ملخص
يأتي تحذير "المركزي البريطاني" كأحدث حلقة في سلسلة من تحذيرات البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى بشأن المغالاة في قيمة الأصول وخطرها على الأسواق والاقتصاد.
في تفاصيل محضر الاجتماع الأخير لبنك إنجلترا (المركزي البريطاني) التي نشرت، الأربعاء الماضي، حذر البنك من أن انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى تصحيح حاد في الأسواق سيضر بالاقتصاد البريطاني باعتباره اقتصاداً مفتوحاً على الأسواق العالمية.
وعلى رغم أن أعضاء لجنة السياسات النقدية في البنك ذكروا أخطاراً أخرى مثل التوترات الجيوسياسية وتحديات التجارة وأسواق المال وضغوط سوق الدين السيادي، فإن التقييم المبالغ فيه لأصول الذكاء الاصطناعي كان الأبرز.
يأتي تحذير "المركزي البريطاني" كأحدث حلقة في سلسلة من تحذيرات البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى بشأن المغالاة في قيمة الأصول وخطرها على الأسواق والاقتصاد.
وقبل يوم واحد من نشر تفاصيل محضر اجتماع بنك إنجلترا أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول إلى خطر الأصول التي تشهد مغالاة في قيمتها، وإن لم يذكر بالتحديد شركات الذكاء الاصطناعي.
ليست البنوك المركزية فحسب التي بدأت تحذر من احتمال انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي لأسباب عدة، إذ نشرت مجلة "إيكونوميست" أكثر من تقرير وتعليق حول الموضوع في أعدادها الأخيرة.
وفي عدد المجلة الأخير خصصت أحد الأعمدة لمقال بعنوان "ماذا لو انهار الذكاء الاصطناعي؟". وفي عدد سابق أعدت المجلة تحقيقاً عن النتائج السلبية المتوقعة في حال لم يتعد الذكاء الاصطناعي كونه تطوراً تكنولوجياً آخر مثل سابقيه وتابعيه.
المغالاة في تقييم الأصول
مع استمرار ارتفاع مؤشرات الأسهم في الأسواق الكبرى، تتركز الزيادة الأكبر في عدد من الشركات القيادية في مقدمها شركات التكنولوجيا العملاق. والآن، يتركز الغليان أكثر في أسهم شركات الذكاء الاصطناعي وشركات التكنولوجيا المرتبطة بها. ويشير محضر اجتماع بنك إنجلترا، كما نقلت عنه شبكة "سي أن بي سي"، إلى أن أسهم شركات الذكاء الاصطناعي بصورة خاصة مغالى في قيمتها.
وجاء في محضر الاجتماع أن "نصيب أكبر خمس شركات على مؤشر أس أند بي 500، يقترب من 30 في المئة من حجم المؤشر، وذلك أعلى من أي وقت في نصف القرن الماضي... بإضافة ذلك إلى زيادة تركيز القيمة في مؤشرات الأسواق فإنه يجعل أسواق الأسهم أكثر انكشافاً (على الأخطار) إذا تراجع التفاؤل بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي". وحدد البنك الأخطار الأكبر في "العوامل السلبية التي تشمل عدم التقدم في تبني الذكاء الاصطناعي أو زيادة المنافسة، مما سيعني إعادة تقييم للعائدات المستقبلية المبالغ فيها حالياً".
يعد غليان قيمة الأصول، بخاصة التكنولوجية والرقمية، الخطر الأكبر الذي تواجهه الأسواق ويمكن أن يؤدي انفجار فقاعته إلى أزمة عميقة أو تصحيح حاد. وتواجه أصول الذكاء الاصطناعي تحدياً أهم من "الاختناقات الفعلية التي تعوق تطور الذكاء الاصطناعي من سلاسل إمدادات الطاقة والبيانات واللوجيستيات... وكلها يمكن أن تضر بتقييم الأصول، خصوصاً للشركات التي تعتمد عائداتها المتوقعة على تقديرات الاستثمارات الهائلة في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي"، كما يذكر محضر الاجتماع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يعكس تحذير بنك إنجلترا، وغيره من البنوك المركزية الكبرى في الاقتصادات المتقدمة، ما يتحدث عنه كثير من الاقتصاديين والمحللين والمعلقين في مجال المال والأعمال بشأن التوقعات المغرقة في التفاؤل في شأن الذكاء الاصطناعي.
