Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أصبحت "قسد" الرقم الأبرز بالمعادلة السورية بعد عقد من التأسيس؟

تكافح من أجل أن تصبح شريكة في العملية الانتقالية والمرحلة التي تليها وفق شروط تناسبها

قاتلت "قوات سوريا الديمقراطية" خلال محاربتها "داعش" على جبهات ومناطق مختلفة (اندبندنت عربية)

ملخص

في الـ10 من أكتوبر الجاري، مرت 10 أعوام على تأسيس "قوات سوريا الديمقراطية" التي تشكل تحالفاً عسكرياً لمكونات قومية ودينية ومناطقية سورية مختلفة، والتي أصبحت الشريكة الرئيسة للتحالف الدولي في مواجهة تنظيم "داعش" في البلاد، وعلى رغم تلقيها ضربات كبيرة لا سيما من الجانب التركي تسعى هذه القوات إلى الانتظام في المرحلة الانتقالية في سوريا وحجز مكان لها في المعادلة الجديدة في البلاد بعد سقوط الأسد.

مضت 10 أعوام كاملة على تأسيس "قوات سوريا الديمقراطية" من قبل فصائل عسكرية كردية وعربية وسريانية في الحسكة والرقة بعد أشهر قليلة من خوض "وحدات حماية الشعب" التي تعتبر العمود الفقري لهذه القوات معركة "كوباني"، وبعد تحالفها مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول الغربية والعربية التي شكلت التحالف الدولي ضد الإرهاب، وجاء تشكيل هذه القوات في وقت بدأت الخريطة السياسية والعسكرية السورية تتلاشى تدريجاً لمصلحة قوى عسكرية وسياسية مختلفة ومتناحرة، ووسط تدخلات إقليمية ودولية، وتوزعت خريطة النفوذ بين فصائل عسكرية معارضة تتبع لما عرف بـ"الجيش السوري الحر" الذي توزع فيه النفوذ بين الفصائل المنضوية إليه وقوات النظام السوري السابق مع حلفائه من الميليشيات المدعومة من إيران، إلى جانب دعم روسي عسكري، وبروز "وحدات حماية الشعب والمرأة" في المناطق الكردية في الشمال والشمال الشرقي السوري التي دخلت في مواجهات واسعة مع فصائل "الجيش الحر" أحياناً، وقوات النظام (سابقاً) بنسبة أقل، في وقت تسيد تنظيم "داعش" على المناطق المتاخمة لتلك التابعة لـ"وحدات حماية الشعب" لتكون المواجهة بين الطرفين في أواخر عام 2013 وصولاً حتى تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية" في الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015، حين أصبحت هذه القوات العنوان الأبرز في مواجهة التنظيم في سوريا والشريك الوحيد على الأرض مع التحالف الدولي.

 

كيف تشكلت؟

كانت الفصائل الأولى المنضوية في تشكيل هذه القوات ثمانية أطراف عسكرية محلية، وهي "التحالف العربي السوري" و"جيش الثوار" و"غرفة عمليات بركان الفرات" و"قوات الصناديد" و"تجمع ألوية الجزيرة" و"المجلس العسكري السرياني" و"وحدات حماية الشعب" ووحدات حماية المرأة"، وجاء في بيان التأسيس الذي تلي في عرض عسكري لهذه الفصائل في مدينة الحسكة أن "المرحلة الحساسة التي يمر بها بلدنا سوريا وفي ظل التطورات المتسارعة على الساحتين العسكرية والسياسية، تفرض أن تكون هناك قوة عسكرية وطنية موحدة لجميع السوريين تجمع بين الكرد والعرب والسريان والمكونات الأخرى".

وجاء بيان التأسيس عقب إعلان الولايات المتحدة نيتها تقديم معدات وأسلحة "لمجموعة مختارة من قادة الوحدات" حتى تتمكن من تنفيذ هجمات منسقة في مناطق سيطرة تنظيم "داعش" بعد فشل برنامج تدريب 5 آلاف مسلح من الفصائل السورية المقاتلة وبيع بعضها المعدات الغربية المقدمة لها إلى "جبهة النصرة" ومصادرة الأخيرة معدات من الفصائل في برنامج التسليح ذاته.

