يرجع أساساً للظروف الاقتصادية التي جعلت الدخل الفردي لا يغطي حاجات الأسرة، إضافة إلى تغير النمط المعيشي، موضحاً أن تحسن التعليم والمستوى الثقافي والعلمي لدى الأسر وبلوغ معظم الأزواج الجدد مستويات تعليمية مرتفعة، هز التقاليد وغيّر المفاهيم وجعل إنجاب عدد كبير من الأطفال أمراً غير مرغوب، بل وانحصر الوضع في إنجاب طفل أو اثنين كحد أقصى.
ونوه كواش بأن المتطلبات المتزايدة للأطفال أجبرت الأسر على الاكتفاء بعدد قليل من الأولاد، إضافة إلى أن ضعف المداخيل داخل الأسرة وغلاء المعيشة كلها عوامل أسهمت في انخفاض معدلات الإنجاب، ناهيك عن ولوج المرأة إلى سوق العمل في كل القطاعات مما جعلها تفكر أكثر في العمل وتنأى بنفسها عن الإنجاب.
بين العقم والخصوبة
وسبق أن كشفت النسخة الثامنة من "المؤتمر الدولي لطب أمراض النساء والتوليد" التي انعقدت في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 شرق الجزائر عن ارتفاع ملاحظ في حالات العقم وتراجع نسبة الخصوبة لدى الزوجين بـ 25 في المئة خلال الـ 20 عاماً الأخيرة، وحذر الأطباء من أن استمرار تصاعد نسب العقم قد يؤدي إلى شيخوخة المجتمع وما يتبع ذلك من متاعب قد يصعب حلها.
وبحسب تقديرات سابقة لوزارة الصحة فإن 10 في المئة من الجزائريين مصابون بالعقم وصعوبة الإنجاب، أي ما يعادل 4 ملايين شخص، في حين أكد أطباء مشاركون في ملتقى عام 2020 أن أكثر من 40 في المئة من المصابين بمرض العقم في الجزائر رجال.
مخاوف اقتصادية واجتماعية
وفي السياق قال الطبيب المتخصص في أمراض النساء والتوليد جمال رماضنة في تصريح خاص إن التراجع في معدلات الخصوبة يثير مخاوف من التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية على المدى البعيد، إذ يرتبط انخفاض عدد المواليد بانخفاض نسبة الشباب في المجتمع مما يؤثر في سوق العمل ونظام التقاعد مستقبلاً، وهذه التحديات دفعت الحكومة الجزائرية إلى التفكير في سياسات تحفيزية لدعم الأسرة وتشجيع الإنجاب، مثل تقديم دعم مالي للعائلات الكبيرة وتوفير برامج صحية متعلقة بالخصوبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال رماضنة إن "تراجع نسبة الشباب يفتح الأبواب أمام مشكلات عدة أهمها تهديد الشعب الجزائري بالتقلص والانكماش لمصلحة الأجانب الذين يتوافدون على البلاد بغرض العمل الذي يصبح ضرورياً لاستمرار عجلة الحياة"، موضحاً أن الهجرة إلى الجزائر في ظل هذه المعطيات تصبح هدف الجميع وبخاصة الأفارقة، مما يؤدي إلى انتعاش حالات الزواج بغرض الاستقرار وينتج من ذلك أبناء جنس مختلط، وختم أن معالجة تلك الظاهرة أمر عاجل للحفاظ على الفرد الجزائري وتجاوز شيخوخة المجتمع.
أرقام أممية
إلى ذلك كشف تقرير أعدته إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة أن الفئة العمرية التي تراوح ما بين 15 و59 سنة وتشكل 65 في المئة من مجموع الجزائريين، ستنخفض إلى 59.3 في المئة عام 2050 ثم 54.8 في المئة بحلول عام 2100، في حين أن الفئة العمرية ما بين 60 و79 سنة ستشهد ارتفاعاً يصل إلى 20.5 في المئة عام 2050 في مقابل 7.4 في المئة حالياً، قبل أن ترتفع مرة أخرى عام 2100 إلى 28.4 في المئة.
وتوقع التقرير الأممي أن ينخفض عدد الجزائريين الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة بصورة لافتة من 27.8 في المئة من إجمال عدد السكان عام 2013 إلى 20 في المئة عام 2050، ثم ينخفض مرة أخرى إلى 16.7 في المئة عام 2100.
وأوضح التقرير أن نسبة الأمل في الحياة ستشهد ارتفاعاً وقد يكون لذلك علاقة بتطور مستوى المعيشة والمرافق الصحية، إذ سترتفع نسبة الجزائريين الذين يبلغون 80 سنة إلى 2.2 في المئة من مجموع السكان عام 2050 ثم إلى 7.4 في المئة عام 2100.