ملخص
وفق معطيات جمعية الـ"سام" (وتعني المخدرات)، فإن نسبة تعاطي المخدرات بين الجنود في ارتفاع كما نسبة المتوجهين للعلاج مقارنة مع الأعوام السابقة، إذ وصلت إلى 20 في المئة، وتقدم العلاجات اليوم، وفق معطيات علاج مدمني المخدرات، لنسبة عالية من الجنود وأبناء عائلاتهم.
بينما يعاد تجنيد بعض الوحدات العسكرية لاحتمال فشل اتفاق ترمب لوقف الحرب في غزة، من جهة، والاستعدادات والتدريبات لاحتمال تصعيد تجاه لبنان، وإزاء التقارير التي تدعي تعزيز قدرات "حزب الله" من جهة أخرى حذر متخصصون إسرائيليون من خطر عودة الضغط على الجنود الإسرائيليين بعد عامين من الحرب، وتعميق الأزمة النفسية التي تواجهها نسبة عالية منهم فضلاً عن عائلاتهم جراء ما واجهه الجنود في معارك حرب غزة، واعتبر متخصصون أن عدم استدراك الوضع القائم والاستمرار في الضغط على الجنود قد ينعكس بصورة خطرة على ما سموها "المسيرة العسكرية والمدنية" في إسرائيل.
فقد كشفت معطيات رسمية، بعد مرور عامين على الحرب، أن المخدرات بأنواعها المختلفة وصولاً إلى أخطرها باتت ظاهرة منتشرة بين الجنود وأبناء عائلاتهم، وتحديداً جنود الاحتياط، فمن بين كل خمسة إسرائيليين يتلقون علاج الإدمان يوجد جندي احتياط شارك في حرب "طوفان الأقصى"، بينما شكلت نسبة أبناء جنود الاحتياط الذين لجأوا إلى تعاطي المخدرات خلال الحرب 13 في المئة.
وفق معطيات جمعية الـ"سام" (وتعني المخدرات)، فإن نسبة تعاطي المخدرات بين الجنود في ارتفاع كما نسبة المتوجهين للعلاج مقارنة مع الأعوام السابقة، إذ وصلت إلى 20 في المئة، وتقدم العلاجات اليوم، وفق معطيات علاج مدمني المخدرات، لنسبة عالية من الجنود وأبناء عائلاتهم.
واعتبرت الجمعية أن نسبة جندي من بين كل خمسة يتلقون العلاج غير مسبوقة، وذلك بسبب طبيعة الحرب ومدتها الطويلة وما واجهه الجنود في أرض المعركة.
العلاج سراً
اللجوء إلى المخدرات بات "آلية لمواجهة الصدمة النفسية والتآكل النفسي"، هكذا وصفت الجمعية ظاهرة إدمان المخدرات بين الجنود في تقريرها على لسان متخصصين نفسيين يقدمون العلاج للمتوجهين إليها، وهم في معظمهم يتلقون علاجاً بصورة سرية منعاً لإلحاق ضرر مستقبلي بوضعهم المهني.
عدد غير قليل من الجنود، وبسبب اختيارهم سرية العلاج وعدم التوجه إلى مؤسسات رسمية تقوم بتدوين تفاصيل ملفاتهم الصحية كمدمني مخدرات، يدفعون مبالغ مالية كبيرة لقاء ذلك، ويستخدمون هذه التقارير كوسيلة لعدم عودتهم إلى الخدمة في الجيش.
وبحسب المتخصصين في الجمعية فإن الضغط النفسي الهائل الناتج من حرب "السيوف الحديدية" (وهو الاسم الذي أطلقته إسرائيل على الحرب وقرر نتنياهو تغييره إلى "حرب النهضة")، إلى جانب الخوف من وصمة شخصية قد تدمر المسيرة العسكرية والمدنية، يؤديان إلى ارتفاع حاد في عدد جنود الخدمة النظامية والاحتياط الذين يتوجهون لتلقي علاج سري، ليس فقط في جمعية الـ"سام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب الجمعية فإن ارتفاعاً بنسبة 20 في المئة "يكشف عن فشل كبير في منظومة معالجة الإدمان في إسرائيل، وتشير هذه النسبة إلى أن كثيراً من الجنود يجبرون على البحث عن حلول سرية خارج المنظومة الرسمية".