والأسابيع والأشهر التالية لإعلان التأسيس انضم كثير من الفصائل التي كانت تتبع لـ"الجيش الحر" أو أخرى مستقلة للقوات الوليدة، وخلال أسابيع قليلة زاد التنسيق مع التحالف الدولي الذي سلمها عشرات الأطنان من الأسلحة والذخائر والمعدات إضافة إلى تنفيذ هجمات وغارات جوية منسقة ودقيقة وواسعة على نقاط وخطوط الجبهات مع "داعش". ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف معارك هذه القوات مع "داعش" وصولاً حتى آخر معاقله داخل الأراضي السورية الواقعة شرق نهر الفرات، حيث كانت معركة "الياغوز" الحاسمة، وأعلنت هذه القوات والتحالف الدولي في الـ23 من مارس (آذار) عام 2019 إنهاء "الخلافة" التي رفع شعارها "التنظيم" في مناطق واسعة من سوريا والعراق.

جبهات عدة

قاتلت "قوات سوريا الديمقراطية"، خلال محاربتها "داعش" على جبهات ومناطق مختلفة، قوى أخرى منها النظام السوري السابق لا سيما داخل المدن كالقامشلي والحسكة، وأيضاً كانت في مواجهة عمليات عسكرية تركية دعمت فصائل سوريا معارضة من "الجيش الوطني" الذي أسسته تركيا، ولعل أبرز تلك العمليات كانت "درع الفرات" التي كانت الأولى للجيش التركي بتوغله داخل الأراضي السورية بداعي محاربة "داعش"، لكن بحسب تصريحات المسؤولين الأتراك اللاحقة بمن فيهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فإن الهدف كان عدم السماح بإنشاء إقليم جغرافي متواصل بين مناطق عفرين وشمال شرقي سوريا، لتتوالى العمليات العسكرية التركية لاحقاً مستهدفة هذه القوات، بصورة مباشرة، كعملية "غصن الزيتون" التي نجحت فيها القوات التركية بالسيطرة على كامل منطقة عفرين وإبعاد "وحدات حماية الشعب" منها في مارس عام 2018، ليتكرر المشهد في عملية "نبع السلام"، وتنتهي بسيطرة سريعة للقوات التركية والفصائل التابعة لها في "الجيش الوطني" على منطقتي سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض.

منعطفات حادة

ومع خسارة "داعش" الأراضي التي كان يسيطر عليها في شرق الفرات تحولت غالبية عملياته إما نحو السجون حيث يحتجز مسلحوه، أو ضد نقاط "قوات سوريا الديمقراطية"، في حين انشغلت الأخيرة، أحياناً، بتوترات داخلية مثلما جرى أثناء عملية القبض على قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل (أبو خولة) الذي ازدادت عليه الشكاوى المحلية وحاول تشكيل ما تعرف بـ"إمارة البكير" في أغسطس (آب) عام 2023، لتندلع المواجهات بين مسلحين محسوبين على العشائر لا سيما تلك التي كانت تشكو من الخبيل نفسه، وتستعين بالميليشيات الإيرانية والأجهزة الأمنية النظامية (سابقاً)، في حين فتحت فصائل "الجيش الوطني"، في الوقت نفسه جبهات منبج وريف حلب مع "قسد" وسط حملة إعلامية وسياسية مناوئة لهذه القوات منها تصريحات تركية رسمية وأخرى للنظام السوري السابق، لكن سرعان ما حسمت المعركة واستعادت المجالس العسكرية بريف دير الزور زمام الأمور في المنطقة، لتهدأ الجبهات تقريباً ما عدا العمليات الأمنية في مواجهة "داعش" إلى أن بدأت المتغيرات الجديدة في سوريا مع بدء عملية "ردع العدوان" التي قادتها "هيئة تحرير الشام"، لتنطلق بعدها بأيام معدودة عملية "فجر الحرية" من قبل فصائل "الجيش الوطني" وبدعم تركي، ومعها انسحبت "وحدات حماية الشعب" من الجيب الصغير بريف حلب الشمالي المعروف بمنطقة الشهباء وتل رفعت إلى مناطق شرق الفرات، وكذلك حيا الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، وكذلك من منبج بعد معارك طاحنة مع فصائل "الجيش الوطني" التي كان التحالف الدولي، بدوره وسيطاً بين أطراف النزاع بما فيها تركيا التي أصرت على انسحاب "قوات سوريا الديمقراطية" من سد تشرين، لكن المعركة في هذه المؤسسة كانت الأطول وامتدت أشهراً بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد لتنتهي ببقاء "قوات سوريا الديمقراطية" في السد ومناطق قريبة منها سيطرت عليها مع انهيار القوات العسكرية النظامية، لا سيما في منطقة دير حافر التي تعد استراتيجية بالنسبة إلى حلب المدينة من ناحية طريق الوصول وضخ مياه الشرب إليها من نهر الفرات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المدخل إلى الدولة الجديدة

