ملخص
يبشر مستقبل الذكاء الاصطناعي في قطاع البناء بآفاق واعدة، حيث تعيد التطورات الجديدة صياغة ملامح هذا القطاع. وقد تجاوزت الحاجة إلى الذكاء الاصطناعي في قطاع البناء 1.53 مليار دولار في 2024، وستصل إلى 14.2 مليار دولار بحلول عام 2031.
تتسم مشاريع البناء بتعقيد جوهري يتطلب تخطيطاً دقيقاً وإعداداً مسبقاً، فعلى عكس مشاريع البرمجيات التي يمكن من خلالها إجراء تغييرات فورية، لا يمكن في مشاريع البناء التعديل كثيراً، وإذا كنت تشيد ناطحة سحاب وتحتاج إلى عدد معين من النوافذ، فلا يمكنك ببساطة تغيير ذلك فوراً بعد اكتمال عملية البناء.
علاوة على ذلك تتطلب مشاريع البناء عدداً كبيراً من المتابعة والتخطيط المسبق. ويجب عليك تخطيط الكهرباء وأنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء والسباكة ومواقف السيارات، وحتى التعامل مع الجوانب البيئية وتقسيم المناطق واللوائح التنظيمية.
وهناك أمور عدة يجب مراعاتها في مشاريع البناء. لذا، ليس من المستغرب أن تستغرق مشاريع البناء المعقدة أعواماً من التخطيط قبل البدء بحفر الخندق الأول بالكامل، وكلما كان مديرو مشاريع البناء أكثر دراية بالأمور، زاد نجاح مشروع البناء، وقلت احتمالية تجاوز الكلف والجداول الزمنية أو أي عوامل حاسمة أخرى قد تهدد نجاحهم.
بالنظر إلى كل هذا التعقيد يحدث الذكاء الاصطناعي تأثيراً ملموساً في تحسين كفاءة وفاعلية مشاريع البناء، بدءاً من تحسين جدولة مشاريع البناء مروراً بتحسين تخصيص الموارد والمساعدة في إدارة الأخطار والتنبؤ بأمور مثل التأخيرات المحتملة وتجاوز الكلف واختناقات الموارد، وصولاً إلى تحسين عملية اتخاذ القرار.
التصميم والتخطيط
في بداية أي مشروع بناء تطبق حالياً تقنية الذكاء الاصطناعي على أدوات نمذجة معلومات البناء (BIM) التي تدعم التمثيل الرقمي لمختلف الخصائص الفيزيائية والوظيفية للمباني. كما تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي في برامج التصميم التوليدي التي تستخدم التعلم الآلي لتحسين تصاميم المباني. وتستطيع هذه الأدوات تحليل كميات هائلة من البيانات لاقتراح حلول تصميمية أكثر كفاءة وفاعلية من حيث الكلفة. وتساعد هذه الأساليب في تقليل هدر المواد ووقت البناء، مما يسهم بصورة كبيرة في إعداد تقديرات دقيقة للكلف.
كما يمكن لهذه الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي إحداث نقلة نوعية في تصميم المباني من خلال تحسين أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء والإضاءة وغيرها من المكونات المستهلكة للطاقة. وباستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن لهذه الأدوات محاكاة سيناريوهات تصميم مختلفة لإيجاد الحلول الأكثر استدامة، مما يقلل من استهلاك الطاقة والأثر البيئي الناتج منها.
تساعد منصات إدارة المشاريع المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مديري الإنشاءات على تحسين الجدولة وتخصيص الموارد وإدارة الأخطار، بل وحتى تتنبأ بالتأخيرات المحتملة وتجاوز الكلف، فتتيح بذلك اتخاذ قرارات أفضل والحفاظ على مشاريع البناء في الموعد المحدد.
تسهيل حاجات سلسلة التوريد
عند التعامل مع مشاريع البناء يعد الحصول على الإمدادات المناسبة في الوقت المناسب وبالكميات المناسبة وبجودة عالية أمراً بالغ الأهمية لضمان سير مشاريع البناء بسلاسة، ويتطلب هذا الأمر التعامل مع إدارة سلسلة التوريد والخدمات اللوجيستية.
وهنا تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي في ضمان توفر المواد في مواقع البناء عند الحاجة من خلال التنبؤ بطلب سلسلة التوريد ومتطلبات الشحن، وإجراء فحص الجودة في الموقع لضمان استيفائها للمتطلبات. وهذا الأمر يجنبنا وجود نقص في الإمدادات أو فائض منها.
ويحسن الذكاء الاصطناعي عمليات سلسلة التوريد من خلال التنبؤ بطلب المواد وتحسين مستويات المخزون وتقليل التأخيرات، ويمكن لأدواته تحليل بيانات سلسلة التوريد واقتراح أفضل استراتيجيات الشراء.
وتحلل أدوات الصيانة التنبؤية البيانات من مستشعرات الآلات لتحديد الأنماط التي تشير إلى احتمالية تعطل المعدات، مما يقلل من وقت التوقف وكلف التصليح.
مراقبة البناء باستخدام الذكاء الاصطناعي
مواقع البناء هي أماكن مزدحمة بصورة عامة، وغالباً ما تكون محفوفة بالتحديات والأخطار المحتملة، وتعد عملية مراقبة مواقع البناء بالغة الأهمية لتقليل الأخطار وتقليل الخسائر أو الأضرار وضمان سير المشاريع في الوقت المحدد وضمن الموازنة.
