Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

باكستان وحكومة "طالبان"... الفجوة التي يصعب ردمها

يؤكد تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2024 تزايد الدعم للحركة من قبل الإدارة الأفغانية الحالية

المدفعية الباكستانية تطلق النار على أهداف داخل أفغانستان (راديو باكستان)

ملخص

العلاقات الباكستانية - الأفغانية تدهورت من دون شك، إذ تتهم باكستان حركة "طالبان" الأفغانية بتوفير ملاذ آمن وتسهيلات لحركة "طالبان" باكستان، مما يبدو أنه يتناقض مع السياسة الخارجية الباكستانية السابقة. وعقدت جولات محادثات مباشرة عدة وغير رسمية مع "طالبان" وقيادة حركة "طالبان باكستان" في محاولة لوقف الهجمات عبر الحدود من دون أن يحرز أي تقدم

تحول النزاع القديم بين إسلام آباد وكابول إلى مواجهة عسكرية مباشرة بعدما فتحت الاشتباكات الدموية الأخيرة بين القوات الباكستانية وحركة "طالبان" الأفغانية فصلاً جديداً وخطراً في العلاقات المتوترة بين البلدين.

وتؤكد باكستان أن حركة "طالبان" الأفغانية تؤوي منظمة "تحريك طالبان باكستان" الإرهابية، مما أدى إلى تصاعد التوترات واستخدام القوة من الجانب الباكستاني وسقوط عشرات القتلى من الجانبين.

وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية نفذت حركة "طالبان باكستان" والجماعات المتحالفة معها بعضاً من أعنف الهجمات على قوات الأمن الباكستانية. وبدأت الاشتباكات المباشرة على الحدود بعد تقارير عن غارة جوية في كابول من قبل باكستان بحسب الاتهام الأفغاني في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول)، وقيل إن الهجوم استهدف زعيم حركة "طالبان باكستان" نور ولي محسود الذي يعتقد أنه العقل المدبر لهجمات عبر الحدود ضد باكستان، إلا أن حركة "طالبان باكستان" قالت إن محسود لا يزال على قيد الحياة ونشرت مقطع فيديو له لإثبات موقفها.

 

وردت الحكومة الأفغانية على الهجوم الباكستاني المزعوم على كابول بشن هجمات مضادة على مواقع باكستانية، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة على امتداد أجزاء مختلفة من الحدود الطويلة والوعرة وغير الآمنة بين البلدين، كما شنت باكستان غارات جوية أخرى في كابول وقندهار ادعت أنها كانت لاستهداف مخابئ الإرهابيين.

هذا الصراع المسلح عكس التوقعات الاستراتيجية لباكستان، لا سيما بعد سيطرة "طالبان" على كابول عام 2021، حيث أملت إسلام آباد أن تثبت حكومة "طالبان" صداقتها لباكستان وتسيطر على حركة "طالبان الباكستانية"، لكن ما حدث كان عكس ذلك.

وأعرب رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، إبان سيطرة "طالبان" على كابول، عن سعادته لاستيلاء "طالبان" على السلطة قائلاً "لقد كسر الأفغان قيود العبودية". وانتشرت آنذاك صورة مثيرة للجدل لرئيس جهاز الاستخبارات الباكستاني الجنرال فيض حميد (الذي يواجه الآن محاكمة عسكرية) في وسائل الإعلام الدولية وهو يحتسي الشاي في كابول بعد أيام قليلة من استيلاء "طالبان" على السلطة. ولكن بالنسبة إلى "طالبان" التي أصبحت أسيرة لمبادئها الأيديولوجية فإنه من غير الممكن كبح جماح الجماعات الإرهابية.

العلاقات الباكستانية - الأفغانية تدهورت من دون شك، إذ تتهم باكستان حركة "طالبان" الأفغانية بتوفير ملاذ آمن وتسهيلات لحركة "طالبان باكستان"، مما يبدو أنه يتناقض مع السياسة الخارجية الباكستانية السابقة. وعقدت جولات محادثات مباشرة عدة وغير رسمية مع "طالبان" وقيادة حركة "طالبان باكستان" في محاولة لوقف الهجمات عبر الحدود من دون أن يحرز أي تقدم. وفي الوقت نفسه أعادت حركة "طالبان باكستان" تنظيم صفوفها وكثفت هجماتها التي ارتفعت من 573 هجوماً عام 2021 عندما سيطرت "طالبان" على كابول إلى 1200 بحلول عام 2023، ولا تزال الهجمات على قوات الأمن الباكستانية مستمرة إلى اليوم.

