Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بات المنفذ البحري الإثيوبي واضحا في مدى المدافع؟

رئيس الأركان يؤكد أن وضع بلاده الاستراتيجي يمكنها من ضمان حقها وإريتريا تخشى من هجوم يستهدف ميناء "عصب"

قال رئيس الأركان الإثيوبي إن "أعداءً تاريخيين سعوا عبر عقود إلى حرمان إثيوبيا من مواردها الطبيعية" (أ ف ب)

ملخص

تظل قضية المنفذ البحري ساخنة لا سيما حين تتجاوز الأطر السياسية إلى العسكرية، وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قال في بداية التصريحات المعلنة حول المطالبة بالمنفذ البحري أمام جمع من الوزراء والقيادات في أديس أبابا، أكتوبر 2023، إن "البحر الأحمر بالنسبة إلى إثيوبيا هو مسألة حياة أو موت، وحان الوقت لمناقشة الموضوع علناً من دون مواربة".

قال رئيس أركان قوات الدفاع الوطني الإثيوبية المشير برهانو جولا، السبت الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول)، إن بلاده أصبحت في وضع استراتيجي يمكنها من ضمان حقها المشروع في الحصول على منفذ بحري، معتبراً أن ذلك يمثل إحدى الركائز الأساسية لنهضة إثيوبيا وازدهارها المستقبلي، فما الدلالات المصاحبة لتصريحات القيادة العسكرية الإثيوبية؟ وإلى أي مدى تفسر الوضع الاستراتيجي ضمن المناداة بالحصول على المنفذ البحري بالطرق السلمية؟

جاءت تصريحات المشير برهانو جولا خلال الاحتفال بالذكرى الـ118 لتأسيس قوات الدفاع الإثيوبية، الذي أقيم في مركز التدريب البحري تحت شعار "أمة لا تقهر، وجيش لا يقهر"، وأكد فيها وفق ما نقلته وكالة "فانا" الإثيوبية للأنباء، أن "أعداءً تاريخيين سعوا عبر العقود إلى حرمان إثيوبيا من مواردها الطبيعية وإشغالها بصراعات داخلية لإبقائها في دائرة الفقر والتخلف"، مضيفاً أن "شجاعة الجيش ودعم الشعب والقيادة الرشيدة مكنت البلاد من كسر تلك المؤامرات".

تظل قضية المنفذ البحري ساخنة لا سيما حين تتجاوز الأطر السياسية إلى العسكرية، وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قال في بداية التصريحات المعلنة حول المطالبة بالمنفذ البحري أمام جمع من الوزراء والقيادات في أديس أبابا، أكتوبر 2023، إن "البحر الأحمر بالنسبة إلى إثيوبيا هو مسألة حياة أو موت، وحان الوقت لمناقشة الموضوع علناً من دون مواربة".

وكشف أحمد النقاب عن استعداده لإثارة مطالب إثيوبيا بالحصول على منفذ بحري سيادي على البحر الأحمر في المحافل الدولية، لأن هذه المسألة بالنسبة إلى بلاده ليست ترفاً، بحسب تعبيره، مضيفاً أن "البحر الأحمر ونهر النيل هما ثنائيان يتوقف عليهما مصير إثيوبيا وجهودها التنموية".

 

وظلت مطالبات القيادة الإثيوبية بالمنفذ البحري تتواصل في كثير من المناسبات، ففي الـ15 من أكتوبر 2023، وخلال حوار تلفزيوني مع أعضاء البرلمان الإثيوبي قال آبي أحمد إن "مطالبة إثيوبيا بالوصول إلى البحر عبر وسائل سلمية ليست رفاهية بل مسألة وجودية، فنحن محاطون بالمياه ولكننا بلا منفذ، النيل والبحر الأحمر مرتبطان بمصير البلاد".

وفي الـ31 من أكتوبر 2024، خلال خطاب له أمام البرلمان، أشار إلى أن إثيوبيا لديها اهتمام ثابت وغير قابل للتراجع بالحصول على منفذ إلى البحر الأحمر، ونحن نسعى إلى ذلك بوسائل سلمية ولن نخجل من متابعة هذا الهدف، وإن لم نحققه نحن فإن أولادنا سيحققونه".