وجاء اتفاق الـ10 من مارس بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي ليتبنى وقف إطلاق النار على كامل الجغرافيا السورية، والبحث في دمج "قسد" والمؤسسات المدنية التابعة للإدارة الذاتية في مؤسسات الدولة إلى جانب ضمان حقوق الأكراد في الدستور الدائم للبلاد، إضافة إلى إعادة المهجرين إلى مناطقهم لا سيما الأكراد منهم في عفرين وتل أبيض وسري كانيه، فضلاً عن توزيع عادل للموارد الطبيعية وفتح المعابر مع دول الجوار.

وأتت هذه المستجدات لتطرح معادلة أن تكون "قوات سوريا الديمقراطية" جزءاً من الدولة السورية بعدما كانت تنظيماً مسلحاً غير رسمي، لكن بإدارة ذاتية تدير ما يقارب ثلث مساحة سوريا، وربما الأكثر غنى من ناحية الموارد، ويقطن فيها نحو 6 ملايين نسمة، في موازاة استقرار أمني مميز.

وللمناسبة ألقى القائد العام لـ"قسد" كلمة أمام مقاتليه من وحدات مكافحة الإرهاب كشف فيها عن بدء المحادثات العسكرية مع دمشق من خلال لجنة عسكرية متخصصة معلناً، للمرة الأولى، أن قوات مكافحة الإرهاب ستحارب "داعش" ضمن الجيش السوري على مستوى كامل الجغرافيا السورية.

"ركيزة الاستقرار"

وأخيراً شهدت المحادثات بين "قوات سوريا الديمقراطية" ودمشق دفعاً جديداً، وقادها بصورة مباشرة كل من المبعوث الأميركي الخاص توم براك وقائد القيادة الوسطى للقوات الأميركية الأدميرال براد كوبر، وإن شابتها مواجهات محدودة في مدينة حلب بين قوى الأمن الداخلي التابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" وفصائل تابعة لوزارة الدفاع التي حضرت للمعركة بأسابيع من خلال وضع المتاريس وقطع الطرقات المحيطة بالحيين الكرديين في المدينة، لكن سرعان ما أعلن وقف لإطلاق النار مجدداً بين "قسد" ووزارة الدفاع السورية بعد لقاء وزير الدفاع مرهف أبو قصرة بمظلوم عبدي في دمشق في سياق الجهود الأميركية لتنفيذ اتفاق الـ10 من مارس بين الطرفين، كما جرى الحديث من قبل مفاوضين أكراد، بصورة مبدئية، حول اندماج "قوات سوريا الديمقراطية" في الجيش السوري من خلال ثلاث فرق عسكرية في مناطقها في حين تبقى "وحدات حماية المرأة" لواء مستقلاً.

في بيانها الصادر لمناسبة مرور 10 أعوام على تأسيسها قالت "قسد" إنها أصبحت اليوم ركيزة الاستقرار والأمان في شمال وشرق سوريا، "وشريكاً فاعلاً في الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، وقوة سياسية وعسكرية مسؤولة تحظى باحترام الداخل والخارج"، مضيفة أن حضورها الفاعل في كل الميادين هو "ضمانة لحماية مكتسبات السوريين في مواجهة كل محاولات التفتيت والتبعية"، وعليه فإنها تكافح من أجل قبولها لدى عموم السوريين وأن تصبح شريكة في العملية الانتقالية في سوريا والمرحلة التي تليها وفق شروط تناسبها.

المزيد من الشرق الأوسط