Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أخطاء 12 رئيسا أميركيا في حق "الزنابير"

يدعو زغبي إلى تغيير جذري باللجوء إلى قليل من القوة وكثير من الدبلوماسية والتنمية

يركز الكتاب على أثر القرارات الرئاسية الأميركية على زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط (اندبندنت عربية)

ملخص

يكتب زغبي أنه "ينبغي على الولايات المتحدة أن تستعمل القوة باعتدال وأن تترك للبلاد الأخرى أن تحل مشكلاتها الخاصة".

"يرى علماء البيئة السلوكية أن الزنابير حشرات يحيط بها سوء فهم كبير. فهي كائنات شديدة الجمال والروعة، قادرة على بناء هياكل اجتماعية معقدة، وهي ذات أهمية حيوية للنظام البيئي العالمي. ويعلم أغلبنا ما يحدث حينما تتعرض الزنابير أو أعشاشها للهجوم".

يرد هذا الثناء على الزنابير في كتاب سياسي عنوانه "ركل أعشاش الزنابير"، وهذه ترجمة حرفية لعبارة إنجليزية معناها "إثارة المتاعب أو الفتن". ولذلك يمضي مؤلف الكتاب ليقول إنه رأى في ما يحدث عند مهاجمة أعشاش الزنابير "استعارة ملائمة للتدخل الأميركي في الشرق الأوسط على مدى العقود الثمانية الماضية". وإذاً، فنحن الزنابير، وما نحن فيه من فوضى إنما هو من جراء مهاجمة أعشاشنا، أو هكذا يرانا الكاتب، أو العالم.

الكتاب الصادر حديثاً عنوانه بالكامل هو "ركل أعشاش الزنابير: سياسة الولايات المتحدة الخارجية في الشرق الأوسط من ترومان إلى ترمب". والكاتب هو دانيال زغبي العالم والمؤرخ وخبير عملية صنع القرار الرئاسي. ومن مؤلفاته السابقة كتابه "نقاط التردد: جورج دبليو بوش والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني" الصادر عن مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عام 2014. ويبدو الكتاب الحالي، الصادر في قرابة 420 صفحة عن دار سيمون أند تشوستر، نتاجاً طبيعياً لتخصصه في دراسة صنع القرار الرئاسي، وتوسيعاً لنطاق كتابه السابق المقصور على جورج دبليو بوش والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

ترى كيركوس رفيو في استعراضها الوجيز أن الكتاب "دراسة محفزة، مدعومة بالبحث الدقيق، لأثر القرارات الرئاسية الأميركية على زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط"، وتشير إلى أنه يتتبع "سبعة عقود من زلات الرؤساء الأميركيين في دبلوماسية الشرق الأوسط".

"يقدم زغبي، وهو الباحث المرموق في دراسات الشرق الأوسط، سرداً شاملاً لأخطاء 12 رئيساً أميركياً ابتداء بترومان وحتى دونالد ترمب في ولايته الأولى، أخطاء التردد والغطرسة المفرطة التي اتسمت بها سياساتهم، فجعلت من الشرق الأوسط قوة باعثة للاضطراب ومزعزعة للاستقرار".

يذهب زغبي إلى أن الولايات المتحدة ورثت الإمبراطورية العثمانية وفرنسا وبريطانيا "فصارت المهيمنة على المنطقة، ولكنها فشلت في التصرف بحكمة، فانتقلت من القوة الناعمة إلى الاعتماد المفرط على القوة الصلبة. وبدلاً من إعلاء التنمية والدبلوماسية - والدبلوماسية من خلال التنمية - لجأت السياسة الخارجية الأميركية المرة تلو الأخرى إلى الإنفاق العسكري الدفاعي على الانقلابات والحروب وصفقات الأسلحة".