ربما لم تدرك باكستان أثناء دعمها لـ"طالبان" الصلة الأيديولوجية العميقة بين "طالبان" الأفغانية وحركة "طالبان باكستان" إذ لا تعد "طالبان" الأفغانية نظيرتها الباكستانية جماعة إرهابية، لذا لا تمتنع عن تقديم تسهيلات كثيرة لها، ويعود ارتباط الفصيلين إلى عقود، إذ قاتلت "طالبان الباكستانية" إلى جانب نظيرتها الأفغانية ضد القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو)، موفرة لها الملاذ الآمن والمقاتلين، كما أعلن مقاتلو حركة "طالبان باكستان" عن ولائهم للزعيم الأعلى للحركة الأفغانية هيبة الله أخوند زادة.

ويؤكد تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2024 تزايد الدعم لحركة "طالبان الباكستانية" من قبل الإدارة الأفغانية الحالية. ووفقاً للتقرير فإن الحركة الباكستانية تعد أكبر جماعة مسلحة في أفغانستان ويقدر عدد مقاتليها بما بين 6 آلاف و6 آلاف و500 مقاتل. ويكشف التقرير عن أن تنظيم "القاعدة" يدير معسكرات تدريب تحت مظلة "طالبان" ويقدم الدعم العسكري والمسلح للحركة الباكستانية.

من جانب آخر تعتقد "طالبان" أنه إذا ضغطت على حركة "طالبان الباكستانية" فقد تبدأ المجموعة في التعاون مع تنظيم "داعش" في خراسان الذي أصبح، بحد ذاته، يشكل تهديداً كبيراً لحكومة "طالبان"، وتعد مسؤولة عن هجمات دامية في أفغانستان وباكستان وإيران وروسيا.

ويتعمق الشعور بانعدام الثقة بين باكستان و"طالبان" مع كل هجوم جديد للحركة، وترددت باكستان سابقاً بين الحوار والحل العسكري، لكن "طفح الكيل" لدى الإدارة الباكستانية مع تزايد الهجمات وسقوط القتلى والجرحى في صفوف الأمن الباكستاني، مما أدى أخيراً إلى اتخاذ خطوات عسكرية جريئة على جانبي الحدود بالتالي إلى صدام جديد مع "طالبان" الأفغانية.

يأتي هذا التوتر المسلح في وقت تعزز فيه حركة "طالبان" علاقاتها مع خصم باكستان اللدود الهند، التطور الذي ينظر إليه بقلق بالغ، لا سيما بعد الترحيب الكبير الذي حظي به وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي في نيودلهي وإعلان الهند إعادة فتح سفارتها لدى كابول. ويبدو أن الهند التي قد تمنح حكومة "طالبان" وضعاً دبلوماسياً على الساحة العالمية تسعى من جانبها إلى تحقيق استراتيجية لكسر نفوذ باكستان والحد من نفوذ الصين المتزايد في أفغانستان. وتحاول نيودلهي استعادة نفوذها المفقود في أفغانستان بعد أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001، ويبدو أن تقاربها مع "طالبان" مناورة جيوسياسية مدروسة بعناية لا سيما أنها لم تستثمر سوى ثلاثة مليارات دولار في إعادة إعمار أفغانستان خلال 25 عاماً.

ولا يزال الوضع بين إسلام آباد وكابول متقلباً بعد الاشتباكات الدامية، وعلى رغم توسط قطر في وقف إطلاق نار موقت، لا يزال معبرا تورخام وشامان الحدوديان الرئيسان مغلقين، مما يؤثر بصورة كبيرة في التجارة والحركة على جانبي الحدود. وقد أصبحت هذه الحدود حالياً بمثابة نقطة اشتعال خطرة، مما قد يتسبب في مزيد من عدم الاستقرار في أفغانستان والمنطقة بأكملها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم يتم حل النزاع الأساس حول ملاذات حركة "طالبان الباكستانية" الآمنة داخل الحدود الأفغانية، كما تتهم باكستان "طالبان" بإيواء الانفصاليين المسلحين مثل "جيش تحرير بلوشستان"، وتعتقد أن هذه المجموعات لها صلات بحركة "طالبان الباكستانية" أيضاً.