يتزايد اليوم استخدام الطائرات من دون طيار والكاميرات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة مواقع البناء في الوقت الفعلي. وتستطيع هذه الأنظمة مراقبة المواد والأفراد وعمليات العمل، إضافة إلى متابعة تقدم المشاريع. كما تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي مقارنة التقدم اليومي بخطط المشروع، مما قد يمكن من تحديد التناقضات أو المشكلات المحتملة مبكراً.
إلى ذلك يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي المدعومة بالرؤية الحاسوبية أن تضمن بناء المشاريع وفقاً للمواصفاًت، مع الالتزام التام بمختلف المتطلبات البيئية والتنظيمية. وتستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي لتعزيز السلامة وتحديد الأخطار المحتملة في مواقع البناء، من خلال تحليل الصور ومقاطع الفيديو التي تشير إلى السلوكيات غير الآمنة المحتملة أو البيئة غير الآمنة وإساءة استخدام المعدات، وغيرها من المشكلات والأخطار التي تحدث آنياً.
الروبوتات ذاتية التشغيل
عندما يشاهد الناس تلك الفيديوهات الرائعة للروبوتات وهي تركض وتقفز، يصعب عليهم تجاهل تأثير الروبوتات ذاتية التشغيل على العمل الفعلي في قطاع البناء. وفي الواقع، تعمل شركات عالمية بالفعل على تطوير أنظمة روبوتية مختلفة وأنظمة ذاتية التشغيل قادرة على القيام بمهام، مثل تركيب الجدران الجافة ووضع الطوب وصب الخرسانة وصهرها، أو قيادة المركبات ذاتية التشغيل في مواقع البناء. وبينما لا يزال معظم هذه الأنظمة في مراحلها الأولى مع تطبيق محدود في العالم الحقيقي، إلا أن المستقبل يشير بلا شك إلى عالم بناء معزز بالروبوتات.
يعزى استخدام الروبوتات ذاتية التشغيل في قطاع البناء إلى ما يعرف بـ"الخصائص الـ4 للروبوتات"، فالدافع وراء استخدام الروبوتات هو المهام الخطرة أو غير الملائمة أو "المكلفة" التي يضطر البشر إلى القيام بها. ومن المؤكد أن هناك كثيراً من مهام البناء التي تستوفي هذه المعايير، فالعمل البشري مكلف ويتعرض الناس فيه للإصابة والمرض، ويحتاجون إلى أخذ فترات راحة، ناهيك بأن الناس لا يستطيعون العمل على مدار الساعة، وهناك أماكن يشكل فيها تشغيل الناس خطراً على حياتهم.
لهذه الأسباب المذكورة آنفاً، من المنطقي الاستعانة بأنظمة روبوتية ذاتية التشغيل تعمل بالذكاء الاصطناعي، لضمان سير مشاريع البناء وفقاً للجدول الزمني والموازنة المحددة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الواقعان الافتراضي والمعزز
يهيمن اليوم الواقع الافتراضي المعزز بالذكاء الاصطناعي على قطاع البناء، إذ يمكن للعملاء التجوال رقمياً في مشاريع البناء من دون الحاجة إلى زيارة المواقع. كما يعد الواقعان الافتراضي والمعزز مفيدين خلال مرحلة التصميم، حيث يتيحان لشركات البناء مراجعة التصاميم وفهمها بصورة أفضل.
يشوب عملية إنشاء بيئات في الواقع الافتراضي التعقيد، كما أنها مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً. لحسن الحظ، بسط الذكاء الاصطناعي كل شيء، وقد عززت التكنولوجيا عملية إنشاء الواقعين الافتراضي والمعزز بصورة كبيرة، خصوصاً أن الذكاء الاصطناعي يحلل بيانات التصميم وينشئ بيئات في دقائق.
ويمكن راهناً من خلال التطور الحاصل لفريق البناء الانتقال من وضع خطط البناء إلى إنشاء بيئات واقع افتراضي كاملة الوظائف في غضون يوم واحد.
ماذا عن المستقبل؟
يبشر مستقبل الذكاء الاصطناعي في قطاع البناء بآفاق واعدة، حيث تعيد التطورات الجديدة صياغة ملامح هذا القطاع. وقد تجاوزت الحاجة إلى الذكاء الاصطناعي في قطاع البناء 1.53 مليار دولار في 2024، وستصل إلى 14.2 مليار دولار بحلول عام 2031.
تمهد التقنيات الناشئة، مثل الآلات ذاتية التشغيل والصيانة التنبؤية والحلول القائمة على الاستدامة، الطريق لممارسات أكثر ابتكاراً واعتماداً على البيانات. وستحدث الروبوتات والطائرات من دون طيار ذاتية التشغيل تحولاً جذرياً في مهام مثل مسح المواقع ونقل المواد وبناء الطوب. وستعمل هذه الآلات بدقة وثبات، مما يقلل من الأخطاء البشرية ويزيد الإنتاجية.
ووفقاً لـ"مجموعة بوسطن الاستشارية"، يمكن أتمتة ما يصل إلى 30 في المئة من مهام البناء بحلول هذا العام، وهذا ما سيقلل بصورة كبيرة من الجداول الزمنية للمشاريع ويعزز كفاءة العمالة.
أما الاستدامة فهي مجال آخر يحرز فيه الذكاء الاصطناعي تقدماً ملحوظاً. ومع تزايد المخاوف المناخية، تساعد الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي شركات البناء على تحسين استخدام المواد وتقليل النفايات وتصميم مبانٍ موفرة للطاقة.
ومن المتوقع أن تؤتمت منصات الذكاء الاصطناعي المستقبلية المهام الإدارية كالجدولة وإعداد التقارير، بينما ستسهل معالجة اللغة الطبيعية المتقدمة بدورها التفاعل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي لأعضاء فريق العمل.