 

ولعل ثقة دانيال زغبي في قدرة العمل التنموي على التأثير مقارنة بالتدخل العسكري، ناجمة عن تجربته الشخصية المباشرة. فهو يكتب في مفتتح كتابه قائلاً:

"خلافاً لكثير من أبناء جيلي، زرت الشرق الأوسط طفلاً صغيراً سريع التأثر، وشهدت بعيني ما تسببت فيه الحروب من خراب. لكن شأن كثر من أبناء جيلي، تشكل اهتمامي بسياسة الولايات المتحدة الخارجية بصورة أساس خلال مرحلة المراهقة، عندما شاهدت على الهواء مباشرة انهيار برجي مبنى التجارة العالمي خلال الـ11 من سبتمبر (أيلول). ثم شاهدت بلدي، وقد أعماه الغضب، يتخبط في حربين فاشلتين لا تزال آثارهما مستمرة حتى اليوم. وفي الجامعة، بدا أن الموضوع يزداد أهمية، وبحلول عام 2006 كان حرم جامعة بيركلي يغلي بالغضب بسبب حروب العراق وأفغانستان وفلسطين ثم لبنان. وفيما كنت طالباً جامعياً، لم أشعر أنني يمكن أن أضيف كثيراً إلى النقاشات الجامعية، فلم أسع إلى ذلك. كنت أشعر أنني يجب أن أتعلم كثيراً... فأطلقت حملة ضد أحد أبشع القتلة في منطقة الشرق الأوسط، أعني مرض السكري من النوع الثاني".

يمضي دانيال زغبي فيكتب عن علاقته بالشرق الأوسط في ضوء ذلك العمل الإنساني، وما استتبعه من زياراته الكثيرة إلى غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان، ومشاركته في جهود إنسانية كثيرة، وكيف أطلعته هذه الزيارات على جوانب من المجتمع كثيراً ما تغيب عن أنظار الباحثين في شؤون الشرق الأوسط السياسية المختلفة، ومنها على سبيل المثال الجهد المجتمعي الذي تقوم به جماعات من قبيل "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، ويصل إلى حد توزيع مبالغ مالية على الأسر المعوزة من حولها، بما يجعل هذه الأسر ممتنة لها ولداعميها الخارجيين. ويكتب زغبي:

"وفيما رأيت هذا كله... فكرت في أن الولايات المتحدة وحلفاءها يمكن أن يتعلموا شيئاً من ’حماس‘ و’الجهاد الإسلامي‘، وهو في المقام الرئيس أنهم ينبغي أن ينخرطوا في التنمية على نحو أشد جدية في عموم المنطقة. فلو أن إيران ووكلاءها قادرون على تقديم معونة خارجية على هذا النحو الذي يحفز الناس على الموت، فمن المؤكد أن الولايات المتحدة قادرة على المساعدة في إمداد أولئك البائسين بأسباب للحياة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يمكن أن نفهم في ضوء هذا كم يسهل تخطئة كل خطوة خطاها رئيس أميركي في المنطقة، بل وكل رئيس عربي أيضاً، فالرؤساء غالباً ما يتوجهون في قراراتهم وسياساتهم إلى تحقيق أهداف مختلفة أشد الاختلاف عن القضاء على مرض السكري من النوع الثاني.

تمضي كيركوس رفيو في استعراضها لـ"ركل أعشاش الزنابير" فتقول إنه "من خلال دراسات حالة لكل رئيس (أميركي)، يتعقب زغبي انهياراً مطرداً، يبدأ من قصر نظر هنري أس ترومان - الذي ’باعترافه بحق اليهود دون العرب في تقرير المصير، دونما وجود لجسر أو لخطة أو لتقسيم، ضمن عملياً اندلاع حرب إقليمية فورية‘ - وحتى عجز كينيدي عن كبح جماح تطوير إسرائيل للأسلحة، وإلى رئاسة ريغان ’التي اتسمت بمزاعم الخروج على القانون والصفقات المريبة والمقايضات المتعلقة بالرهائن‘ - مع استمرار ذلك النمط خلال الإدارات التالية".

و"المدهش بعض الشيء أن الرئيس غير المنتخب جيرالد فورد هو الوحيد الذي يظهر بصورة إيجابية في الكتاب، إذ يثني زغبي على سياسته في الشرق الأوسط ويراها ’منجزاً بديعاً من منجزات فن الحكم في العصر الحديث‘، مشيراً إلى أن فورد طالب بأن تتفاوض إسرائيل بنية حسنة مع مصر وكان مستعداً لتحدي التحالف الأميركي - الإسرائيلي تحقيقاً للسلام".

