ملخص
تظهر أزمة تشرد الأطفال في إنجلترا أن غياب الإرادة السياسية أدى إلى حرمان 170 ألف طفل من منزل آمن، مما يهدد حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة والحياة الأسرية، ويكشف عن فشل الحكومات في معالجة جذور المشكلة.
كشفت الأرقام الأخيرة الصادرة الأسبوع الماضي عن واقع مرعب: إذ يعيش في إنجلترا اليوم أكثر من 170 ألف طفل يصنفون على أنهم مشردون ويعيشون في مساكن موقتة، وهو أعلى رقم يسجل منذ بدء جمع البيانات قبل أكثر من 20 عاماً.
وللمقارنة: عام 2004، بلغ عدد الأطفال الذين يعيشون في مساكن موقتة 120 ألفاً. وبنهاية عام 2010، وانتهاء فترة حكم حزب العمال، أدت الإجراءات المستمرة إلى خفض العدد إلى ما دون 70 ألف طفل. أما حكم المحافظين، الذي استمر 14 عاماً، فقد أضاف 100 ألف طفل إلى تلك القائمة.
واليوم، بعد مرور أكثر من عام على تولي حكومة العمال السلطة، لا تزال الأزمة تسير في الاتجاه الخاطئ.
كل طفل من هؤلاء الأطفال يمثل حياة مضطربة: من الليالي التي يقضيها في الفنادق الضيقة، والأسابيع التي يقضيها في قطع مسافات طويلة كي يصل إلى المدرسة، والأشهر التي يقضيها محروماً من الثبات والاستقرار الذي يوفره المنزل. وراء كل رقم من هذه الأرقام تختبئ معاناة من الإرهاق والتوتر والصدمة النفسية. ومع ذلك ما زلنا نتعامل مع مشكلة انعدام المسكن الآمن على أنها أمر لا مفر منه، ونتيجة فرعية مؤسفة تفرزها السوق.
هذه ليست مجرد أزمة فشل سياسي، بل هي أزمة حقوق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وصل حزب العمال إلى الحكم وهو يعد بمعالجة أزمة الإسكان، ولكن بعد مرور أكثر من عام على تسلمه السلطة، يظهر حجم مشكلة تشرد الأطفال مدى قصور تلك الوعود. لا يزال إيواء العائلات يحصل في مساكن غير ملائمة، تفصلها، في غالب الأحيان، مسافات بعيدة من المدارس وأماكن العمل وشبكات الدعم. وتترك المجالس المحلية، التي تعاني نقصاً في التمويل وزيادة في الضغوط، لإيجاد حلول موقتة لمشكلات التشرد بدلاً من معالجة المشكلة من جذورها.
ليس المسكن برفاهية يجب كسبها أو سلعة يمكن التداول بها، بل هو حق أساس من حقوق الإنسان، معترف به بموجب المعاهدات الدولية التي وقعتها المملكة المتحدة، بما فيها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر من الأمم المتحدة.
عندما يحرم 170 ألف طفل من هذا الحق تنهار حقوقهم الأخرى. ولا يمكن للطفل أن يتمتع بحقه في التعليم كاملاً عندما يضطر إلى قضاء ساعات طويلة على الطريق بين النزل والمدرسة. ولا يمكنه التمتع بحقه في الصحة كاملاً عندما يعيش في شقق موقتة رطبة ومكتظة. ولا يمكنه ممارسة حقه في عيش حياته في كنف الأسرة والمجتمع الخاص عندما ينتزعه التنقل المستمر من أوساط أصدقائه وأقاربه ومجتمعه.
ومع ذلك فشلت الحكومات المتعاقبة في إدراج الحق في السكن ضمن قانون البلاد. نتحدث عن الأهداف ومصادر التمويل وإصلاحات التخطيط، لكننا لا نتطرق إلى واجب الدولة بضمان مكان آمن يؤوي كل طفل ويعده منزله.
سيقول البعض إن هذه الأرقام تثبت أن المشكلة أكبر من أن تحل. هذا غير صحيح. لقد تمكنا من حلها سابقاً. الانخفاض إلى أقل من 70 ألف طفل عام 2010 يظهر أن الإجراءات الحكومية الحازمة، إلى جانب الاستثمار والحماية القوية، يمكن أن تحدث فرقاً حقيقياً. ما نفتقده اليوم هو الإرادة السياسية.
على حكومة المملكة المتحدة أن تتصرف بسرعة وبرؤية واضحة. وهذا يعني بناء مزيد من المنازل، وتعزيز حقوق المستأجرين، وتوفير التمويل الكافي للمجالس المحلية لمنع التشرد، والأهم من ذلك، الاعتراف بحقنا في المسكن وحقوقنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى ضمن القانون المحلي.
وهناك اختبار فوري لإرادة حزب العمال. من المقرر أن تكشف الحكومة في نوفمبر (تشرين الثاني) عن موازنة الخريف وعن استراتيجيتها لمكافحة فقر الأطفال.
إذا لم تضع تلك الاستراتيجية حقوق الأطفال في صميمها، فإنها ستفشل قبل أن تبدأ. فالفقر والتشرد ليسا مجرد قضايا اجتماعية، إنهما انتهاك لحقوق الأطفال في السكن، والصحة، والتعليم، ومستوى معيشي لائق.
تمثل موازنة الخريف فرصة لحزب العمال كي يحول خطابه من القول إلى الفعل، وينتقل من الوعود إلى الالتزامات. إذا فشل في اغتنام هذه الفرصة، فسينشأ جيل آخر من الأطفال وهو يتنقل بين النزل والشقق الموقتة.
إن ما يخبرنا به الـ 170 ألف طفل هؤلاء، بأقسى شكل، هو أن النظام معطل.
لأنه لا يجوز حرمان أي طفل من حقه في مسكن آمن. ولا ينبغي السماح لأي حكومة بالتغاضي عن انتهاك للحقوق بهذا الحجم. ولا يمكن لأي مجتمع يدعي أنه يثمن العدالة أن يدير ظهره لـ170 ألف طفل محرومين من حقهم الأساس في المسكن.
أليكس فيرث مسؤول الإعلام والمناصرة في المنظمة "جاست فير" الخيرية Just Fair التي تدافع عن حقوق الإنسان الأساسية في المملكة المتحدة.
© The Independent