وفي الـ20 من مارس (آذار) 2025، قال أمام البرلمان أيضاً إن "الوصول إلى البحر مسألة وجودية لبلد يضم أكثر من 130 مليون نسمة"، وأضاف "نحن لا ننوي غزو إريتريا من أجل الوصول إلى البحر، هدفنا التفاوض لا أن نلجأ إلى الصراع".

الأكثر إثارة

وكانت الخطوة الأكثر إثارة حينما وقعت إثيوبيا في يناير (كانون الثاني) 2024 مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي غير المعترف به (صوماليلاند)، تقضي بتأجير إثيوبيا ميناءً بحرياً على شواطئها بحدود 20 كيلومتراً مربعاً لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة، وهي بداية الأزمة بين إثيوبيا ودولة الصومال في قضية الوصول إلى البحر.

تفجرت الأزمة الإقليمية مع دولة الصومال التي رفضت الاتفاق بوصفه غير شرعي وتعدياً على سيادة أراضيها، وجرت الأزمة أطرافاً إقليمية هي مصر وإريتريا. وعلى رغم ذلك ظلت إثيوبيا تحتفظ بعلاقات خاصة مع صوماليلاند التي أعلنت انفصالها عن دولة الصومال أثناء الأزمة الصومالية في مايو (أيار) 1991، وسبق للطرفين إبرام اتفاق في 2018 للاستفادة من ميناء "بربرة" الذي يقع على بعد 943 كيلومتراً من أديس أبابا، وأوشكت قضية "مذكرة التفاهم" بينهما بالتسبب في اندلاع حرب بين الصومال وإثيوبيا إلى حين التدخل المباشر من الرئيس التركي والوصول إلى "إعلان أنقرة" في الـ11 من ديسمبر (كانون الأول) 2024، الذي أعاد العلاقات بين أديس أبابا ومقديشو إلى طبيعتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ارتبطت إثيوبيا بالبحر الأحمر منذ عهود قديمة، فثمة مشتركات في تاريخ الحبشة والجزيرة العربية بخاصة على العهد الإسلامي، وهو ما تستند إليه السياسة الإثيوبية، وما تعتمده في تبنيها ما يمثله كل من النيل الأزرق والبحر الأحمر من مصير مرتبط بتاريخ إثيوبيا ومستقبلها.

وخلال التاريخ الحديث حدث كثير من التحولات على المستويين الدولي والإقليمي، لتبرز القضية الإريترية وأهلها كقومية مطالبة بالاستقلال ضمن الحدود التي حددها التنافس الاستعماري وقت الوجود الإيطالي.

فلم يكن الاستعمار الغربي الحديث حريصاً على أن تضم إثيوبيا شاطئ البحر لعوامل التنافس والمصالح المتضاربة في ما بين بلدانه (إيطاليا، وإنجلترا، والإمبراطورية العثمانية)، أو في ما بينه وبين الإمبراطورية الإثيوبية التي ظلت تمثل هي الأخرى قوة عالمية منافسة لمصالح غربية في شرق أفريقيا، بدليل قصة الإمبراطور تيدروس الثاني (1855- 1868) وبريطانيا العظمي حينما غزت جيوشها بقيادة الجنرال نابير شمال إثيوبيا عبر البر والبحر بعد خلافها معه. من هنا فإنه خلال الحقبة الاستعمارية نشأت الحدود لتحتفظ إريتريا بالشواطئ البحرية وخريطتها في القرن الأفريقي.

ثم تأتي مرحلة ثانية هي مرحلة المطالبة بالاستقلال والدعم العربي لإريتريا ضمن تركيبتها المعروفة في استئثار المسلمين العفريين بشواطئ البحر الأحمر، وقد حرصت المعطيات الأدبية التي ظلت جزءاً من المقاومة الإريترية على إبراز الحيز الجغرافي لإريتريا وارتباطها بالبحر الأحمر.

المرحلة الثالثة هي مرحلة الاستقلال، الذي برزت فيه الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا كقوة نافذة إلى جانب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في مرحلة ما بعد سقوط منغستو هيلاماريام عام 1991، ليحدث الاستقلال الرسمي الكامل للأراضي الإريترية في الـ24 من مايو (أيار) 1993.