و"في حين أن زغبي يشير في مفتتح كتابه إلى بعض الأحداث القريبة من قبيل هجمة ’حماس‘ خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، فإن تحليله ينصب على القرارات التاريخية التي أوجدت الأزمة الراهنة". ولا ينفي ذلك أن الكاتب يقر بأن المشكلات الإقليمية تنبع من مصادر عدة ولا تقتصر على قرارات الرؤساء الأميركيين، فمن أسبابها أيضاً "أن دول الخليج أعلت من أولوية التحديث، وأن البلاد الفقيرة في المنطقة انزلقت إلى الصراع، وأن القادة أضاعوا فرصاً لتحسين أوضاع شعوبهم"، ولكن تركيز زغبي ينصب على "عقود من التدخلات الأميركية الخاطئة التي أدت إلى تفاقم الأوضاع وتدهورها، بتغذية فقدان الثقة وتقويض الاستقرار وإدامة دورات العنف في المنطقة برمتها".

وكما أن لدانيال زغبي خبرة مباشرة داخل منطقة الشرق الأوسط جراء زياراته إليها في سياق جهوده الإنسانية، فإن كليفورد كراوس لديه بالمثل خبرة مباشرة بالشرق الأوسط، إذ عمل مراسلاً خارجياً سابقاً لصحيفتي "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز"، فمضى به ذلك العمل إلى سوريا وإسرائيل وقطر ومصر، وتغطية ثورات الربيع العربي في البحرين وليبيا، ومن هنا فإن استعراضه للكتاب "واشنطن بوست - 28 أكتوبر 2025" له قيمته.

يكتب كراوس أنه "يسهل التشكيك في الآفاق بعيدة المدى للسلام في الشرق الأوسط، حتى بعد التطورات التي شهدناها أخيراً، من قبيل الضرر الكبير الذي لحق بقدرة إيران النووية وبحلفاء إيران من أمثال ’حماس‘ و’حزب الله‘ نتيجة للضرب الإسرائيلي والأميركي، ومن قبيل انهيار النظام السوري المدعوم من روسيا ليتولى الحكم قائد سابق في تنظيم ’داعش‘ يبدو في ظاهر الأمر أنه أصلح من نفسه، وبعدما تسببت الدبلوماسية بقيادة أميركا في إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في غزة".

غير أن كراوس يرى أن طرح زغبي وتقييمه الشامل لتاريخ أميركا الطويل في الشرق الأوسط يصل في بعض الأحيان إلى درجة القسوة، إذ إنه "يذهب إلى أن رؤساء الولايات المتحدة اقترفوا سلسلة من الأخطاء الجسيمة، وخلفوا من ورائهم سلسلة من العواقب غير المقصودة والفرص الضائعة. بل إن زغبي يكتب أنه ’لو لم تكن عاصفة الصحراء، ربما ما كان الـ11 من سبتمبر، وما كانت حرب العراق الثانية التي تكلفت تريليون دولار، ولا كانت ’داعش‘ بالتالي".

ويحكم كراوس على ذلك بأنه "زعم أجرأ مما ينبغي، وما هو بالزعم الوحيد الذي يخرج به زغبي علينا في كتابه على أية حال".

يجري دانيال زغبي مراجعة وإعادة نظر في سلسلة من القرارات الرئاسية، التي تبدأ باعتراف الرئيس هنري ترومان باستقلال إسرائيل وحتى انسحاب الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي الإيراني، "راسماً صورة للسياسة الخارجية الأميركية باعتبارها قصيرة النظر وانفعالية وذات عواقب سيئة على أصحابها. وينتقد الكتاب النزوع الأميركي إلى الاعتماد على الحلول العسكرية، ويذهب إلى أن واشنطن حاولت - وفشلت مراراً في - أن تدير ’التاريخ من خلال النزعة العسكرية ضيقة الأفق‘ و’النزعة الأخلاقية الصليبية‘".

ويأخذ كراوس على زغبي أن لغته تنزع إلى الوعظية بعض الشيء، "لكن نقده بصفة عامة جدير بأن يؤخذ على محمل الجد. فالكتاب يطرح سؤالاً رئيساً، هل تسببت السياسات الأميركية في مفاقمة أزمات الشرق الأوسط، أم الأمر ببساطة أن هذه السياسات أخفقت في معالجة صراعات قائمة أصلاً وعميقة الجذور؟".

 

 

"غالباً ما يميل زغبي إلى لوم السياسات الأميركية، مشيراً إلى أن العمل الدبلوماسي على نحو أكفأ وأفضل كان يمكن أن يحول دون نشوب حروب 1948 و1967 و1991 وما بعدها. لكن هذا المنظور يخاطر بالتهوين من أمر الحقائق القائمة على الأرض، من قبيل صعود القومية العربية بعد الحكم الاستعماري والانقسام الشيعي - السني والتوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فهذه قوى موجودة منذ أمد بعيد ولعلها كانت لتشكل مصير المنطقة بغض النظر عن تدخل واشنطن".

