ملخص
من الصعب اليوم تجاهل المستثمرين الأفراد، إذ باتوا يشكلون قوة مؤثرة في تحركات الأسواق، فهم معروفون بشراء الأسهم عند التراجعاًت، مما يدعم الأسعار، لكن اندفاعهم الجماعي نحو "الفرصة القادمة" غالباً ما يؤدي إلى خسائر قاسية للمتأخرين في مطاردة الزخم
شهدت الأسواق المالية خلال الأسابيع الماضية موجة مضاربات قادها المستثمرون الأفراد، إذ قفزت أسهم شركة "بيوند ميت" المتخصصة في الأغذية النباتية والمتعثرة بأكثر من 1000 في المئة خلال أربعة أيام فحسب، قبل أن تتبخر مكاسبها في وقت قياسي.
وفي الوقت ذاته سجلت أسعار الذهب مستويات قياسية جديدة، لتشهد بعدها أسوأ تراجع خلال يومين منذ سنوات، بينما تدفقت مليارات الدولارات إلى صناديق المؤشرات المتداولة المرتبطة بأصول عالية الأخطار مثل العملات المشفرة، وعلى رأسها "بيتكوين" و"سولانا".
هل أصبح الأفراد قوة رئيسة في الأسواق؟
من الصعب اليوم تجاهل المستثمرين الأفراد، إذ باتوا يشكلون قوة مؤثرة في تحركات الأسواق، فهم معروفون بشراء الأسهم عند التراجعاًت، مما يدعم الأسعار، لكن اندفاعهم الجماعي نحو "الفرصة القادمة" غالباً ما يؤدي إلى خسائر قاسية للمتأخرين في مطاردة الزخم.
من أين بدأت الظاهرة؟
تجلى أبرز مثال على خطورة هذه الموجة في أسهم شركات الحوسبة الكمية التي قفزت بنسب تجاوزت 1000 في المئة خلال عام واحد، قبل أن تبدأ موجة هبوط حادة استمرت لأيام، فقد تراجعت أسهم شركات مثل "ريغيتي" للحوسبة و"دي وايف كوانتوم" و"أي أون كيو" بأكثر من 6 في المئة في جلسة واحدة.
عن ذلك يقول المتداول السابق ومؤسس شركة "ألفا" كيفن شو، وهي منصة دردشة مدعومة بالذكاء الاصطناعي مخصصة للمتداولين، "السوق اليوم أصبحت أكثر ارتباطاً بالسرد القصصي من أي وقت مضى، فالمتداولون يبحثون عن قصص جذابة ومحفزات قوية، وبمجرد أن تنتشر الفكرة، تتضخم ككرة ثلج".
كيف أسهم التداول المجاني في تضخيم الظاهرة؟
منذ أن أصبحت عمولات التداول مجانية عام 2019، تضاعف نشاط الأفراد في الأسواق، إذ تشير البيانات إلى أن متوسط حجم التداول اليومي للأسهم الأميركية بلغ نحو 12 مليار سهم منذ ذلك الحين، أي أعلى بنسبة 75 في المئة من المعدل المسجل في السنوات الست السابقة، وخلال الـ12 شهراً الماضية، ارتفع المتوسط إلى 16.7 مليار سهم يومياً.
وتظهر البيانات أن حجم التداول خارج البورصات الرسمية، مثل المنصات التابعة لوسطاء التجزئة كـ"روبن هود"، سيشكل 50 في المئة من إجمال التداول هذا العام للمرة الأولى في التاريخ.
ومن السمات المميزة للمستثمرين الأفراد أنهم يشترون الأسهم عند التراجعات ويستخدمون الخيارات المالية لتعظيم العائدات، فعندما فجَّر الرئيس دونالد ترمب مخاوف من حرب تجارية جديدة في الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري اندفع الأفراد لشراء خيارات الشراء بوتيرة قياسية، بحسب بيانات "سيداتيل سيكيورتيز".
وتظهر البيانات أن الطلب على خيارات الشراء تجاوز خيارات البيع لمدة 24 أسبوعاً متتالية، وهي أطول فترة منذ بدء تسجيل هذه البيانات عام 2020.
لماذا يثير نشاط الأسهم الرخيصة القلق؟
في مكتب التداول لدى بنك "غولدمان ساكس" في نيويورك لاحظ المتعاملون قفزات كبيرة في تداول الأسهم الرخيصة، فبحسب الفريق الذي يقوده جون فلوود، كانت أكثر 10 أسهم تداولاً منتصف الأربعاء الماضي جميعها بأسعار أقل من دولار واحد أو تنتمي إلى شركات يفضلها الأفراد، ومنذ بداية العام تجاوزت أوامر الشراء أوامر البيع في 146 يوماً، أي أكثر حتى من فترة فورة الأسواق عام 2020.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقبل المستثمرون الأفراد أيضاً على الأسواق الأقل تنظيماً مثل أسواق خارج المقصورة، إذ بلغ متوسط التداول الشهري نحو 59 مليار دولار هذا العام، وهو مستوى قريب من ذروة فترة أسهم "الميم" (يشير إلى الأسهم التي ترتفع أسعارها بصورة كبيرة نتيجة ضجة جماهيرية على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الجائحة)، وفق تحليل لبيانات هيئة تنظيم الصناعة المالية.
ويحقق المستثمرون الأفراد أرباحاً في أسهم الشركات الكبرى، فمؤشر "سيتي غروب" لأسهم المستثمرين الأفراد الذي يضم شركات مثل "تيسلا" و"سوفي تكنولوجيز" و"رايوت بلاتفورمز" ارتفع بنسبة 55 في المئة منذ بداية العام، متجاوزاً مكاسب مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" البالغة 14 في المئة.
هل الزخم موقت؟
لكن تركيز المستثمرين الأفراد على أسهم بعينها يتغير بسرعة، مما يجعل الأسهم الصاعدة عرضة لانعكاسات حادة، فبحسب بيانات "بيسبوك إنفيست غروب" انخفضت الأسهم الأفضل أداء بين الأول من أغسطس (آب) الماضي والـ14 من أكتوبر الجاري بمتوسط 5.7 في المئة منذ ذلك الحين، في حين ارتفعت بقية الفئات.
لا يقتصر سلوك المخاطرة على الأسهم فحسب، بل يمتد إلى العملات المشفرة والخيارات المالية، فقد جذبت صناديق المؤشرات المتداولة المرتبطة بالعملات المشفرة نحو 47 مليار دولار من الأموال الجديدة هذا العام، بينما أضافت الصناديق التي تستخدم الخيارات لتعظيم العوائد نحو 10 مليارات دولار.
حتى الذهب، وهو من أقدم وأوثق الملاذات الاستثمارية الآمنة، لم يسلم من موجة الزخم، إذ أقبل المستثمرون الأفراد على شراء صناديق مؤشرات مدعومة بالذهب.
وقال الشريك المؤسس لشركة "بيمكو" عبر منصة "إكس" بيل غروس "الذهب أصبح أصلاً تحركه الزخم، أشبه بأصول الميم إذا كنت تنوي شراؤه، فانتظر قليلاً"، وبالفعل تراجع سعر الأونصة من 4380 دولاراً إلى نحو 4004 دولارات خلال أيام.
كيف يرى المحترفون هذا السلوك؟
أما بالنسبة إلى المستثمرين المحترفين الذين يحاولون التعامل مع أسواق تتأثر أكثر فأكثر بتدفقات "الأموال الساخنة" من الأفراد، فالحذر واجب.
يقول الرئيس المشارك لفريق الأسهم المنهجية في "بلاك روك" جيف شين "من منظور إدارة الأخطار، يجب أن تكون مدركاً لتدفقات المستثمرين الأفراد، فهم جميعاً في وضع المخاطرة، ولا ينبغي المبالغة في الرهان ضدهم على المدى القصير، لكن في النهاية ستفرض الأساسات الاقتصادية واقعها بمرور الوقت".