المباني المرنة... عمارة فرضتها قسوة الطبيعة

وفر التقدم التكنولوجي تقنيات لا تقدر بثمن لبناء مبانٍ قادرة على الصمود في وجه الكوارث الطبيعية التي كانت ولا تزال جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، وأمراً يحتاج اليوم إلى التكيف معه أكثر من أي وقت مضى لمواجهة آثار تغير المناخ المتزايدة، التي تشكل مصدر قلق يمتد ليشمل البيئة العمرانية على وجه الخصوص.

والحقيقة أن الظواهر الجوية الطبيعية، بخاصة المتطرفة والحادة منها، تؤثر بشكل كبير في أداء المباني واستهلاك الطاقة مع مرور الوقت، من هنا أصبحت فلسفة تصميم البناء المرن أمراً ضرورياً وبالغ الأهمية لتصميم مبانٍ قادرة على مواجهة آثار تغير المناخ في العقود المقبلة والصمود في وجه الكوارث الطبيعية، إذ تخضع جميع المباني، بصرف النظر عن موقعها، لظروف وقوى تفرضها البيئة الطبيعية.

وتُصنف التحديات التي تواجهها المباني الحديثة بشكل عام إلى كوارث طبيعية كالزلازل والفيضانات والأعاصير، وتأثيرات تغير المناخ كارتفاع درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر، وأخطار من صنع الإنسان كالتلوث والحوادث الصناعية.

مناعة المبنى

وتُعرّف المرونة بشكل عام بأنها القدرة على الاستعداد والتخطيط الاستباقي للأحداث السلبية المحتملة واستيعابها والتعافي منها والتكيف معها بنجاح، ومن هنا فإن المبنى المرن ليس مجرد مبنى قوي أو مستدام فحسب، بل هو المبنى القادر على التحمل والتعافي السريع من مجموعة من الظروف القاسية، مثل الكوارث الطبيعية وتغير المناخ والأخطار التي من صنع الإنسان، مع الحفاظ على الوظائف الأساسية وسلامة المستخدمين، واستعادة عمله بكفاءة في أقصر وقت ممكن بعد انتهاء الحادثة أو الظرف.

وفي صناعة المباني الخضراء، يعرف البناء المرن بأنه عملية تصميم تستهدف إطالة عمر المبنى باستخدام مواد مستدامة تتحمل الطقس القاسي الناجم عن تغير المناخ وإحداث تأثير أكثر إيجابية على البيئة، إذ لا يقتصر الأمر على مواجهة هذه التحديات فحسب، بل يشمل الأمر أيضاً القيام بذلك بطريقة تتماشى مع الممارسات المستدامة، إذ لا يمكن إغفال الصلة الجوهرية بين المرونة والاستدامة، حيث يهدف كلاهما إلى الحفاظ على الموارد وضمان طول العمر وتعزيز الرفاه البيئي. بعبارة أخرى، المرونة هي مناعة المبنى وقدرته على الصمود في وجه الأزمات.

استراتيجيات أساسية

ويتبع تصميم المباني المرنة مجموعة من الممارسات والاستراتيجيات تشمل استخدام مواد متينة وتطبيق مبادئ تصميم مرنة ومحصنة مثل عزل الأساسات أو التشكيل الديناميكي الهوائي ودمج ميزات تقلل من استهلاك الطاقة والمياه، كما يأخذ في الاعتبار التأثير الطويل المدى لتغير المناخ.

وتصمم المنازل المرنة لتحمل أقسى الظروف الجوية، على سبيل المثال تصمم النوافذ والأبواب المقاومة للصدمات لمنع الكسر الناتج من الحطام المتطاير أثناء الأعاصير أو الزوابع، مما يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة أو تلف الأجزاء الداخلية، وتُستخدم مواد مقاومة للحريق مثل الخرسانة والمعادن والألواح المصنوعة من الألياف الأسمنتية لتقليل تأثير حرائق الغابات، بينما توفر مواد التسقيف المقاومة للهب مثل الأسقف المعدنية ذات اللحامات الدائمة أو البلاط الطيني مزيداً من الحماية، كذلك تقلل هذه المواد أيضاً من احتمالية انتشارها من منزل إلى آخر، مما يوفر حماية على مستوى أوسع.

تتلخص الفكرة في مناعة المبنى وقدرته على الصمود في وجه الأزمات (موقع الملعب)​​​​​​​

وفي حين تتميز المباني المرنة بخصائص معينة تساعدها على تحمل الكوارث الطبيعية والبشرية، إلا أن هذه المبادئ قد تختلف من منطقة لأخرى ووفقاً للكوارث المحتملة التي قد تؤثر فيها، على سبيل المثال تُبنى المباني في اليابان لتحمل أمواج تسونامي والزلازل، وهي ظاهرة شائعة في هذا الجزء من العالم، بينما تُصمم المباني في مدينة نيويورك للحماية من الفيضانات.

ملعب "مرسيدس بنز"

يعد ملعب "مرسيدس بنز" في أتلانتا مثالاً بارزاً على التصميم المرن بفضل تطبيقه مجموعة من الالتزامات المتعلقة بالطاقة الخضراء، إذ يُقدر استخدام 4000 لوحة مثبتة قادرة على تشغيل تسع مباريات بالطاقة الشمسية وحدها، كما يُقلل استخدام إضاءة LED، المنتشرة في كل أنحاء المشروع من استهلاك الطاقة بنسبة 60 في المئة، وهو يدوم لفترة أطول بعشر مرات من خيارات الإضاءة التقليدية، وكذلك وفر مؤسسوه وسائل نقل بديلة تسمح بالوصول إلى الملعب.

ولم يكن من الممكن لهذا الملعب أن يصبح رائداً في مجال التصميم المرن من دون معالجة مشكلة استهلاك المياه، إذ يمتلك نظام إدارة مياه الأمطار متطور تم بناؤه تحت الأرض، خفض استهلاك المياه بنسبة 47 في المئة، ويُعد ملعب "مرسيدس بنز" أول ملعب عالمي يحصل على شهادة TRUE البلاتينية لجهوده في مجال الاستخدام والكفاءة الكاملة للموارد وفي مجال الحد من النفايات.