"ولننظر إلى اعتراف ترومان بإسرائيل، الذي يراه زغبي خطأ فادحاً، إذ يذهب إلى أنه لو كان الرئيس انتصح بنصيحة وزير الخارجية جورج مارشال باتباع نهج متوازن، فربما كان تحقق سلام دائم بين العرب واليهود قائم على تقسيم فلسطين من طريق التفاوض. لكن حتى قبل عام 1948 كان العنف والاضطراب - من قبيل ثورة العرب في عام 1936 - وضعا المنطقة بالفعل على مسار التصادم. ولكن زغبي يهون كثيراً من أمر هذا السياق".

"من المؤكد أن زغبي لا يبرئ تمام التبرئة لاعبي الشرق الأوسط أنفسهم. فهو يبرز على سبيل المثال كيف أن الزعماء الفلسطينيين عجزوا عن استثمار كثير من الفرص المحتملة السانحة. فيكتب عن خطة التقسيم خلال عام 1947 قائلاً إن ’الزعماء العرب برفضهم للخطة وإصدارهم بيانات التهديد... أضاعوا على الفلسطينيين العرب فرصة كبيرة للارتقاء بمكانتهم إلى إقامة دولة‘. غير أن حجة الكتاب الكبرى تتجاهل في بعض الأحيان دور القوى الإقليمية لتلقى لوماً مغالى فيه على الولايات المتحدة".

غير أن كراوس يقر بأن "لدينا بالطبع قدراً وفيراً من زلات السياسة الأميركية الجديرة بالدرس، من قبيل فضيحة إيران كونترا في عهد الرئيس رونالد ريغان وتدخل باراك أوباما الفاشل في ليبيا ودعم دوايت أيزنهاور للانقلاب على رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، وهو الدعم الذي يرى كثر أنه لا يزال يفسد أجواء العلاقات الأميركية - الإيرانية، وعجز جون كينيدي عن إيقاف طموحات إسرائيل النووية التي أغرت بلاداً مجاورة بالسعي إلى امتلاك ترسانة نووية في المقابل، وتردد ليندون بي جونسون خلال فترة ما قبل حرب 1967 وغفلة ريتشارد أم نيكسون عن حرب عيد الغفران خلال عام 1973 (أي حرب السادس من أكتوبر بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا) التي أعقبها بطبيعة الحال دور إدارته في إرساء طريق السلام بين مصر وإسرائيل".

"بل إن تعامل جورج بوش الأب مع حرب الخليج قُوبل بنقد من دانيال زغبي، على رغم ما قوبل به من ثناء على نطاق واسع. إذ يذهب زغبي إلى أن تلك الحرب لم تكن ضرورية وأن كل ما فعلته هو أنها هيأت المسرح لغزو 2003 الكارثي. ويرى أن نهجاً مختلفاً - من قبيل التركيز على إحلال الاستقرار بالاقتصاد العراقي - ربما كان ليحول دون غزو العراق للكويت للسيطرة على نفطها. وكذلك لا يفلت جيمي كارتر - الذي طالما حظي بالثناء بسبب دوره القيادي في اتفاق كامب ديفيد - من النقد هو الآخر. إذ يراه زغبي مخطئاً في تدخله المبكر داخل أفغانستان الذي ساعد في تمهيد الطريق للغزو السوفياتي وصعود المتطرفين".

وفي النهاية، يدعو زغبي إلى تغيير جذري باللجوء إلى قليل من القوة وكثير من الدبلوماسية والتنمية، فيكتب أنه "ينبغي على الولايات المتحدة أن تستعمل القوة باعتدال وأن تترك للبلاد الأخرى أن تحل مشكلاتها الخاصة".

قد يبدو لقارئ الكتاب في تقدير كراوس أنه كتاب "منحاز"، وأنه في بعض الأحيان "يميل ميلاً شديداً إلى الحكمة بأثر رجعي. ولكنه دراسة محفزة على التفكير في صنع السياسة الأميركية في إحدى أشد مناطق العالم اضطراباً. وسواء اتفق القراء أم اختلفوا مع نتائج زغبي، فسيرغمهم الكتاب على إعادة النظر في ما لو أن عقود التدخل الأميركي كان ضررها أكبر من نفعها".

اقرأ المزيد

المزيد من كتب