ويشكل هذا التنافس الجديد تحديات جسيمة لكلا الجانبين، فـ"طالبان" المتخصصة في حرب العصابات تفتقر إلى الموارد والتكنولوجيا اللازمة لخوض حرب تقليدية طويلة الأمد مع جيش قوي مثل الجيش الباكستاني، ولم تُؤدِّ عودتها للسلطة إلى استقرار أفغانستان ولا إلى الاعتراف العالمي الذي تسعى إليه. وتواجه "طالبان" داخلياً انقساماً حاداً في القيادة بين فصيل قندهار المتشدد (هبة الله أخوند زادة)، والفصائل المعتدلة نسبياً (الملا برادار وشبكة حقاني).

حالياً، يسيطر الفصيل القندهاري المتشدد على السلطة في حين يظل نفوذ الفصائل المعتدلة محدوداً. ويتفاقم هذا الصراع الداخلي بسبب أزمة اقتصادية خانقة، فحكومة "طالبان" شبه مفلسة بسبب انقطاع المساعدات الخارجية وتجميد أصول البنك المركزي والعقوبات العالمية التي تضعف قبضتها الداخلية. وتؤثر هذه الأزمة الداخلية في السياسية الخارجية، بخاصة في العلاقات مع باكستان، كما أن وجود جماعات مثل "حركة تركستان الشرقية" الإسلامية وتنظيم "داعش" في أفغانستان يثير قلق قوى إقليمية مثل الصين وروسيا وإيران. وتعتبر الصين أن "حركة تركستان الشرقية" تشكل تهديداً لمشاريعها في جنوب ووسط آسيا، وتضغط على "طالبان" لاتخاذ إجراءات ضدها، لكن بالنسبة إلى "طالبان"، فإن التلاعب أو محاولة السيطرة على هذه المجموعات هو بمثابة وضع اليد في عش الدبابير.

الوضع حرج بالنسبة إلى باكستان أيضاً، إذ تواجه ضغوطاً من أفغانستان والهند في الوقت نفسه وتدرك أن وجود حكومة معادية في كابول، بخاصة حكومة مقربة من نيودلهي، أمر غير مقبول لها.

من المحتمل أن تعيد "طالبان" مستقبلاً إشعال نزاع خط دوراند مع باكستان لإثارة القومية البشتونية. خط دوراند هو الحد بين باكستان وأفغانستان ولم تعترف أفغانستان به منذ استقلال باكستان، وتدعي أن كل مناطق البشتون يجب أن تكون تابعة لها، وهو ادعاء ترفضه باكستان بشدة، وظل هذا النزاع الحدودي مصدر توتر دائماً بين البلدين بغض النظر عن أيديولوجية الحكومة في كابول.

وتعد الاشتباكات الأخيرة تحولاً كبيراً في سياسة باكستان وتدل على نهج "عدم التسامح مطلقاً" مع الجماعات المدعومة من "طالبان" مثل حركة "طالبان باكستان"، وقالت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان نادر وقوي أخيراً، "نأمل في أن ينعم الشعب الأفغاني بالحرية يوماً ما ويعيش في ظل حكومة تمثله تمثيلاً حقيقياً".

هذا التصريح لا يدل على التوتر بين البلدين، بل يشكك في شرعية حكومة "طالبان" ويظهر ابتعادها عن التصور المتعالي في الماضي. وقال مسؤول أمني باكستاني كبير "لم نستبعد أبداً إجراء محادثات، لكن الشرط المسبق هو أن يتوقف الجانب الآخر عن رعاية الإرهاب".

وتجري حالياً جهود للتفاوض بين حركة "طالبان" الأفغانية وباكستان والسيطرة على الجماعات الإرهابية على رغم ضآلة الأمل في نجاحها بسبب الركود الأيديولوجي لـ"طالبان". وربما جلبت الوساطة ووقف إطلاق النار الموقت راحة موقتة، لكن الصراعات الأساسية بين الحلفاء السابقين خلفت شقوقاً قد لا تلتئم لعقود قادمة.

أويس توحيد - نقلاً عن "اندبندنت أوردو"

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير