ملخص
يواصل شباب "الجيل زد" رفع شعارات تدعو إلى الاستفادة من ثروات البلاد، سواء الثروات الأرضية أو الثروات البحرية، ومن أبرزها شعارات تشير إلى ما يزخر به المغرب من ثروات الفوسفات والأسماك ضمن امتداد بحري شاسع جداً، بينما لا تظهر هذه الثروات بالملموس على المستوى المعيشي للطبقات الفقيرة.
لم تنحصر احتجاجات شباب "الجيل زد" في المغرب على مطالب تحسين خدمات الصحة والتعليم ومكافحة الفساد، بل كان هناك مطلب اعتبره المتظاهرون ضرورياً لكل معادلة تنموية، والمتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تقليص الفوارق داخل المجتمع الواحد والتوزيع العادل للثروة.
ورفع شباب "الجيل زد" الذين استأنفوا احتجاجاتهم أمس السبت في بعض المدن الكبرى للمملكة، بعد توقف دام أياماً، شعارات قوية تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق بين الفقراء والأغنياء، وأيضاً مواجهة سوء توزيع الثروة في أرجاء وجهات البلاد.
ويرى مراقبون أن الاختلالات والتفاوتات الاجتماعية بين جهات البلاد وسوء توزيع الثروة في المجتمع المغربي هي نتاج اختيارات سياسية، لافتين إلى أن الشباب هم الضحايا الأبرز للسياسات العمومية المنتهجة المتسامحة مع أنواع الفساد المختلفة.
اختلالات اجتماعية
حرص الشباب المحتجون في حركة "الجيل زد" التي خرجت إلى شوارع المغرب للمرة الأولى في الـ27 من سبتمبر (أيلول) الماضي، قبل مرحلتي التوقف والاستئناف، على رفع شعارات تطالب بالعدالة الاجتماعية وتذويب الفوارق الكبيرة بين الطبقات الفقيرة والثرية بالبلاد.
ويواصل شباب "الجيل زد" رفع شعارات تدعو إلى الاستفادة من ثروات البلاد، سواء الثروات الأرضية أو الثروات البحرية، ومن أبرزها شعارات تشير إلى ما يزخر به المغرب من ثروات الفوسفات والأسماك ضمن امتداد بحري شاسع جداً، بينما لا تظهر هذه الثروات بالملموس على المستوى المعيشي للطبقات الفقيرة.
وتفيد أرقام رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية) بأن عدد الفقراء في المغرب ناهز 2.5 مليون عام 2024، بينما كان العدد 4 ملايين فقير عام 2014، غير أن ظاهرة "الفقر متعدد الأبعاد" لا تزال متغلغلة في أحشاء المجتمع، بسبب ضعف استفادة المواطنين من ذوي الدخول المحدودة من خدمات الصحة والتعليم، علاوة على موجة الغلاء الفاحش خلال الأعوام الأخيرة.
ووفق المعطيات نفسها يتفشى الفقر في القرى والبوادي أكثر من الحواضر، بدليل أن أكثر من 72 في المئة من الفقراء موجودون في البوادي، ويتوزع 70 في المئة من هذه الشريحة على خمس جهات من البلاد التي تنقسم إدارياً إلى 12 جهة (الجهة تضم عدداً من المدن والقرى).
وتشير أرقام مندوبية التخطيط إلى اختلالات في توزيع الثروة بين مناطق البلاد، حيث إن نسبة كبيرة من الثروات تتركز في ثلاث جهات فقط، هي جهة الرباط والدار البيضاء وطنجة، وتمثل 58 في المئة من مجموع الثروة المنتجة بالبلاد.
وتسبب فداحة هذه الاختلالات الاجتماعية من فقر وبطالة وسوء توزيع للثروات، وفوارق بين الطبقات الاجتماعية كما بين جهات البلاد، في رفع منسوب الغضب والاحتجاج لدى شباب "الجيل زد"، على رغم تراجع حجم التحركات يوماً عن يوم.
وفطن العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى هذه الاختلالات الاجتماعية وتطرق إليها في أكثر من خطاب، آخرها خطاب افتتاح البرلمان عندما شدد على أن "العدالة الاجتماعية ليست أولوية ظرفية، بل توجهاً استراتيجياً"، كما انتقد سير المغرب بسرعتين ووتيرتين، في إشارة إلى المغرب الذي تسوده التنمية الاقتصادية وإحداث المشاريع الكبرى، ثم "المغرب العميق" الذي يعاني الهشاشة والفقر والحرمان من الخدمات الاجتماعية الحيوية.
اختيارات سياسية
يقول في هذا الصدد أستاذ السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا بجامعة القنيطرة فوزي بوخريص إن الاختلالات والتفاوتات الاجتماعية بين جهات البلاد وسوء توزيع الثروة في المجتمع المغربي ليست ظواهر طبيعية، وإنما هي نتاج اختيارات سياسية، تختفي في الغالب وراء غطاء الخبرة التقنية لمكاتب الدراسات واللجان التكنوقراطية الرسمية.
وأوضح أن هذه الاختيارات السياسية ترتبط بتوسع السوق العالمية، وإضفاء الطابع المالي على الاقتصاد والرفع من مرونة سوق الشغل والتقشف الموازناتي وخفض ضرائب الأكثر غنى وخدمة مصالحهم، مع ما لذلك من إجهاز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتنموية الأساسية لسكان المدن والأحياء والمناطق الهامشية التي صارت ضحية التهميش والتفاوت المجالي والعزلة والهشاشة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى بوخريص أنه من الطبيعي أن تتفجر احتجاجات "الجيل زد" ضد الاختلالات والتفاوتات الاجتماعية بين جهات البلاد وسوء توزيع الثروة، أولاً بالنظر إلى ما يمثله الشباب بالنسبة إلى كل مجتمع، فهو يعكس صورة المجتمع بآماله وتعطيلاته وتطلعاته وانسدادات آفاقه، وثانياً لأن الشباب هم الضحايا الأبرز للسياسات العمومية المنتهجة، الموجهة بمنطق اقتصاد السوق، والمتسامحة مع مختلف أنواع الريع والفساد.
وسجل المتحدث ذاته أن "جميع الفاعلين السياسيين لم يتفاجأوا باندلاع شرارة احتجاجات ’الجيل زد‘، وبالمطالب التي يرفعها، فالملك نفسه أقر أخيراً بأن المغرب يسير تنموياً "بسرعتين"، وطالب بتنمية شاملة ومتوازنة تستجيب لطموحات جميع المناطق والمواطنين".
وأردف بوخريص أن الحكومة التي يترأسها عزيز أخنوش اعترفت، في آخر ولايتها، بالعجز عن إيجاد حلول لمعضلة تشغيل الشباب، على رغم البرامج الممولة والموازنات المرصودة التي لم تحقق الأهداف المتوخاة منها والتي على العكس رفعت من نسبة بطالة الشباب وعمقت أنواع التشغيل الهش في صفوفهم.
انزياح الطبقات
بدوره يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة الرباط عمر الكتاني أن تهميش القرى والبوادي من خلال إقصاء هذه المناطق من التنمية وإبعادها من حصة التعليم، هو اختيار سياسي بالدرجة الأولى، حتى يظل هاجس هذه الشريحة من المواطنين فقط كيفية الحصول على لقمة عيشهم.
ووفق الكتاني، لا يمكن أن تتحقق العدالة الاجتماعية من دون تحقيق شروطها الرئيسة، ومن ذلك حماية الفئات الهشة والمحرومة عبر إرساء سياسة كاملة وشاملة تدافع عن حقوق الفقراء والمواطنين من ذوي الرواتب الضعيفة، في مواجهة موجة الغلاء والتضخم وتفشي البطالة والهشاشة.
وتتفق الباحثة في علم الاجتماع مريم العوفير مع الرأي السابق بخصوص انزياح الطبقات الاجتماعية في المغرب، مما يؤدي إلى غياب عدالة اجتماعية وتعميق الفوارق الاجتماعية، وتمركز الثروة في أيادٍ أو جهات محدودة وقليلة بخلاف الغالبية العظمى من المواطنين والمناطق التي ترزح تحت التهميش التنموي والإقصاء الاجتماعي.
وتوضح العوفير أن الطبقات الغنية تزداد حظوة وثراء بفضل الامتيازات الاقتصادية الممنوحة لها، وبفضل سياسة الريع أيضاً والاستفادة من ثمار التصدير والاستيراد، بينما الطبقات الفقيرة تزداد تهميشاً وفقراً جراء ارتفاع كلف الحياة المعيشية.
وتكمل أن "الطبقة الوسطى في المجتمع التي تعرف بأنها ’صمام الأمان‘ لكل مجتمع، إذ إنها تتكفل بتلقي الضربات وامتصاص الصدمات الاقتصادية والاجتماعية، فإنها في المغرب باتت تنزلق إلى جهة الطبقة الفقيرة، وقد تتحد معها إذا استمرت موجة الغلاء والتضخم مرتفعة في البلاد".