ووفق تقرير للجمعية فإن اللجوء إلى استخدام المخدرات وإدمانها أظهر بين كثر أنها "الآلية الوحيدة للتعامل مع عوامل الخطر الخاصة بالخدمة العسكرية: الضغط الاجتماعي، والتآكل النفسي، وتوفر المواد المخدرة وسعرها المنخفض، والصدمة والملل والبعد من الدعم العائلي."
ونقل التقرير شهادة أحد الجنود الذين وصلوا إلى الجمعية لتلقي العلاج، وهو من لواء الكوماندوز، قال فيها "عندما خرجت من غزة كنت أشعر بأنني محطم إلى شظايا، المخدرات كانت الشيء الوحيد الذي أطفأ الكوابيس التي كانت ترافقني طوال الوقت"، وأضاف "لو كنت توجهت إلى المنظومة العسكرية لكانوا أرسلوني إلى البيت مع ملف غير صالح للخدمة ولكنني فضلت تلقي العلاج السري من أجل مستقبلي وعائلتي".
يفضل هذا الجندي كغيره من الجنود الذين لا يتوجهون إلى مكاتب الرفاه الاجتماعي ويسجلون في ملفهم الصحي كمدمني مخدرات، تلقي العلاج في جمعية خاصة وبشكل سري لضمان قبولهم في أماكن عمل مستقبلاً، إذ تبين أن عشرات الآلاف الذين غادروا غزة بعد الحرب أصبحوا عاطلين من العمل، وإذا كشف ملفهم الصحي أنهم يعانون إدماناً أو مشكلات نفسية فإن هذا سيعرقل قبولهم في الوظائف، لذا يسهم في تعميق المشكلات العائلية، بعدما كشفت المعطيات ارتفاع المشكلات العائلية خلال الحرب مع تسجيل نسبة عالية من حالات الطلاق، وهذا كله يؤثر في المسيرة المهنية المستقبلية لكل جندي.
تخلي الحكومة
جاء تقرير الجمعية ليكشف أيضاً تخلي الحكومة عن جنود الاحتياط بعد عودتهم من الحرب وعدم مساعدتهم في تلقي العلاج النفسي، سواء من المخدرات أو بصورة عامة. وفي أعقاب إقبال الجنود على تلقي علاج الإدمان بشكل سري فإن معظمهم يتوجه إلى جمعيات خاصة لمعالجة المخدرات، وهذه الأخيرة ترفض الحكومة تقديم العلاج لها مما يدفعها كغيرها من الجمعيات إلى تنظيم حملة جمع تبرعات ودعم لمساندة الجنود من مدمني المخدرات وأبنائهم.
"كل نشاط وتمويل العلاجات يعتمد حصرياً على جمع التبرعات، معنى ذلك أن الصلابة النفسية وإعادة التأهيل لجنود الجيش الإسرائيلي في إسرائيل تمول من قبل الجمهور العام والقطاع الخيري وليس من قبل الدولة"، بحسب تقرير الجمعية.
وفي شهادة أخرى لجندي تلقى العلاج في جمعية الـ"سام"، يقول إنه ترك عمله وعائلته والتزم أمر "8" للمثول العاجل للمشاركة في حرب غزة، ويضيف "عدت بعد خدمة طويلة، معظم فترة عامي الحرب، وكنت في حال انهيار بسبب المخدرات التي تناولتها خلال الحرب، لقد شعرت بأنني محطم تماماً بسبب ما واجهت في المعركة وما تعاطيته من مخدرات، ومن أجل أن أنسى ما رأيت وما يجري من حولي وجدت في الجمعية منقذي من وضعي المتدهور".
اليوم، وبعد الرفض الكامل للحكومة دعم هذه الجمعيات توقفت جمعية الـ"سام" عن تقديم العلاج لنسبة عالية جداً من الجنود توجهوا إليها بعد انتهاء الحرب "87 في المئة من الفئة المحتاجة للعلاج تم رفضها من قبل الجمعية بسبب نقص الموازنات"، يقول مدير الجمعية إساف كنعان.
لم يخف الجنود حاجتهم إلى استخدام المخدرات داخل غزة، وهذه الحرب ليست الوحيدة التي يكشف فيها جنود أن تعاطيهم المخدرات كان الملجأ الوحيد للهرب من الوضع النفسي والخوف من بدء يوم جديد في القتال.
بعض الجنود الذين وجدوا في غزة وعند المعابر تعاونوا مع مدنيين من الخارج لتهريب المخدرات، التي لم تقتصر فقط على حاجتهم بل تحولت إلى تجارة في غزة إلى جانب السجائر.
وكشفوا عن ضبط الشرطة العسكرية، أو ما تسميها إسرائيل "وحدة مكافحة الإرهاب"، ثلاث نقليات لمخدرات وسجائر إلى غزة بكميات كبيرة ساعد في نقلها الجنود.
إحدى العمليات تم ضبطها في معبر "كرم أبو سالم" بعد وصول معلومات استخباراتية عن ظاهرة تهريب المخدرات والسجائر، حيث وصلت قوة من الشرطة وعناصر الوحدة قبل عبور الشاحنات من المعبر وقامت بتفتيشها فعثرت على كميات كبيرة من المخدرات التي صادرتها.
جنود من الجيش كانوا المحور المحرك لهذه المخدرات لتدخل إلى غزة بكميات كبيرة للتجارة وأيضاً لاستخدام جنود إسرائيليين، وبين الجنود المعتقلين أيضاً من كانوا في الخدمة النظامية مع مدنيين إسرائيليين شاركوا في التهريب، وفي إحدى العمليات تم ضبط مبلغ بمئات آلاف الشواكل مع أحد الجنود أدى دوراً كبيراً في نقل المخدرات.
وضمن ما تم كشفه أيضاً وبتعاون من الجنود الموجودين في أرض غزة تهريب مخدرات من قبل مدنيين إسرائيليين في مسيرات صغيرة نجحت في نقل كميات من المخدرات، ولكن العملية توقفت بعد كشفها.
إدمان ووصم
في تقرير آخر للمركز الإسرائيلي للإدمان والصحة النفسية (ICA)، ذكر أن ما كشفته المعطيات بعد عامين من الحرب "تثير قلقاً كبيراً من تداعيات الحرب على الجنود وعائلاتهم، خصوصاً الاحتياط".
وبحسب التقرير فإن نسبة إدمان المخدرات والكحول ومسكنات الألم ارتفعت بصورة كبيرة بسبب الحرب بين الجنود والمجندات أيضاً مقارنة بالسكان، وذلك بنسبة 2.5 ضعف ما كانت عليه.
وفقاً للتقرير فإن من لديهم زوج أو زوجة يخدم/ تخدم في الجيش أو في الاحتياط تظهر لديهم نسب استخدام أعلى للكحول والقنب أو المواد الأفيونية (مسكنات الألم) مقارنة ببقية السكان. وبحسبه فإن "الخطر الذي يواجهه أزواج وزوجات عناصر الجيش يشمل أيضاً احتمالاً مرتفعاً أكثر للإصابة بالقلق واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) مقارنة بالإسرائيليين الآخرين، إذ إن الصدمة والضغط النفسي لا يتوقفان عند الجنود والمجندات، بل يتسربان إلى العائلة والعلاقات الزوجية، ويخلقان دوائر واسعة من الضائقة".
ويظهر التقرير أن العادات الخطرة التي تشكلت في بداية الحرب في ظل الصدمة بقيت مرتفعة وترتفع نسبتها بعد إبلاغ كثير من الجنود عن وضعيتهم عند الإعلان عن انتهاء الحرب.
وتقول المديرة العامة للمركز عنبال دور كربل إنه بعد عامين من اندلاع الحرب ما زال الوضع المؤلم الذي شهدناه خلالها حاضراً في حياتنا اليومية، فإلى جانب الألم والقلق والصدمة تعمقت وتكرست عادات استخدام المواد والسلوكيات الإدمانية بين مجموعات واسعة في المجتمع الإسرائيلي، مما يستدعي العمل على خطة شاملة توحد جميع الجهات في إسرائيل، وتوسيع وتكييف خدمات الصحة النفسية لعلاج سلوكيات الخطر والإدمان، وإقامة أطر علاجية مخصصة، وإتاحة حلول داخل المجتمع، وكسر الوصمات التي تمنع الناس من طلب المساعدة.