وبعد تقرير مطول عن احتمال ألا يكون الذكاء الاصطناعي أكثر من "تطور تكنولوجي آخر" وليس بالتأثير الهائل المتوقع في عدد سابق، نشرت المجلة هذا الأسبوع تعليقاً عنوانه التساؤل حول انهيار الذكاء الاصطناعي.
احتمالات ليست مستبعدة
يركز تعليق المجلة على تناول نموذج لقطاع الذكاء الاصطناعي، وذلك في أكبر شركة في القطاع وهي "أوبن أي آي" التي أطلقت تطبيق "تشات جي بي تي" قبل نحو عامين. فحجم المليارات التي تعلن عنها الشركة في الأسابيع الأخيرة يثير التساؤل حول ما يمكن أن يحدث إذا لم يتحقق كل ما هو مأمول من الذكاء الاصطناعي من ناحية الاستخدام والعائدات والأرباح.
مطلع الشهر الماضي أعلنت "أوبن أي آي" عن شراء شرائح إلكترونية للذكاء الاصطناعي بما قيمته 10 مليارات دولار من شركة "برودكوم" المنافسة لشركة الإلكترونيات الكبرى "إنفيديا". وبمنتصف الشهر أعلنت الشركة أن "إنفيديا" ستستثمر ما يصل إلى 100 مليار دولار فيها على مدى أعوام. ومطلع هذا الشهر أعلنت "أوبن أي آي" عن صفقة مع شركة "أي أم دي"، وهي شركة شرائح إلكترونية كبرى أخرى. كل هذا في غضون شهر واحد، ويتعلق بالشرائح الإلكترونية فقط.
كذلك اتفقت "أوبن أي آي" على شراء قدرات سعة حاسوبية بقيمة 300 مليار دولار من شركة "أوراكل" العملاق في مجال مراكز البيانات. في الوقت ذاته أصبحت شركة "أوبن أي آي" أكبر شركة ناشئة، متجاوزة شركة "سبيس إكس" لصاحبها الملياردير إيلون ماسك. وفي غضون أقل من 10 أعوام بلغ تقييم السوق للشركة نصف تريليون (500 مليار) دولار اقترضت على أساسها 6.6 مليار دولار أخيراً.
لا يتعلق الأمر إذاً بشركة الذكاء الاصطناعي الناشئة وحدها والمساهمين فيها، بل بشبكة من الشركات المرتبطة بها وبالقطاع، وعلى سبيل المثال، أدت الصفقات الأخيرة السابقة إلى ارتفاع أسهم "برودكوم" بنسبة 13 في المئة لتضيف 200 مليار دولار إلى قيمتها السوقية، وارتفعت أسهم "إنفيديا" بنسبة أربعة في المئة لتضيف 160 مليار دولار إلى قيمتها. أما شركة "أي أم دي" فارتفعت أسهمها بنسبة 24 في المئة لتضيف 60 مليار دولار إلى قيمتها السوقية، وأضافت شركة "أوراكل" أكثر من 250 مليار دولار لتقارب قيمتها السوقية التريليون دولار (900 مليار دولار).
ربما لا تبدو احتمالات انهيار شركة "أوبن أي آي" كبيرة الآن، لكنها تظل احتمالات غير مستبعدة كما يخلص تعليق المجلة، إذ قد يكون الانهيار نتيجة عوامل خارج أي مشكلات للشركة الناشئة ذاتها، بل لاحتمال ألا تحقق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوقعات المبالغ فيها.
في تلك الحال سيكون مساهمو الشركة الناشئة المتضرر الأول، فمنذ إنشائها جمعت "أوبن أي آي" نحو 35 مليار دولار من 149 مستثمراً.
لكن التأثير الأوسع في السوق سيكون هائلاً وسيطاول كل شركات التكنولوجيا، بالتالي التركيز الأهم في مؤشرات الأسواق، وعلى سبيل المثال، أدت الصفقات الأخيرة للشركة الناشئة إلى مكاسب لكل شركات مؤشر "بلومبيرغ" للذكاء الاصطناعي الذي يضم 49 شركة. وأضافت شركات المؤشر إجمالاً نحو 1.7 تريليون دولار إلى قيمتها السوقية، لكن تلك الزيادة الكبيرة تخفي خسائر ليست بسيطة لمعظمها تقدر بنحو نصف تريليون دولار (435 مليار دولار)، حتى "أوبن أي آي" ذاتها منيت بخسائر تصل إلى 10 مليارات دولار بحسب ما ذكرت "إيكونوميست".