 

تجلت مطالبات إثيوبيا الحديثة بالمنفذ البحري بوضوح قبيل استقلال إريتريا، حينما رأى بعض السياسيين أن لإثيوبيا الحق في الاحتفاظ بمنفذ بحري بحكم التاريخ والمصالح والثقل السياسي والحضاري، وكانت الفرصة مواتية، بحسب البعض، خلال الحرب الأخيرة بين إثيوبيا وإريتريا (حرب العامين 1998- 2000) لاستحواذ إثيوبيا على ميناء "عصب" الذي تفصله عن الحدود الإثيوبية بضعة كيلومترات، لولا التدخل الأميركي حينما وجه الرئيس بيل كلينتون حينها تحذيراً للقيادة الإثيوبية برئاسة رئيس الوزراء ملس زيناوي بوقف تقدم القوات الإثيوبية، وكان أن رفض بعض السياسيين الإثيوبيين تراجع الحكومة، مما أدى لاحقاً إلى الانشقاق في حزب تيغراي وإضعاف سلطته.

المطالبات الحالية لإثيوبيا بالمنفذ البحري تستند إلى التاريخ القديم المشترك بين دولة الحبشة والجزيرة العربية عبر البحر الأحمر، إلى جانب ما تمثله إثيوبيا الآن من ثقل سكاني (130 مليون نسمة)، وقوة اقتصادية وإقليمية من الضروري أن تنفذ إلى البحر لحماية مصالحها وأداء دورها الإقليمي في المنطقة كغيرها من القوى.

تخطي السياسة

تصريحات رئيس أركان قوات الدفاع الوطني الإثيوبية المشير برهانو جولا، خلال ذكرى تأسيس قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية، رافقتها تصريحات أخرى لقائد البحرية الإثيوبية ونائب الأدميرال كيندو غيزو بقوله "إن مطلب بلاده بالحصول على منفذ بحري ليس خياراً سياسياً أو اقتصادياً فحسب، بل قضية بقاء ترتكز على التاريخ والحقوق المشروعة لإثيوبيا".

وأوضح نائب الأدميرال أن موقف الحكومة الثابت إزاء أهمية المنفذ البحري، والدعم القوي من القيادة العسكرية العليا، أسهما في إعادة بناء البحرية الإثيوبية واستعادة مكانتها التاريخية، مضيفاً أن "إثيوبيا دولة ذات تاريخ طويل من الصمود أمام التحديات، وامتلاكها منفذاً بحرياً يمثل ضرورة استراتيجية لضمان مصالحها واستقلالها الاقتصادي والأمني".

يشار إلى أن تخطي التصريحات الأخيرة الحجج السياسية التي ظلت تطلقها القيادة السياسية خلال الفترة الماضية ضمن الخطاب الإثيوبي، يعطي إشارات إلى انفجار يخشى إشعال زناده بين الطرفين، وكان الرئيس الإريتري أسياس أفورقي حذر إثيوبيا من الحرب، وقال خلال لقاء تلفزيوني في الـ20 من يوليو (تموز) الماضي، "إذا اعتقدت إثيوبيا أنها قادرة على إغراق القوات الإريترية بهجوم بموجات بشرية، فهي مخطئة".

وتخشى إريتريا من هجوم تشنه الأخيرة للوصول عمداً إلى ميناء "عصب" جنوب إريتريا، الذي يبعد من الحدود الإثيوبية من 60 إلى 70 كيلومتراً، وكان كل من ميناءي "عصب" و"مصوع" المنفذين البحريين الرئيسين لإثيوبيا خلال عقود طويلة ماضية قبل استقلال إريتريا في مايو عام 1993.

لاعب إقليمي

تصريحات القيادة العسكرية الإثيوبية يفسرها المتخصص في الشؤون الدولية عادل عبدالعزيز حامد، بأن "كونها ترد على لسان القيادة العسكرية يعنى أنه إذا لم يتم هذا الأمر سلماً فيمكن أن يتم حرباً، مما يعكس الأهمية القصوى لهذا الموضوع، والذي يوضح الرغبة الإثيوبية بزيادة نفوذها الإقليمي وضمان حقوقها الاقتصادية، مما قد يؤدي إلى تغييرات حيوية في الاقتصاد والسياسة داخل إثيوبيا والمنطقة".

يشير حامد إلى أن "مطلب إثيوبيا بالمنفذ البحري ضمن المتغيرات والظروف التي تعيشها المنطقة يتجاوز الأطر الاقتصادية إلى غيرها من استراتيجيات دولية تشترك فيها جهات أخرى داعمة لحق إثيوبيا في تملك المنفذ البحري، ويأتي ذلك التوجه ضمن تحولات عالمية تتطلب أن تكون إثيوبيا لاعباً إقليمياً خلال الفترة القادمة بحكم ثقلها في المنطقة".

 

من جهته يقول الباحث في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن أحمد إن "إثيوبيا كانت في يوم من الأيام تتمتع بموانئ على البحر الأحمر وباب المندب الذي تمر عبره معظم التجارة العالمية، وعاشت قروناً على هذه الوضعية، ولكن لأسباب سياسية وعدم فهم من القيادة السياسية لأهمية المنفذ البحري فقدت إثيوبيا إطلالتها على البحر، مما ترتب عليه أعباء مالية باهظة نتيجة اعتماد الدولة على شواطئ دول أخرى، مما يكلف خزانة الدولة سنوياً ما يفوق 1.5 مليار دولار ككلفة في عمليات الاستيراد والتصدير من ميناء واحد فقط هو ميناء جيبوتي. هذه الوضعية طبعاً لا يمكن أن تستمر، كما لا يمكن أن تبقى دولة بحجم إثيوبيا يتجاوز عدد سكانها 130 مليون نسمة من دون منفذ بحري خاص بها لتسيير أعمالها مع العالم الخارجي"، ويضيف "الوضع غير المنصف الذي تعيشه إثيوبيا نتيجة عدم تملكها المنفذ البحري قد يضر حتى بدول الجوار الأخرى، لأن عدم استقرار إثيوبيا يعنى عدم استقرار هذه الدول، لذلك بدأت تطالب بأن يكون لها منفذ بحري تستطيع عبره تسيير مصالحها في عمليات الاستيراد والتصدير، علماً أن إثيوبيا تتجه الآن إلى أن تشكل مركزاً صناعياً إضافة إلى كونها دولة زراعية لديها كثير من المحاصيل للأسواق العالمية، إلى جانب ما تمتلكه من ثروة حيوانية، لذلك لا بد من أن يتغير هذا الوضع"، ويتابع "إثيوبيا في مطالبتها بالمنفذ البحري تستند إلى القانون الدولي الذي يعطي الأحقية للدول الحبيسة بأن يكون لها تعاون واتفاقات مع الدول الساحلية المجاورة يتيح لها منفذاً بحرياً خاصاً بها تسير عبره مصالحها، ونحو هذا الهدف عملت السياسة الإثيوبية بإجراء الحوارات عبر الطرق السياسية والدبلوماسية، وهيأت العالم الخارجي لتفهم مطلبها العادل، والآن أصبح هناك تفهم دولي كبير جداً بدليل تصريحات سفير الولايات المتحدة في إثيوبيا بأهمية وصولها إلى المنفذ البحري، واستند السفير الأميركي إلى التطور الاقتصادي والتنموي الذي تعيشه إثيوبيا وتزايد عدد السكان".

رسائل ردع

رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية يس أحمد يقول "في تقديري أن تصريحات المشير برهانو جولا تحمل دلالات ومعاني عدة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، منها استعراض القدرات العسكرية المتطورة في الدفاع عن إثيوبيا ومصالحها براً وبحراً وجواً، وكذلك جاهزية قوات الدفاع الوطني الإثيوبية لتنفيذ القرارات السياسية من قبل الحكومة الإثيوبية بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد، كما أكد ثلاث أولويات مهمة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، هي السلام، والتنمية، والحصول على المنفذ البحري. وهناك دلالات أخرى تحمل رسائل ردعية للنظام الإريتري الذي يتدخل في الشؤون الداخلية بدعم بعض المجموعات المتمردة في إثيوبيا".

ويضيف "يبدو أن الحكومة الإثيوبية تستعد لسيناريو الحرب في حال اندلاعها، ولكن ليس قبل استنفاد كل الأوراق التي في يدها من خلال علاقاتها الإقليمية والدولية وعبر الطرق الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية والسياسية لإيجاد حل سلمي وقانوني لقضية المنفذ البحري".

ويتابع أن تصريحات المشير برهانو جولا تحمل دلالة أخرى على أن هناك توافقاً بين مؤسسات الدولة الإثيوبية على ضرورة المنفذ البحري باعتباره مسألة وجودية للدولة الإثيوبية، مما يعزز التعاون والتكامل لتحقيق الهدف الاستراتيجي المنشود بأن تصبح إثيوبيا دولة ساحلية على البحر الأحمر وتستعيد تاريخها المجيد".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير