Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الذكاء الاصطناعي وحده غير مؤهل للكشف عن حالات المجاعة

فيما يهدد تقليص التمويل عمليات الرصد البشري، يوضح المتخصصون لماذا يجب ألا تحل النماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي محل أنظمة الرصد التقليدية

سودانيون يتجمعون للحصول على وجبات طعام في الفاشر، المدينة التي تحاصرها قوات "الدعم السريع" شبه العسكرية السودانية منذ أكثر من عام (أ ف ب/غيتي)

ملخص

يحذر المتخصصون من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الكشف عن المجاعات، مؤكدين أن البيانات المعقدة والعوامل السياسية تجعل الرصد البشري المتخصص ضرورياً، خصوصاً مع تقلص التمويل وتراجع أدوات المراقبة التقليدية، مما يهدد بضعف الاستجابة الإنسانية وفقدان أرواح يمكن إنقاذها.

شهد هذا العام لحظة قاتمة مع تسجيل مجاعتين في وقت واحد، في غزة والسودان، مما أثر في حياة ملايين الأشخاص. وهذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ إنشاء نظام التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي "أي بي سي" Integrated Food Security Phase Classification (IPC) عام 2004، وهو المعيار العالمي لقياس انعدام الأمن الغذائي.

وعلى رغم أن وقف إطلاق النار في غزة أنعش الآمال بتحسن الوضع الغذائي في القطاع، فإن الأزمات الإنسانية في مناطق أخرى من العالم تتفاقم بسبب عوامل عدة، من بينها تقليص المساعدات. فقد أشار تقرير صدر هذا الأسبوع عن "برنامج الأغذية العالمي" World Food Programme (WFP) إلى تحديات رئيسة أبرزها بلوغ انعدام الأمن الغذائي مستويات قياسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وارتفاع معدلات سوء التغذية في أفغانستان حيث لا تصل المساعدات الغذائية حالياً سوى إلى 10 في المئة من السكان، إضافة إلى تفاقم الأزمة في هايتي، إذ بات المستفيدون من المساعدات يتلقون مواد غذائية تعادل نصف الحصة الشهرية المعتادة التي يقدمها البرنامج، نتيجة تقليص الموازنة.

وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين "يواجه العالم موجة متزايدة من الجوع الحاد تهدد ملايين الأشخاص الأكثر ضعفاً، فيما يتناقص التمويل اللازم لمساعدتنا على الاستجابة لهذا الوضع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب منظمة "أنقذوا الأطفال"، فإن المرحلة الخامسة في تصنيف الـ"أي بي سي" تُعدّ مجاعة كاملة، لكن حتى المرحلتين الثالثة والرابعة – اللتين طاولتا العام الماضي نحو 300 مليون شخص حول العالم – تنطويان على خطر حقيقي بوفاة الأطفال جوعاً. ويشرح متخصص المجاعات في مركز الأبحاث العالمي "أو دي أي غلوبال" ODI Global سيمون ليفين، قائلاً: "المرحلة الثانية ليست جيدة إطلاقاً، والثالثة تبدأ عندها المخاوف، أما الرابعة فهي مرحلة القلق الشديد، والخامسة لا يجب أن تحدث أبداً".

لكن قدرة المنظمات الإنسانية على رصد انعدام الأمن الغذائي ومراقبته على مقياس "أي بي سي" أصبحت موضع شك كبير هذا العام بعدما توقفت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة "فيوز نت" FEWS NET الممولة من الحكومة الأميركية – التي تعد الأداة الأهم في رصد المجاعات – عن العمل، بعد الإغلاق المفاجئ الذي أمر به الرئيس دونالد ترمب للوكالة الأميركية للتنمية الدولية في يناير (كانون الثاني) الماضي، مما أدى إلى انقطاع التمويل عنها.

وأُسست هذه الشبكة عام 1985 بعدما جذبت المجاعة في إثيوبيا انتباه العالم، وتقوم منذ ذلك الحين بإصدار تقارير شهرية عن عدد كبير من البلدان من خلال إطارها التحليلي المُجرب. وهو إطار تطوّر على مدى أربعة عقود من الخبرة في التعامل مع البيانات الصعبة للوصول إلى تقييمات للأمن الغذائي تتوافق مع مقياس "أي بي سي" - وتشمل كل المعطيات من أوقات الحصاد إلى أخطار وقوع الكوارث والأسعار المطروحة في الأسواق المحلية.

ويقول نائب مدير المشاريع في "فيوز نت"، تيم هوفين، "نضع سيناريوهات نابعة من طريقة عيش الناس. وبصفتنا محللين، فإننا ندمج البيانات والأدلة، من دون أن يستند هذا العمل إلى خوارزمية أو استطلاع واحد".

كان من حسن حظ المنظمات غير الحكومية والحكومات، أن أعيد إطلاق هذه الشبكة في يونيو (حزيران) الماضي. غير أن أصواتاً عدة ارتفعت في ظل تضاؤل المساعدات الخارجية تتساءل ما إذا كانت النماذج الخوارزمية أو تلك القائمة على الذكاء الاصطناعي قادرة على توفير بدائل أرخص وأكثر ذكاءً من نظام عمره 40 عاماً.

وفي هذا الصدد، يقول المهندس الرئيس في شبكة "فيوز نت"، ديف إنغليش لـ"اندبندنت"، "في الوقت الحالي، جميعنا نشعر بضغط الحكومات والوكالات التي تقول لنا ’لماذا لا تستخدمون الذكاء الاصطناعي في كل شيء؟‘"، مضيفاً "وتواصل معنا باحثون طوّروا مؤشرات مركبة ضخمة تحاول التنبؤ بكل شيء دفعة واحدة".

وتعمل منظمات مثل "المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية" International Food Policy Research Institute على تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالمجاعات، بينما تضخ الإدارات الحكومية المعنية بالمساعدات المال في عمليات التعلم الآلي: فمثلاً، من المقرر أن تطلق وزارة الخارجية البريطانية مبادرتين رئيستين حول الذكاء الاصطناعي في خدمة التنمية أثناء انعقاد اجتماع مجموعة الـ20 المقبل في جنوب أفريقيا.

ولكن على رغم من تعاونها مع هؤلاء الأشخاص، "بقدر الإمكان"، لم تجد "فيوز نت" حتى الآن أي شيء يعتبر "مفيداً بشكل خاص" في عالم الكشف عن المجاعات باستخدام الذكاء الاصطناعي، كما يقول السيد إنغليش. وهناك مبررات عدة لذلك بحسب المتخصصين.

معايير واضحة وبيانات صعبة

كتب المتخصص العالمي الرائد في نظرية المجاعة أمارتيا سين، عام 1999 "لم يحدث أبداً في تاريخ العالم أن وقعت مجاعة في ظل ديمقراطية فعالة". ويقول سين إن هذه الأحداث لا تتعلق بنقص الغذاء، بل بالديناميات السياسية التي تمنع وصول الغذاء إلى الناس.

وتؤثر هذه الديناميات السياسية أيضاً في جودة البيانات المتاحة التي يتطلب العمل عليها عادة خبرة ومراعاة للظروف الخاصة. يقول ليفين من مركز "أو دي أي غلوبال"، "يكون قسم كبير من البيانات إما قديماً أو غير مناسب أو غير مؤكد، مما يعني أن تقييم وضع انعدام الأمن الغذائي يتحول إلى عملية تقوم على إجماع آراء متخصصين متعددين".

ويضيف السيد إنغليش "يمكن للحكومات التلاعب بالبيانات: إذ قد تضخم الإحصاءات الوطنية حجم المحاصيل، وقد تختلف معدلات التضخم المعلنة اختلافاً كبيراً مقارنة بما يعيشه السكان على أرض الواقع".

في الوقت الذي وُضعت فيه معايير واضحة على الورق تحدد ما الذي يشكل الدرجة الخامسة على مقياس "أي بي سي" - بما فيها ضرورة أن يطاول النقص الحاد في توفر الغذاء 20 في المئة من السكان في الأقل، وأن يعاني 30 في المئة من الأطفال سوء التغذية الحاد وأن يلقى شخصان من كل 10 آلاف شخص حتفهم بسبب الجوع - إلا أن التأكد عملياً، من أن أي حالة بعينها تستوفي هذه المعايير يتطلب في الواقع قيام المتخصصين بتقييم بيانات إشكالية ومفاضلات سياسية، حتى يتمكنوا من استكمال تقييمهم الشامل.

لكن الذكاء الاصطناعي يواجه صعوبات في محاكاة دور الدماغ البشري في عملية جمع هذه البيانات وتقييمها بعناية وحذر. ويقول السيد إنغليش "إن الاكتفاء بأخذ البيانات المتوفرة وتلقينها لنموذج التعلم الآلي من شأنه أن يعطي نتائج بعيدة عن الواقع لا تبين لك حقيقة ما يجري في المنطقة".

ويضيف السيد إنغليش أنك حتى لو تمكنت من بناء نموذج تعلم آلي قابل للتطبيق في شأن المجاعة، فمن الوارد أن تحدث صدمة غير مسبوقة لا يمكن للنموذج التعرف إليها. فعلى سبيل المثال، عندما غزت روسيا أوكرانيا عام 2022، أصبح فجأة من الضروري مراعاة خطر انقطاع صلة الوصل بين أحد أكبر مصدري الحبوب في العالم، والسوق العالمية وهذا ما شكل تهديداً كبيراً وغير معتاد على الأمن الغذائي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهذه نقطة قد لا يلتقطها نموذج الذكاء الاصطناعي على الأرجح.

قد يولد وقوع حالات خاصة سيناريوهات مختلفة يُحتمل أن يواجه الذكاء الاصطناعي صعوبة في التعامل معها. ويستشهد السيد إنغليش بمثال آخر حيث بينت المراقبة عبر الأقمار الاصطناعية أن قطعان الحيوانات في منطقة معينة جميعاً نفقت - ولكن في الواقع، كانت المراقبة عبر الأقمار الاصطناعية تحدث فقط في منتصف النهار، وهو الوقت الذي تلجأ فيه القطعان إلى الاستظلال بالشجر. لم يكن من الممكن رؤية الحيوانات ولكنها كانت موجودة.

تشير المديرة الإدارية في مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير التابع لشركة "مايكروسوفت"، إنبال بيكر-ريشيف، إلى أن التعلم الآلي يستفيد من توفر كميات كبيرة من البيانات - ولكن تحديد انعدام الأمن الغذائي والإنتاج الزراعي يعتمد على "سياق محلي جداً".

ويضيف السيد هوفين أن المحللين في شبكة "فيوز نت" غالباً ما يعملون على نمذجة مدروسة بعناية وقائمة على الافتراضات - فيقارنون على سبيل المثال منطقة تتوفر فيها بيانات بأخرى تفتقر إليها، داخل إقليم يعاني صراعاً معيناً - وهذا شيء سوف يعاني الذكاء الاصطناعي بصعوبات لتنفيذه.

ويشدد متخصصو "فيوز نت" الذين تحدثت إليهم "اندبندنت" على أنهم لا يعارضون استخدام الذكاء الاصطناعي انطلاقاً من ناحية أيديولوجية- بل إن المنظمة تزيد من استخدام التعلم الآلي لتعزيز بعض وظائفها، وأحد الأمثلة على ذلك نماذج التنبؤ بالطقس القائمة على الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن النمذجة الزراعية والسكانية.

يقول عالم المناخ الزراعي الذي يعمل في "فيوز نت"، وستون أندرسون، "إن المسألة لا تتعلق باستبدال ’فيوز نت‘ بالذكاء الاصطناعي، بل بكيفية استخدامه بطريقة مسؤولة وفعالة. نحن بحاجة إلى الحفاظ على الخبرة العلمية والخبرة الميدانية- ولكن سيكون من الرائع أن نستخدم الذكاء الاصطناعي بطريقة تمنح المحللين مزيداً من الوقت لإنجاز عملهم بفاعلية".

مع تحسن نماذج الذكاء الاصطناعي، قد تضطلع بدور أكبر في الوظائف المتعلقة برصد المجاعات. ولكن إذا حدث ذلك، يجب أن يكون اليقين مطلقاً في قدراتها، لأن الأخطار كبيرة للغاية ولا تسمح بأي هامش للشك.

يقول السيد هوفين "إن المؤشر الحقيقي لنجاحنا هو أننا لا نستيقظ صباحاً لنتفاجأ بحدوث مجاعة في ذلك اليوم. لكن الخطر الذي نواجهه في حال بدأنا بالاعتماد على نظام جديد وفشل هذا النظام هو أننا سنخسر أرواحاً كان من الممكن تجنب فقدانها".

يندرج هذا المقال في إطار مشروع "إعادة صياغة مفهوم المساعدات العالمية" الذي أطلقته "اندبندنت".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير